Al-Quds Al-Arabi

السودان: تطبيع بالترويع وآخر بالتسريع!

-

■ بعــد حديــث قنــاة «آي 24» و«جيروزاليم بوســت» الإســرائي­ليتين عــن اســتعداد الســودان للتطبيــع قريبا، ونفــي مصدر من «مجلس الســيادة» لذلــك، أكد مصدران حكوميــان ســودانيان «رفيعا المســتوى» لقناة «ســي إن إن» الأمريكية أن مجلس الوزراء الســوداني يجتمع حاليا لتقريــر مــا إذا كان ســيتم تطبيــع للعلاقات مع إســرائيل بعد أن أعطت الولايات المتحدة الأمريكية إنذارا للســودان للتوصل إلى اتفاق.

يشــير هذا الخبر إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامــب قــررت اســتخدام أســلوب الترويــع والإرهــاب لحكومــة الســودان، وبذلك تم اســتبدال سياســة العصا بعد أن شــك الســوداني­ون بسياســة الجزرة التي طرحت تخفيــف ديون الســودان، وتقــديم 600 مليــون دولار من المســاعدا­ت الغذائية والدوائيــ­ة، أما الباقــي فكلها وعود ومنها: عقد اجتماع لنــادي باريس لإلغاء 3 مليارات دولار

من الديون المســتحقة على السودان في اجتماعه بعد سنة من الآن )أكتوبر/تشرين الأول 2012( وكذلك الوعد بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

أدى الطــرح الأمريكــي إلى ما يشــبه الانقســام ضمن النخبة العســكرية والسياسية السودانية، وكان العسكر، وعلى رأســهم عبــد الفتاح البرهان، ونائبــه محمد حمدان دقلــو )حميدتــي( هم المتحمســو­ن، فيما حــاول المدنيون إبعاد المسؤولية عن أنفسهم بالقول إن الحكومة الانتقالية ليست مخوّلة بالبت في موضوع بهذا الحجم سياسيا.

كان طبيعيــا أن يهب بعــض رجال الأعمال والساســة والإعلاميـ­ـن المتحمســن «طبيعيــا» للتطبيــع إلــى نجدة العســكر، وتبدو مبادرة رجــل الأعمال أبو القاســم برطم أحــد أهم الأمثلة على الجانب الآخر من المعادلة، التي يبدو فيها هؤلاء أكثر اســتعجالا للتطبيع مع إسرائيل، من دون حاجــة لإنذار أمريكــي، أو حتــى للوعد بتخفيــف الديون

وما إلــى ذلك، فدوافع هــذه النخب لا تتطابــق بالضرورة مع مصالح عموم الســوداني­ين، وهي مســتعدة للدفاع عن مصالح أمريكا وإســرائيل بدعاوى ظريفة من قبيل «كسر الحاجز النفســي الذي خلقه أصحاب الفكر الإســامي أو اليساري أو القومي العربي» على حد ما يقول برطم.

الأطروحة الأساســية التــي يرفعها أصحاب سياســة التســريع لإقناع مواطنيهم الســوداني­ين بمــا يفعلونه هي إيهام السودانيين بأن التطبيع هو الحل لمشاكل الاقتصاد الســوداني الــذي يعانــي مــن أزمــة طاحنــة، فالتطبيــع، بالنســبة لهم، سيفتح السودان لأموال الاستثمار الغربي، والطريــق إلى ذلك هو نيل رضا إســرائيل، فلمواطني هذه الدولة، كما يقول برطم «تأثير كبير على الاقتصاد الغربي في أوروبا والولايات المتحدة.»

يقــوم ناقــد الفكــر السياســي الإســامي والقومــي واليساري بتقديم فكر سياسي جديد يدور حول الخضوع

لإســرائيل التي ستنعم عليه، وعلى الســودان، بالخيرات وتقنــع أصحــاب المليــارا­ت فــي العالــم بالســفر زرافات ووحدانا إلى بلاده لإنقــاذ اقتصادها كتعبير عن الامتنان لموقفه التطبيعي من إسرائيل.

يتجاهــل برطم ببســاطة أن هذا «الفكــر» الذي يطرحه سبق لسلطات دول عربية، مثل مصر، التي سافر رئيسها الأســبق محمد أنور الســادات إلى إســرائيل وبدأ مسارا تفاوضيا أدى لاتفاقات كامب ديفيد الشهيرة، وأن الأخير، كان مــن منظري فكر «الانفتاح» وأن هذا «الانفتاح» أفضى بالمصريــن إلى الثــورة عــام 2011، كما أدى إلــى انقلاب عسكري وثورة مضادة عام 2013، وإذا كان السودانيون، قد ناضلوا عشــرات السنوات للقيام بثورتهم التي أفضت إلى الحكومة الانتقالية الحالية، يطمحون لمســار يوصلهم إلى الانســداد السياسي والتدهور الاقتصادي الحاصلين في مصر، فلماذا ثاروا أصلا؟

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom