Al-Quds Al-Arabi

تطبيع غير الطبيعي

مررنا بأزمات أمنية واقتصادية وتغلبنا عليها... أما هذه المرة فقد انكسرت المناعة الوطنية

- تسيبي لفني يديعوت ـ 2020/10/16

■ في اليــوم التالي للكورونا، ســتكون إســرائيل مختلفة. مررنــا بأزمات أمنية واقتصادية وتغلبنا عليها. أما هذه المرة فقد انكســرت المناعة الوطنية التي تتشكل من التكافل المتبــادل، الثقة بالقيادة والإحســاس بأننا شركاء في أمر أعظم منا ـ دولة إسرائيل. بقيادة نتنياهو تفككت إســرائيل إلى قبائــل. هوة عميقــة بينها وروح كراهية تحوم فوقها.

لقد باتت الاجواء مسممة جدا. تتصدى إسرائيل اليوم لأحد الفترات القاسية في تاريخها، حيث يقف على رأسها رئيس وزراء ليس فقط متهــم بالجنائي بل ويعمل على تدمير أساسات الديمقراطي­ة.

لا توجــد ديمقراطية بــدون حرية الانســان، بدون هيئات مســتقلة تحافظ عليها ولا تأتمــر بإمرة الحكم: أعلام يكشف النقاب، شــرطة تنفذ القانون على الجميع ومحاكم تعمل دون روع ودون تحيز.

في دولة القانون لا يوجد أحــد فوق القانون، الإنفاذ متســاوٍ ونقي من كل اعتبار سياســي ويوجد سور بين قرارات الشرطة والنيابة العامة في الاجراءات الجنائية وبين السياسيين.

المفهــوم من تلقــاء ذاتــه كان أن على القــرارات أن تتخذ في صالح الجمهور، نقية من المصالح الشــخصية، الاقتصادية أو السياسية لاي من وزراء الحكومة.

حماة الحمى، المستشــار القانونــي ومحكمة العدل العليــا هم المخولــون بوضــع الخطوط الحمــراء عند الحاجة، كاختصاصيين غير سياسيين. هم بشر، يمكنهم أن يخطئوا ويمكن انتقادهم )أنا التي أقمت هيئة الرقابة علــى النيابة العامة(. ولكن دون تدمير الأساســات. كل هــذا كان مفهوما من تلقاء نفســه. اعتقدنــا أنه إجماع، ولكنه لم يعد كذلك. ليس بالنســبة لأولئك الذين يفضل الفقه بالنسبة لهم على القانون وأمر الحاخام يفوق قرار المحكمة العليا. ليس بالنســبة لأولئك الذين خرجوا من حملة نزع شرعية عن حماة الحمى ومحكمة العدل العليا، التي وصفت كغير صهيونية وتساعد العدو.

وما الذي يتناســب أكثر مع المتهم بالجنائي من انهيار منظومة إنفاذ القانــون والقضاء؟ وهكــذا، فإن رئيس وزراء كان حــذرا فــي الماضي مــن هجمات مباشــرة، اكتشف بأن الباب مفتوح فانقض بهدف تدمير منظومات دولتنا التي يقف على رأســها. رئيــس وزراء يدعي بأن في إســرائيل تحاك الملفات، يشــهر بالمستشار القانوني ويتنكــر لصلاحيته فــي أن يقرر بأن للمتهــم بالجنائي يوجد تضارب للمصالح فــي أن يتدخل في تعيين محافل إنفــاذ القانــون والقضاء، ليعطــي الإشــارة للوزراء وللمؤيدين لتكرار الادعاءات الخطيرة بتهديد المستشار القانوني بنصوص سائبة والمطالبة بالتدخل السياسي في المنظومات الأكثر حساسية. وكلما كررنا غير الطبيعي هكــذا تعتــاد الأذن الجماهيريـ­ـة علــى «التطبيع غير الطبيعي». كل هذا جزء هو جزء من حرب رئيس الوزراء ضد من يعتقد خلافا له وجعله عدو الامة.

حين ألم بنا الوباء في الموجــة الاولى، كان يخيل أننا نوجد كلنا فــي القارب ذاته. نتكافــل الواحد مع الاخر، نفهم عظمة اللحظة. إلى أن تبين أن الزعامة نفسها تدوس على التعليمات بقدم فظة.

تحــت رعاية الوباء يعمــل رئيس الــوزراء على أن يســحب حقا أساسا ديمقراطيا آخر ـ الحق في التظاهر. ومنذ زمن وهو يدعي ادعاء مدحوضا بأنه بين الانتخاب والانتخاب محظــور على المواطنــن الاحتجاج لأن هذا «ضد رغبة الشعب ». وهذا ادعاء مدحوض ليس فقط لأنه لم يكن حســم في ثلاث حملات انتخابية، بل لأن احترام النتيجة لا يستوجب من المواطنين تمجيد رئيس الوزراء.

حق الناس في التظاهر حســب القانــون، ولدعوته أن «ارحــل» وكل دعوة غير عنيفة اخــرى. أقف متأثرة من مشــهد اهالٍ واطفال ينزلون إلى المفترق القريب من بيتهم يحملــون يافطات كتبوها بأيديهم ومعا، شــبان

وشــيوخ، يرفعون أعلاما ويكافحون في سبيل قيمنا. ان الأمــر العاجل كي نجتاز الوباء هو المعايير على أســاس اعتبــارات منطقيــة، طبيــة واقتصادية ـ لمــن يريد أن يصلي، يتظاهر وينال الرزق. قانــون واحد، موضوعي وليس سياسيا وإنفاذ موحد للجميع.

بعد أن بذر بذور الفوضى بيديه، ســيحاول نتنياهو استغلال الفوضى كي يركز في يديه صلاحيات شمولية. عندما ســنخرج أصحاء من الوباء، ســيتعين علينا أن نشفي الدولة وان ننظف السم المسكوب. الفشل هو أيضا اداريــا ولكن الادارة الجيدة وحدهــا لا تكفي. ينبغي أن نعيد بناء ما هــدم، ونعود لنعزز الديمقراطي­ة ونبني من جديد ثقة الجمهور بمؤسســاته­ا. كل هــذا يمكنه أن يتم فقط من قبل زعماء يحترمونهم بأنفسهم.

مــن ادعى بأن الشــرطة، النيابة العامة والمستشــا­ر القانونــي سياســيون، لا يمكنه أن يصلــح. ومن هاجم المحاكم لا يمكنه أن يعيد ثقــة الجمهور بها. ثقة الجمهور حرجة. علينا أن نحترم قراراتها، سواء أحبوها ام لا. هذا موقف مبدئي، رسمي، محظور أن يتغير في الائتلاف، في المعارضة وبسبب الوقفة اللحظية.

إن الوحدة هي ليســت وصفة لإسكات الآخر. الوحدة يجب أن تنشــأ حول القاســم المشــترك وإن كان الادنى والذي يمكن لكل مجموعة أن تبني عليه فكرها. سنواصل الجدال ولكن بشــكل مختلف، باحترام. القاسم المشترك هو دولة يهودية وديمقراطية، دولة قانون فيها مساواة، حرية رأي وحرية تعبير. لإســرائيل هــذه ولدت، وهي لم تكــن كاملة الأوصاف في حينه، ولــن تكون كذلك في المســتقبل. إذا ما اتفقنــا على هذا الحد الأدنى ســيكون بوســعنا أن نرى الجمال في القبائل المختلفة التي تعيش في داخلهــا. ولمن يقول إننــي أفرض معتقدي كقاســم مشترك، أجيب أن هذا ليس معتقدي الخاص، هذا وثيقة الاستقلال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom