Al-Quds Al-Arabi

انتصار الدبلوماسيّة أم الرهان على الحرب؟

- عبد الرحمن مظهر الهلّوش٭ ٭ كاتب وصحّافي سوري

يُعدُّ كتاب «خسارة عدو/أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسي­ة» الصادر في بيروت عــن الدار العربية للعلوم ناشــرون، الطبعــة العربية الأولى أب/أغســطس 2018، في 497 صفحة، للكاتب الإيراني الأصل والســويدي الجنســية تريتا بارزي، ترجمة ســامح خلف. توثيقا شــبه شامل لمسيرة المفاوضات بــن الغرب ممثلا في مجموعة خمســة زائــد واحد )الأعضاء الدائمــون في مجلــس الأمن + ألمانيــا( وإيران على مدى 22 شــهرا، عبر اجتماعات تقطّعت أحيانا وتواترت في أحيان أخرى، لكنها شــهدت زخما وجديّة بعد انتخاب حســن روحاني رئيســا لإيران، ووفقــا لرأي المؤلف فإن هناك ثمة عوامل عدّة ســاعدت في التوصّل إلى الاتفاق، أبرزها رغبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التخفيف من أعباء الشرق الأوسط، الذي بدأ يفقد أهميته الاســترات­يجية، والتوّجه نحو شــرق آسيا. ويشير المؤلف إلى أن أوباما كان يعتقد أن «الشــرق الأوســط غير قابل للإصلاح، وكلما تفاعلت الولايات المتّحدة مع مشاكله، زادت الأمور ســوءا، وتحمّلــت الولايات المتّحدة المزيد من اللوم على معاناة المنطقة».

تفادي الحرب

يركز الكتــاب علــى الجغرافية السياســيّة )جيوبوليتيـ­ـك( والسياسة الخارجية، ويركّز بشكل محدّد على الكيفيــة التي تفادى من خلالها زعمــاء إيــران، والولايات المتّحدة الأمريكية، والمملكة المتّحدة، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، الخطر المزدوج المتمثّــل في الحرب أولا، وفي إيــران المســلحة نوويا ثانيا. ويســتند الكتــاب بالدرجة الأولــى إلــى المصادر الأساســية، وهي مقابــات مع صانعــي القرار فــي الولايــات المتّحــدة، والاتحاد الأوروبي، وروســيا، وإســرائيل، وإيــران. ومنهم وزيــر الخارجية الأســبق جون كيري، ووكيل وزارة الخارجيــة وليــام بيرنــز، نائــب مستشــارة الرئيس للأمــن القومي بن رودز، المفاوضــة الأولى ويندي

شــيرمان، بالإضافة إلى اللاعبين الرئيســيي­ن الآخرين في فريق التفاوض الأمريكي مثل جايك ســوليفان، ريتشــارد نيفيو، وروبــرت مالي. أمَّا من الجانب الإيراني، فكان وزير الخارجية جواد ظريف، ومدير مكتب حســن روحاني محمد ناهافانديا­ن، بالإضافة إلى عدد من سفراء الدول الأوروبية. وكذلك نقرأ في الكتاب فصلا عن المفاوضات السريّة والمضنية بين الولايات المتّحدة وإيــران في ســلطنة عُمان، إضافــة للتوترات التــي رافقت تلك المفاوضات بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب تهديد نتنياهو القيام بعمل عسكري منفرد ضدّ إيران.

الثقة المفقودة

«إنّ التحدي أمام المفاوضات بين الإيرانيين والأمريكيي­ن لم يكن تقنيا، بل هو إنساني، وبعد ثلاثة عقود من تشويه السمعة المتبادل والتنافس الجيوسياسي الحادّ، فإنّ الثقة بين الولايات المتّحــدة وإيران كانت غير موجودة أساســا، حيث حوّلت الثورة الإيرانية عام 1979 الولايات المتّحــدة وإيران إلى عدوين لدودين بين ليلة وضحاها، وظلّت العلاقات الأمريكية الإيرانية تشــهد انعطافات إضافية نحو الأسوأ، بعد حرب الخليج عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفييتي. فمع غياب العراق وانهيار الاتحاد الســوفييت­ي الداعم للكتلة العربية، نهضت كل من إسرائيل وإيران من رماد النظام القــديم، باعتبارهما من الدول الأقوى في المنطقة، وكانت التهديدات المشــتركة تدفعهما للتعاون حول المصالح الجيوسياسـ­ـية المشتركة، علــى الرغم من موقف إيران المعادي لإســرائيل .» لكــن المعادلة بــدأت تتغير مع الطمــوح النووي الإيراني، حيث بدأ الاستراتيج­يون الإسرائيلي­ون يجادلون بالقول من دون عراق قوي يشكّل حاجزا بين إيران وإسرائيل، فقد أصبح الآن بمقدور إيران أن تمثّل تهديدا لإســرائيل، حيث بعــد عام 2003 ونتيجة الاضطراب الذي نجم عن احتلال العراق، بدأت نجوم المصالح الجيوسياسيّة، والسياسات المحليّة فــي الولايــات المتّحــدة، «إيــران بدأت بالتحاذي ببطء، فاتحة المســار لحلّ دبلوماســيّ محتمل» . حيــث بدأت الولايــات المتّحدة وإيران تتفاوضان سرّا، بينما الحملات الإعلامية مستعرة بينهما في العلــن، وكان حصيلة ذلك إطلاق إيران خمســة ســجناء أمريكيين محتجزين لديها، مقابل إطلاق ســراح خمسة إيرانيين محتجزين في أمريكا. من هنا بــدا للأمريكيين أن الإيرانيين كانوا يتعاونون، وأن قنوات الاتّصال كانت مفتوحة وفعّالة، شيءٌ رائعٌ قد حدث، )الشــيطان الأكبر( و)داعــم الإرهاب الأوّل في العالم( مــا عادا يتصرّفان كعدوين لدودين كما كانا.

تعتمد الفصول الأولى من هذا الكتاب على كتابيّ المؤلف الســابقين حول هذه المســألة، «التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل، وإيران، والولايــا­ت المتّحدة » و«رمية نــرد وحيدة: دبلوماســيّة أوباما مع إيران » اللذين أوضحا أســس التنافس الجيوسياسـ­ـي ووثّقا العديد من الفرص الضائعة لحلّ التوتّرات دبلوماسيّا، بما في ذلك الخلاف حول برنامج إيران النووي.

صفقة لم تكتمل

على الرغم من أنّ الصفقة النووية لم تُسوّق أبدا لدى الجمهور الأمريكي كوســيلة لتأســيس علاقة جديدة مع إيــران، أو لتغيير سياســات إيران الأخــرى، إلاّ أنّ أوباما وفريقه تمنّيا أن تفتح الصفقة النووية مســارا نحو علاقــات محسّــنة، «إنّ فكرة استكشــاف علاقة مختلفة مــع إيران خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة كانت جذّابة» قال مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، مفســرا التداعيات الأوســع للصفقــة. من هنا تم تأسيس مقدار قليل من الثقة بين الأمريكيين والإيرانيي­ن، «أصبحت العلاقة أكثر مرونة الآن وأقل هشاشة» كما يؤكد أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض. في النهاية تلك الصفقة تخدم مصالح الولايات المتّحدة في العالم، كما يقول باراك أوباما، وقد كانت بالفعل نصرا لأوباما، و«هزيمة مرة» لجماعة إيباك - المنظمة اليهودية للشــؤون العامة في الولايات المتحدة - على حد تعبير «نيويورك تايمز» لكن كانــت للصفقة معارضيها أيضــا بداية من القاعدة الاجتماعية المتشـّـددة المؤيدة لإســرائيل والمســيحي­ين الإنجيليين، الذين نجحوا مــع وصول الرئيــس الأمريكي دونالد ترامب إلــى البيت الأبيض بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وتنبع أهمية صدور النســخة العربية من هذا الكتاب الآن من الصخب العالمي الــذي أثاره الرئيس الأمريكي الحالي دونالــد ترامب، بعد قراره الانســحاب مــن الاتفاق، ومــا ترتب على ذلك من عــودة التوتّر في العلاقات بين أمريكا وإيــران، ومخاوف دول الاتحاد الأوروبي من الخسائر التي ستتحملها شركاتها، التي دخلت بالكاد السوق الإيرانية. وأخيــرا نجد أنّ أهمية هذا الكتاب تنبع مــن كونه يعالج قضايا عصره الشــائكة بنيّة نقدية تفــكك الحقيقة الفعلية للسياســة الخارجية للدول الكبرى وتبعاتها من منظار صورة النزاع.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom