Al-Quds Al-Arabi

الحقيقة مريرة: فلسطيني مضرب عن الطعام يحتضر

مأساة الأخرس تشكل مثالا للجرائم المستمرة منذ 53 عاما في ظل نظام القضاء الإسرائيلي

- ايلانا هيمرمن ■ هآرتس ـ 2020/10/16

«حســب الأدبيــات المهنيــة فانه في حالة موت ســريري، هكذا أخبرتني الطبيبة شــخصيا. الموت قادم، والسؤال هو متى؟». هذا ما قالته المحاميــة احلام حداد في بداية مرافعتها فــي المحكمة العليا عنــد انعقادها كمحكمة عــدل عليا. الشــخص الموجود في «مربــع الموت» هــو موكلها ماهــر الاخرس (49 ســنة( من سكان قرية ســيلة الظهر في محافظة جنين. هو مضرب عــن الطعام منذ ثمانين يوما احتجاجا على اعتقاله الإداري، وهو يحتضر الآن في مستشفى كابلان. هذا الأسبوع، في 12 تشــرين الأول/أكتوبر، لم تســتجب المحكمة للمرة الثانيــة للالتماس الذي تم تقديمه من أجل إطلاق ســراحه من المستشفى الذي يحتجز فيه قسرا.

لقد حضرت جلسة المحكمة المطولة وأذني التــي ملت جدا، اســتطاعت أن تســتوعب في الفضــاء الفاخر لهــذه القاعة الضخمة، التفاصيــل المفعمــة بالحيوية عــن المكانة القانونيــ­ة الدقيقة لشــخص أيامه معدودة إذا لم يتم إطلاق سراحه على الفور. المحضر موجود لدي وقراءتــه أكدت لي، للمرة التي لا يعرف أحد عددها، مــا عرفته عندما كنت أجلس هناك: هذه ليســت محاكمة، بل ظلم، ولــم أكن آمل منها أي شــيء، لا للصدقة ولا لصــراخ يصعد أخيــرا إلى الســماء داخل أســوار هذه القاعة المتغطرسة أو خارجها: «الويل للذين يســمون الشــر خيرا والخير شرا».

حيــث أن كل نظام القضاء الإســرائي­لي، العســكري والمدني، الذي يمســك بأسنانه الفلســطين­يين المحتجزين في المدن والقرى، والذي يسلبهم أراضيهم، ويرسلهم بعشرات الآلاف إلى التعفن في الســجون على أساس قوانين ولوائح حيث لا يوجد للدولة المحتلة صلاحيــة للتشــريع أو التعديــل ـ كل هذا النظام هو شر. هو الشر في تجسده.

ولكن كيف ســيصرخ بهذا الناس «الذين بالنسبة لهم الحقيقة في البيت هي مثل الميت في البيــت»؟ (مئير فايزلتــر(. القليل الذي نشــر في «هآرتس» عن الاخرس، الذي ربما لن يكون من بين الاحياء عند نشر هذا المقال، يمكنكم قراءته بأنفسكم في المقال الموضوعي لهجار شــيزاف: «معتقل إداري يضرب عن الطعام منذ شــهرين ويعالــج، حتى بعد أن جمدت المحكمة العليــا اعتقاله» («هآرتس» 9/30(. في هذه الأثناء مر أســبوعان آخران حاسمان.

بالنســبة لي مأســاة هذا الشــخص ـ ليته لا يموت ـ تشــكل هنا مثالا للمأســاة والجرائــم التــي تتواصل منذ 53 ســنة في ظل نظام القضاء الإسرائيلي. يقولون: «كم هذا فظيع، هــو اعتقل اعتقــال اداري، لكن الفلســطين­يين يعتقلون طوال هذه السنين اعتقــال اداري بــدون محاكمة: الشــباك، الجيش، هم الذيــن يتهمون وهــم القضاة الذين يحاكمون، ولا نعرف على ماذا ولماذا. وحتى الآن من يدافعون عن حقوق الانسان يتمسكون بواقع كله كذب. الاعتقال الاداري لا يتســاوق مع معايير القضــاء العادل في الديمقراطي­ة، هكذا يحتجون. وأنا اتساءل: ما علاقــة القضــاء العــادل بالديمقراط­ية وبالفلســط­ينيين الذين يولــدون ويموتون تحت نظام عسكري منذ عشرات السنين؟

بناء على معلومات اســتخباري­ة سرية، قيل فــي المحكمة، هذا الشــخص متورط في «نشــاطات تنظيميــة تعرض أمــن المنطقة للخطر». لقــد حضرت عشــرات المحاكمات العســكرية، وكان هذا النص هــو ما قالوه.

ســواء كانــت المعلومــا­ت ســرية أو كانت علنيــة، ســواء كان المعتقلــو­ن والمعتقلات قد اعترفوا بإرادتهم من أجــل التوصل إلى «صفقة ادعــاء» أو كانت الإفــادة قد أخذت منهم بالتعذيب. كل شــيء مكتوب وموثق، لكــن القليل مــن الإســرائي­ليين يريدون أن يعرفوا ذلك. باســتثناء حفنــة صغيرة من الإســرائي­ليين )نســاء وليس رجال، هكذا كان الأمر أيضا في المحكمة أمس( فان المحاكم تكون فارغة من الجمهور. وأنا اتساءل: هذه الأحكام والاعتقالا­ت الجماعية حسب «قائمة المشتريات من الدكان» للعملاء ـ ما علاقتها بأمن المنطقة؟ ألا يقتل هنا طوال هذه السنين المئات والآلاف، من المدنيين والجنود، النساء والرجــال، الأطفال والشــيوخ؟ هل المحاكم والمداولات التي لا أساس لها التي تجري فيها بشأن مصير فلسطينيين هي التي ستضع حد لسفك الدماء هذا؟

يقررون أن المعتقل أو المعتقلة هم أعضاء في «تنظيم غيــر قانوني». أيضا عن المضرب عن الطعام يقال ذلك. هــو ينفي ومحاميته تحاول أن تثبت النفي. هو ليس عضو في أي تنظيم، هي تدعي.

وأنا اتســاءل، مــا العلاقــة بالقانونية وإخــراج مئــات التنظيمات الفلســطين­ية، معظمها مدنية، خارج القانون؟ هم يؤيدون الإرهــاب، يقولــون، هــم يحرضــون على الإرهاب في الشــبكات الاجتماعية )انظروا حالــة دارين تاتــور واغنيتهــا «انتفض يا شعبي».) هم إرهابيون بأنفسهم ـ يرشقون الحجارة ويطعنون بالســكاكي­ن ويهددون بالمقصات.

وأنا اسأل السؤال الأهم من بينها جميعا: أي حــق يوجد لدولة إســرائيل، وقوانينها ومحاكمهــا، في تعريف ما هــو الإرهاب وما هو التحريض علــى الإرهاب والتمييز بينها

وبين المقاومة والانتفاضة؟ هذه ليست فقط أن حروبها وعملياتها العســكرية في لبنان وفي قطاع غزة ـ حيث الأغلبية الساحقة من آلاف ضحاياها كانوا مدنيين - كانت حروب إرهابية، بل كل سياستها في الضفة الغربية هي سياسة إرهاب.

وإذا كان الإرهاب هــو حرب ضد مدنيين أبرياء، عندها أيضا فــإن العقاب الجماعي، مصادرة الأراضي، هــدم البيوت والمدارس وأماكن ســكن كاملــة، من النقــب وجنوب جبل الخليــل وحتى أحياء القدس، واعتقال مئــات الآلاف )أكثر من مليون شــخص منذ العام 1967( وســلب دائم لحقوق الإنســان والمواطن في ظل حكم عسكري ـ كلها أعمال إرهاب.

مؤخرا نشــرت هنا )بن شــليف، 10/7) قصيدة لمئير فايزلتــر كتبت في العام 1968. وفجــأة أصبحــت القصيدة مميــزة بفضل الموســيقي آدم هوروفيتــش الــذي لحنها. عنوان القصيدة حقا: «بعض الناس الحقيقة مرة بالنســبة لهم ـ بعض الناس يتقيأون مــن رائحة الحقيقة ـ هنــاك أناس الحقيقة ترسلهم مباشرة إلى المصحات العقلية» كتب في حينه الشاعر. وفي هذه الايام هو يقول: «داخل شــعبي أنا أعيش. أنــا لا أتحدث من خلال الأحلام. أنــا أتحدث من خلال الواقع: هذه كانت الســنة التي بدأ فيها نمو توحش الكــذب السياســي النابع من جشــع تملك الأراضي».

في اليوم التالي ـ بالصدفة ـ نشــر هنا مقال لشــاؤول ارئيلي يتحدث نثرا وبحكمة عن نفــس الحقيقــة )9/10(. ارئيلي، باحث ضليع بالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، بدأ مقاله بالخبر الحديث عن أن رئيس الحكومة أمر بانعقاد مجلس التخطيط الأعلى للإدارة المدنية بهدف المصادقة على بناء موســع لـ 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات في الضفة الغربية. بعد ذلك هو يســتعرض بدقة تطور مشروع الاستيطان منذ التوقيع على اتفاقات اوســلو ويصل إلى اســتنتاج بأن الفلســطين­يين محقين فــي الادعاء بأن جميع حكومات إســرائيل عملت منذ اوسلو على زيادة المنطقة المضمومة لإســرائيل على حسابهم؛ «أو الأكثر خطورة من ذلك» كتب، «من أجل خلــق واقع يعتبر في نظر الجمهور الإســرائي­لي كواقع لا يمكــن من تحقيق حل الدولتين بثمــن وطني معقول ». وفي النهاية يقول: «سياسة توسيع الاستيطان في يهودا والســامرة كانت ومــا زالت غاليــة لدرجة مخيفة على دولة إسرائيل في المجال الامني، الاقتصادي والاجتماعي .»

هــذه هــي حقيقة الشــاعر وهــذه هي حقيقة الباحث، وهــي موجودة منذ جيلين. الكثيــرون ربمــا يتقيــأون مــن رائحتها، لكنهــم لا يعرفون أو لا يتجــرأون على فعل أكثر من ذلك، حتى المحامــن، يهود وعرب، يتعاونون مع جهاز القضاء الذي شرعن كل هذه الأمــور. في المقام الأول المســتوطن­ات، عن طريــق الفصل بين أراضــي دولة )دولة إســرائيل( وأراض خاصــة. ولكن أيضا كل مقاربة التمييز التي تطورت في هذه الأثناء إلى نظام ابرتهايد كامل.

وعلى الرغم من ذلك، فان هؤلاء المحامين الذين يرون بالتأكيد في مهنتهم )المهينة جدا( دفاعا عن حقوق الانسان، ما زالوا يواصلون المرافعة في المحاكم الإســرائي­لية، العسكرية والمدنية على حد سواء، مدافعين عن حقوق الفلسطينيي­ن في الســكن في بيوتهم وتملك

أراضيهم وعدم التواجد في السجون، وكأن جهــاز قضاء دولة حوّل ملايين الاشــخاص إلى رعايا حكمها العسكري، استهدف الدفاع عنهم، وكأن النزاع بين الشعبين هو موضوع جهاز القضاء الإسرائيلي.

جزء من النقاش الذي جرى هذا الأسبوع في قضيــة الاخرس في الهيئــة الأعلى لهذا النظــام، جــرى وراء ابواب مغلقــة. رجال الشــباك والاســتخب­ارات ـ وهــم جزء من جسد هذا النظام ـ اقنعوا كما يبدو القضاة بأن المضرب عن الطعام المشرف على الموت، يعرّض أمــن المنطقــة للخطر، لهــذا هم لم يســتجيبوا للالتماس الــذي طالب بإطلاق سراحه.

 ??  ?? الأسير ماهر الأخرس
الأسير ماهر الأخرس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom