Al-Quds Al-Arabi

أبو سلمى أديب ومحام ومناضل هجّرته الصهيونية من حيفا وطولكرم لكنه بقي زيتونة فلسطين

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تســتذكر مؤسســة الدراســات الفلسطينية الذكــرى الســنوية لرحيــل الكاتــب والأديب والشاعر عبد الكريم الكرمي، المعروف بكنيته أبو سلمى، الذي رحل في مثل هذا الأسبوع عام 1980 بعد فشــل عملية جراحية في الولايات المتحدة، كما هي خاتمة زميله محمود درويش الذي التقاه عدة مرات في موسكو وغيرها.

والده الشيخ ســعيد، وأخوته من أبيه: أحمد شاكر وحسن ويوســف ومحمود وحسين وعبد الغني وعبد الله ونبهان ونبيه.

وحســب مؤسســة الدراســات الفلسطينية فقد ولد عبــد الكريم الكرمي فــي مدينة طولكرم شــمال الضفة الغربيــة عــام 1909 وفيها تلقى دراســته الابتدائية ثم في مدرسة "الملك الظاهر" في دمشــق، وتابع دراســته الإعدادية في مدينة الســلط الأردنية، والثانوية في "مكتب عنبر"قبل أن يستكمل في مدرســة "الملك الظاهر" في دمشق حيث نال شهادة البكالوريا السورية سنة 1927 .

بدأ نشــاطه الوطني في سن مبكرة عندما كان طالبــاً في مدرســة "الملك الظاهر" ثــم في "مكتب عنبر"، فكان يشــارك في المظاهرات والإضرابات الطلابيــة، كالمظاهرة التي جــرت احتجاجاً على قدوم اللورد بلفور إلى دمشــق في نيسان/ أبريل 1925، والإضرابــ­ات التي نظمت ضــد الانتداب الفرنســي وتضامناً مــع الثورة الســورية التي اندلعت في تموز / يوليو 1925.

عاد عبد الكريم الكرمي سنة 1927 إلى فلسطين، وعُيّن معلماً في المدرســة العمرية، ثم في المدرسة الرشــيدية في القدس، وعكف ليلاً على دراســة الحقوق في "معهد الحقوق" فــي المدينة. وخلال فترة دراســته كان يكتب بعــض المقالات الأدبية في جريدة "مرآة الشرق" كما اشترك في تأسيس "عصبــة القلم" مع عــدد من الأدبــاء المعروفين، ومنهم خليل البديري، ورئيف خوري، وشارك في نشاطات "جمعية الشــبان المسيحيين" و"النادي الأرثوذكسي العربي" في القدس وحيفا.

نَظَم في بداياته الأدبية قصيدة بعنوان "جبل المكبِّــر يا فلســطين" هاجم فيها ســلطة الانتداب البريطاني لإنشــائها في أواسط الثلاثينيا­ت من القرن العشرين، قصر المندوب السامي على "جبل المكبر" الذي أشــرف منه الخليفة عمر بن الخطاب على القــدس مكبِّراً عند قدومــه إليها بعد فتحها سنة638 م، مشبهاً هذا القصر بسجن الباستيل.

لهب القصيد

بعد صدور بيــان الملوك والأمــراء العرب في 11 تشــرين الأول/ أكتوبــر 1936 الــذي يدعــو الفلســطين­يين إلــى وقــف إضرابهــم العام ضد السياســة البريطانية المؤيدة للصهيونية، نَظَم عبــد الكريم الكرمــي قصيدة يهجــو فيها هؤلاء الملوك والأمــراء بعنوان "لهــب القصيد"، أثارت ضجة واســعة وأصبحت جزءاً مــن تراث ثورة ‪. 1936‬

في حيفا

بعد أن أقالته السلطات البريطانية من وظيفته في المدرســة الرشــيدية، عقاباً علــى قصيدته، عمــل الكرمي في القســم الأدبي التابــع للإذاعة الفلســطين­ية، وواصل دراسته في معهد الحقوق الذي تخرّج فيه ســنة 1941، وانتقــل إلى حيفا، حيث زاول مهنة المحاماة حتى سنة 1948 .اضطُر إلى مغادرة حيفا في أواخر نيسان/ أبريل 1948، عشية سقوطها في يد القوات الصهيونية، واتجه لاجئاً إلى دمشــق، عن طريق لبنــان، حيث عمل مدرســاً ثم موظفاً في وزارة الإعــام ثم محامياً. شارك في المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس في أواخر أيار/ مايو 1964، والذي أعلن فيه قيام منظمة التحرير الفلســطين­ية، كما شــارك في كل المجالس الوطنيــة المتعاقبة حتى رحيله.

عُيّن الكرمي مســؤولاً عن التضامن الآسيوي - الأفريقي لــدى منظمة التحرير الفلســطين­ية، بعد مشــاركته، موفداً عــن المنظمة، فــي أعمال المؤتمر التأسيســي لـ "منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي" الذي عقــد بالقاهرة ســنة 1965، كما

شــارك في مؤتمرات "اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا" و"مجلس السلم العالمي. منحه "اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا" جائــزة "اللوتس" الســنوية للآداب، التي تســلمها في 1 تموز/ يوليو 1979 من رئيس جمهوريــة أنغولا، وفي الســنة نفســها، أقامت منظمة التحرير الفلسطينية احتفالاً له في بيروت بحضور قادة الثــورة الفلســطين­ية ورجالاتها وشعراء من عدد من الدول العربية.

اتحاد الكتاب والصحافيين

انتخــب عبد الكــريم الكرمي ســنة 1980 رئيســاً للاتحاد العام للكتــاب والصحافيين الفلســطين­يين خــال مشــاركته فــي أحد مؤتمرات التضامن في موســكو، شــعر عبد الكــريم الكرمــي بتوعــك صحي فنُقــل إلى الولايــات المتحــدة الأمريكيــ­ة، حيث توفي إثر عملية جراحية أجريت له في11 تشــرين الأول/ أكتوبــر 1980 ولاحقا نُقل جثمانه إلى دمشــق، حيث جرت له جنازة حافلة رسمية وشعبية، ودفن في مقبرة الشهداء.

وتؤكد مؤسســة الدراســات الفلسطينية أن عبد الكريم الكرمي من شــعراء فلســطين الفحول، أديــب ومناضل ربط بــن النضال الوطني والقومي والأممي وتوجّه خصوصاً إلى الأطفال، أمل المســتقبل، منوهة لصداقة وثيقــة جمعته بالشــاعر إبراهيــم طوقان

وكان على صلة بالشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، وقد اختار لقب "أبو ســلمى" توقيعاً لمقالاته وقصائده.

منحتــه منظمــة التحريــر الفلســطين­ية ســنة 1990 وســام القدس للثقافة والفنون والآداب ومــن آثاره في الشــعر: "المشــرد" ، "أغنيات بــادي"، " أغاني الأطفــال"، " من فلسطين ريشتي" و" ديوان أبو سلمى الأعمال الكاملــة" . وفي النثر ترك أبو ســلمى " كفاح عرب فلســطين"، " آثار أحمد شــاكر الكرمي الأدبية والنقدية والقصصية"، "الشيخ سعيد الكرمي" .

ويوضــح الناقد الدكتــور محمد خليل من بلدة طرعان قضاء القدس لـ "القدس العربي" أن قصيدة" إلى ملوك العــرب" أذاعت صيت أبو سلمى، واشــتهر بها واشتهرت به ، ليس في أرجاء فلسطين فحســب، وإنما في أرجاء الوطن العربــي كافة أيضا. منوهــا الى أنها أشهر أشــعار أبي سلمى قاطبة ، وتعد ملحمة حقيقية تروي قصة خيبة أمل الفلســطين­يين في ملــوك العرب الذين خذلــوا ثورتهم عام 1936 وعملــوا علــى إيقافهــا بتكليــف من حليفتهم بريطانيا.

كما يســتذكر أن أبو ســلمى حمّل في تلك القصيــدة الحكام العــرب جــزءا كبيرا من المســؤولي­ة في تشريد الشــعب الفلسطيني وفقدان وطنه.

وحول فلســفة أبو ســلمى يستذكر محمد خليل رســالة بعــث بها أبو ســلمى بعد ذلك إلى كتّاب فلســطين وجاء فيها: أحيي أخوةَ الكلمــة والــدرب، المؤمنين بــدور الفكر في معركــة البناء والتحرير، إن مســيرة الكلمة الفلســطين­ية، التــي جوهرهــا النضال عبر الزمن كانت مرتبطة بمســيرة الشعب الذي جوهره النضال وخوض الغمراتِ والنكبات، وســتظل على العهد – كما كانت – تتألق في هذا الوطن العربي المزدحمة فيه قطعان الليل ... إننا نحن الكتّاب الفلســطين­يين ملتزمون بالكلمة – الموقف – التزامنا بالقضية : الأرض والثورة والشعب، وسنسير في هذا الطريق الدامي الطويل ولن نضل!

وقد لقب أبو ســلمى بزيتونة فلســطين ، كتعبيــر عن مــدى التصاقه الحميــم ثقافيا ونفسيا بقضية وطنه وشعبه".

وفي حديث لـ " القدس العربي" يســتذكر المحامي علــي رافع مــن مدينة حيفــا داخل أراضــي 48 مــا رواه على مســامعه المحامي والمناضل الراحل حنا نقارة بقوله عن زميله المحامي الأديــب الراحل أبو ســلمى إنه كان يستعين بالشــعر في مرافعاته في المحاكم في البلاد قبــل النكبة. وتابع علــي رافع "ورثنا هذا عنــه، فالمحامي يكــون ناشــطا ومثقفا وملما بالكثير مــن النكات الأدبية والقانونية والاجتماعي­ة" .

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom