Al-Quds Al-Arabi

الشباب السوريون يقاتلون الآن كمرتزقة في ميادين اجنبية بعدما مزقت الحرب بلادهم

عشرات الآلاف انضموا لخدمة موسكو وأنقرة... وعند عودتهم إلى سوريا سيبحثون عن عمل في هذه المهنة

- ■ هآرتس ـ 2020/10/16

أكثــر من 45 ألف شــاب ســوري ســجلوا فــي «مكتب التشغيل» الذي انشأه الجيش السوري في قاعدة حميميم في اللاذقية. هذه القاعدة التي يتوجه اليها الشــباب السوريون الذين يريدون التجند لنشاطات عسكرية في ليبيا. كل يوم يمر بدون تشغيل هو خسارة صافية لمئة دولار على الأقل. عشرات الآلاف من اصدقائهم سبق وانضموا للقوات العاملة في ليبيا، والقصص التي يروونها عن الحيــاة الجيدة والجيوب المليئة بالمال تفعل فعلها.

حســب تقارير في وسائل الأعلام الســورية والليبية فان تجنيد شباب ســوريين للحرب في ليبيا بدأ في 2018 في بلدة تل كلف في محافظة حمص. الجهة المجندة كانت شركة «فاغنر» الروســية، التي مرتزقتها يعملون في دول اخــرى في العالم لصالح موسكو.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نفى في الواقع في الشــهر الماضي بأنه يعرف هذه الظاهرة أو أن روسيا تقف وراء التجنيد، هذا إذا كان شــيء كهــذا قائم، لكن مقابلات مع مقاتلين ســوريين عادوا من ليبيا تروي قصــة أخرى. أحدهم تحــدث مع موقع «رصيــف 22» وقال إن التجند مســموح لأي شــخص من عمر 18 وحتى 58 سنة شــريطة أن يكون قد خدم في الجيش السوري أو حصل على إعفاء من الخدمة. في بداية الطريق يحصل المجندون على تدريب عســكري أولي يســتمر لأسبوعين، ويتضمن تدريبات على السلاح الشخصي ووسائل الحماية وتنفيذ مناورات جماعية.

عند انتهاء التدريب الأولي ينتظرون مدة أســبوعين وربما أكثر إلى أن يسافروا جوا إلى ليبيا. في هذه الاثناء يعملون في خدمة رؤساء قبائل سوريين تشغلهم روسيا، لكن يجب عليهم أن يكونوا مســتعدين لتلبية نداء دعوتهــم للقدوم إلى قاعدة خلال ثماني ســاعات. في كل هذه الفترة تؤخذ منهم الهواتف المحمولة وجوازات السفر ولا يســمح لهم بإجراء اتصالات أو محادثات مع ابناء عائلاتهم أو أصدقائهم.

عنــد مجيئهم إلى ليبيا يقســم المجندون إلــى مجموعتين، الذين يعملون في حماية منشآت وانابيب النفط ـ التي يسيطر عليها جيش الجنرال الانفصالي خليفة حفتر والمدعوم من قبل روسيا ـ واولئك المستعدون للمشاركة في المعارك. الراتب هو طبقا لذلك. من يؤمنــون الحماية يحصلون على ألف دولار في الشهر تقريبا، والمقاتلون يحصلون على ثلاثة آلاف دولار. كل واحد منهم يتعهد بالعمل ثلاثة أشهر متواصلة وبعدها يحصل على إجازة مدفوعة الأجر مدتها شهر في سوريا. المجندون غير ملزمين بالعودة إلى ليبيا إذا كانوا لا يريدون ذلك لأن العرض أكبر من الطلب، وفي كل لحظة يمكن ملء الصفوف بأشــخاص جدد. هذا ليس عملا بدون مخاطر.

شباب سوريون سبق وعادوا في توابيت الموتى، ورغم أن العائلة الثكلى تحصل على مبلغ خمسة آلاف دولار كتعويض، إلا أنه من اللحظــة التي اتضح فيها أنه فــي ليبيا يمكن أيضا أن يقتــل الشــخص، جرى احتجــاج جماهيري، بالأســاس في جنوب ســوريا وفي اللاذقية في الشــمال. في أعقابه قرر الجيش الروسي الامتناع عن تجنيد أبناء هذه المحافظات. بعد موجة التجنيد الأولى بــدأ الروس باتباع طريقة جديدة، التي فيها السوريون الذين ســبق وجندوا يتحولون إلى مجنِدين جماعيــن، المجند يحصل في المقابل على زيادة في الراتب تبلغ 25 في المئة ويعين كمســؤول عن المجموعة في كل نشــاطها في سوريا وفي ليبيا.

الصفقة التركية

ليس فقط روســيا ومبعوثيها يقومــون بتجنيد محاربين ســوريين للجبهة في ليبيا. فتركيا هي «المشغلة» المنافسة التي ترسل قوات ســورية إلى ليبيا لمساعدة الحكومة المعترف بها، التي تؤيدها في حربها ضد حفتر. ولكن تركيا ترسل مليشيات ســورية تعمل تحت رعايتها، وحتى أنه نشــرت تقارير تفيد بأنها تقتــرح على اللاجئين الســوريين الذيــن يمكثون على أراضيها بأن يكسبوا رزقهم من هذه الحرب.

الراتب هو في الحقيقة يشبه الراتب الذي تدفعه الشركات الروسية، لكن الفرق هو أن المرتزقة المبعوثين من انقرة ينفذون نشــاطات حربية أكثر خطــورة. وعدد قتلاهم أعلــى. هكذا، فان مقاتلي المليشــيا­ت الســورية يفضلون أحيانا الفرار إلى الشــركات الروسية ـ بدلا من إرسالهم إلى مناطق القتال التي وضعتهم فيها تركيا.

إن قلق المرتزقة الســوريين الذين يعملــون في خدمة تركيا أو روســيا هو أن المحادثات التي تجري الآن حول وقف إطلاق النار في ليبيا وجس النبض الذي يجري بحثا عن حل سياسي ســتؤدي إلى فقدانهم لعملهم وإعادة إرسالهم إلى سوريا التي

فيها احتمالات الحصول ولــو على ربع الراتب الذي يحصلون عليه في ميادين القتال، غير قائمة.

إن مستقبل المحادثات السياســية التي جرت هذا الأسبوع في مصر، والتي يتوقع أن تســتأنف في تشرين الثاني المقبل، ما زال يلفه الضباب. هنــاك في الحقيقة اتفاق مبدئي على عقد لقاء مشترك بين الطرفين المتخاصمين في ليبيا ـ الجنرال حفتر والحكومة المعترف بها من قبل الامم المتحدة ـ وهناك استعداد لتبنــي الدعوة لوقف إطــاق النار التي أعلــن عنها وفورا تم خرقها في شهر آب أغسطس، ولكن الخلافات في الرأي ما زالت عميقة.

الاتفــاق، حتى لو تم التوصل إليــه، لا يرتبط فقط بالنوايا الحسنة للأعداء الليبيين، بل بالأساس بالتفاهمات بين روسيا وتركيا، وبينهما وبين مصر والإمارات التي تؤيد حفتر. الزخم العســكري للجنرال الانفصالي تم وقفــه وتموضع مؤخرا في مواقع دفاعية، هكذا يبدو أنه سيجد صعوبة في أن يشكل رأس حربة لطموحات القاهرة وأبو ظبي. ولكن من شــأنه أن يكون لغما شديدا في طريق كل حل سياسي لا يضمن له مكانة ونفوذ على الصعيد السياسي.

حفتر واعداؤه ســيتوجب عليهم أيضا التوصل إلى تفاهم على انتخابات، بالأســاس علــى قانون الانتخابــ­ات وبنود الدســتور. هكذا، فان الطريق للحل ما زالت طويلة، والسؤال هو هل هذه الصراعات السياسية ستجري تحت النيران أو أن وقف إطلاق النار سيرافق الخطوات السياسية.

جــزء من المرتزقة عــرض عليهم خيار عمل آخــر في اقليم ناغورنــو قره باغ ـ هناك تتواصل حرب أذربيجان مع أرمينيا على السيطرة على أقاليم الحكم الذاتي.

تركيا حسب تقارير للمركز السوري لحقوق الانسان، التي أكدها الرئيس الفرنســي عمانويل ميكرون، أرســلت حوالي 1200 مقاتل ســوري إلى الجبهة في الجيــب الارمني من أجل مســاعدة القوات الأذرية. هــذه جبهة نازفــة، أدت إلى موت بضع عشرات المقاتلين الســوريين، الذين تجندوا للحرب لأنه تم وعدهم بأن يعملوا فقط في نشــاطات حماية لأنابيب النفط وليس في القتال.

هذا الأســبوع أبلغ أن حوالــي 200 مقاتل ســوري طلبوا العودة إلى بيوتهم فورا من هذه الجبهة. إن مشــاركة المرتزقة الســوريين، معظمهــم من أبنــاء الطائفة التركمانيـ­ـة، الذين يتم تشــغيلهم من قبل شــركات حماية تركيــة خاصة برعاية المخابرات التركية، تقلق روسيا التي دعت كل القوات الاجنبية

للخروج من المنطقة.

روســيا عالقة بين تعهدها لأرمينيا حســب اتفــاق الدفاع الذي وقعته معها في التســعيني­ات وبين رغبتها في مســاعدة اذربيجــان كجزء من طموحهــا في ضمها لحلــف اقتصادي، وبالأســاس إبعادها عن تأثير الولايات المتحــدة. تركيا تدفع لمرتزقتها فــي اذربيجان حوالي 1500 ـ 2000 دولار شــهريا، اضافة إلى تدريب عسكري يحصلون عليه في الميدان.

اللغز السوري

تجنيد وتشــغيل المرتزقة في جبهات متعددة القوميات مثل ليبيا واذربيجان ليس ظاهرة جديدة. الإمارات جندت مرتزقة من كولومبيا ومن دول إفريقية للحرب في اليمن. في فترة حكم معمر القذافي في ليبيــا جند مقاتلين من دول افريقية مجاورة. إيران جنــدت آلاف اللاجئين الأفغان الذين كانوا يمكثون على أراضيها للحرب في ســوريا، إلى جانب قوات بشــار الأســد، ووعدتهم بإعطائهم الجنسية عند عودتهم. في سوريا تطورت هذه الظاهرة كجزء من الاحباط واليأس من احتمالية التوصل إلى حل سياسي وإنهاء الحرب.

التمرد ضد نظام الاسد، الذي تسبب بالحرب الفظيعة التي استمرت تسع ســنوات، تحول إلى صراع على البقاء بالنسبة لأكثر مــن 13 مليون لاجــئ ومهجر، نصفهم داخــل الأراضي الســورية. ظروف حياتهم صعبة بشــكل خاص، والمساعدة الدولية تغطي فقط نحو 10 في المئة من احتياجاتهم، الخدمات الصحية تقريبا غيــر موجودة، ويجب عليهم إعداد أنفســهم لمواجهة فصل الشــتاء. جزء منهم، مثلما في شــمال ســوريا الذي اقيم فيــه نحو ألف مخيم للاجئــن، يحاولون الخروج من المخيمات بســبب صعوبة مواصلة الســكن في خيام بدون خدمات صحية، وهم يفضلون أن يجدوا لأنفسهم سكن مرتجل في أراضي خالية.

مــن بقي معه القليل من المال ينضم إلــى عدد من العائلات، ومعا يشــترون أو يســتأجرون قطعــة أرض مــن أصحابها السوريين بمبلغ 500 دولار في السنة، من أجل أن يقيموا عليها مبان من الاسمنت. في سوريا أصبحوا يتحدثون عن استيطان بعيد المــدى للاجئين في مناطــق تقع تحت ســيطرة حكومة المتمردين المؤقتة، بصورة تغير التوزيع الديمغرافي في الدولة. هذه الظاهرة تذكر بدرجة ما توطن اللاجئين الفلسطينيي­ن في الدول العربيــة: مخيمات اللاجئين المؤقتــة تحولت إلى مدن حقيقية، هناك هم يعيشون منذ عشرات السنين.

إن احتمالات إعادة تأهيلهــم وعودتهم إلى بيوتهم لا تلوح في الافق. وعن مكان عمل منظم يضمن كسب رزقهم يمكنهم أن يحلموا فقط. المحظوظون يعملون في أعمال زراعية مؤقتة، أو يحصلون على مساعدة من منظمات الاغاثة وعلى تبرعات من دول عربية وأوروبية. أن طمــوح الجميع هو محاولة الهجرة إلى اوروبا أو التجند للمليشــيا­ت التي تحظى برعاية تركيا، روسيا أو إيران، من أجل الحصول على راتب معقول يبلغ 200 دولار في الشــهر. هذا مخزون إنساني ضخم بالنسبة لكل من يبحث عــن مرتزقة لأي هدف، لكن هذا خيــار غير مفتوح أمام جميع الشباب.

ميزانيات هذه المليشــيا­ت محدودة وكل تجنيد يشكل عبئا ماليا يقتضــي إعادة توزيــع للميزانية. أيضــا يوجد اعتبار للانتماء الطائفي للمرشــح للتجنيد. لاجئون علويون مثلا لا يتم قبولهم في المليشــيا­ت السنية. لاجئون مسيحيون مشتبه بهم دائما بدعمهم للأسد. المليشيات الكردية تجند الاكراد فقط كتجنيد إجباري، في حين أن المليشــيا­ت التي ترعاها تركيا لا تجند الأكراد وتفضل التركمان أو المسلمين السنة.

هناك قضية مقلقة أخرى تتعلق بمســتقبل عشــرات آلاف المرتزقــة الذين ذهبــوا للقتال فــي ليبيــا أو اذربيجان. عند عودتهم إلى سوريا سيبحثون لأنفســهم عن عمل في «المهنة» التي حصلوا عليها في ســاحة القتال. هؤلاء مقاتلون مدربون من شــأنهم أن يعرضوا خدماتهم على كل ميليشــيا أو تنظيم يبحث عن مقاتلين، أو على كل دولة في منطقة توجد فيها حرب ما.

هــذا قلق ليس خــاص فقط بمرتزقة الحرب، وهو يشــغل أيضــا الميليشــي­ات والنظام ـ الــذي يجد نفســه أمام قوات مقاتلة تنفذ أوامر دول اجنبية. الأســد يســعى منذ سنتين إلى دمج الميليشــي­ات المؤيدة له في الجيش الســوري، لكن ليس لديه خطة عمل منظمة، وعليه أن يواجه ميليشــيات ليســت بالضرورة معأرضة لــه ـ لكنها تحظى بمكاســب الحرب ولا تنوي التنازل عنها.

الرئيس الســوري في الواقع أعاد لنفســه الســيطرة على معظم أجزاء الدولة، لكنه يجد صعوبة في الســيطرة على كل القوات المسلحة المؤيدة له، لكن لديها أجندة مستقلة. معركته على الدمج والسيطرة على هؤلاء فقط بدأت.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom