Al-Quds Al-Arabi

ما الذي جناه العلويون من حكم آل الأسد؟

- ■

إنها من المــرّات القليلــة والنادرة جــداً، أن يترجل بشار الأســد من عليائه وينزل من برجه العاجي ويشارك الشعب الســوري المنكوب والمكلوم همومه وآلامه وواحدة من أكبــر الفواجع التي ألّمت به، وقد ذهب بنفســه للإطلاع على أحوالهم عقب حرائق غير مســبوقة ومفتعلة اندلعت على طول الشريط الساحلي من غربي حمص وسط البلاد، وحتى رأس البســيط شــمالاً، فقد اعتاد هو ورموز نظامه الفاشــي الإرهابي الدمــوي المجرم، تجاهــل وإنكار وعدم المبالاة والاســتهت­ار بكل ما يعانيه الشــعب الســوري من أزمات معيشــية خانقة وجوع وفقر وبطالة وندرة وشــح بالمواد بعدما تم نهب البلاد على نحو ممنهج لخمســن عاماَ بالتمام والكمال، وبالكاد ترى وتسمع له، كما للمقبور أبيه من قبله، كما ينســحب هذا على معظم رموز حكمهم الفاشي وأبواقه، كلمة تعاطف ومواســاة مع الشــعب السوري أو اســتجابة لأي من مطالبه، فهو يعتبرهــم مجرد قطيع من البهائم و«الطرش» والأمــاك الخاصة التي ورثها عن أبيه مع المزرعة و«عزبــة» العصابات والمافيات الأســدية التي كانت تسمى ذات يوم «سوريا» والتي فتكت بالأرض والزرع والضرع وأحرقت الأخضر واليابس على مدى خمسة عقود، وعلى نحو أفظع بكثير من حرائق الأسبوع الماضي.

وحقيقة لم تتــأتَ هذه الخطوة والمبادرة «البشــارية» الغريبة واليتيمة من فراغ، أو بحســن نية وصحوة ضمير مفاجئة مــن الغلام القاصر المهرج المعتــوه، «القائد العام» للجيش والقوات المســلحة التي حولها لدمى، قدر ما كانت نتيجة لضغوط شــعبية هائلة وظهور بوادر تمرد وغضب عارم تجتاح قلب حاضنته الشعبية العلوية بدأ يتحسسها وتظهر على لســان وفــي كتابات كبار مؤيديه وما تســمى بـ«الموالاة» وباتت تطرق مســامعه وتقــرع أبواب مكاتب القصر الجمهوري الموصدة، وتنتشــر كالنار في الهشــيم على صفحات مواليه ومؤيديه الســابقين بمن فيهم النخب الإعلامية والفكرية والفنية التي رفعت ســقف النقد اللاذع والســخرية من سياســاته الصبيانية الطائشة الهوجاء وتصرفاتــه الرعناء وقراراته الخنفشــار­ية وسياســاته المضحكــة وانتخاباته المســخرة وحكوماتــه المهزلة التي نصَّبت، وفي ســابقة، لأول مرة في تاريخ البشرية، طبيب بهائم وتيوس وحمير على وزارة تربية، )وللعلم فهو قريب من سيدة الجرجير ومن الأقلية التركمانية( ما عزز الاعتقاد الســائد، بصفوف الســوريين، حــول نظرتــه، واعتباره للشــعب الســوري كمجرد قطيع من البهايم والحيوانات، مستهتراً بمشــاعر وعقول وكرامات البشر، وضارباً عرض الحائط بكل القيم والأعراق والأســس الأكاديمية والمهنية والقانونية التي يعرفها ويتعامل بها الناس.

وثمة همس كثير، وتســاؤلات كبرى باتت تدور على كل لسان في الشارع الســوري عامة، وفي الحاضنة العلوية، خاصة، حول الملــكات العقلية للرجل، الــذي يفتي وينظّر ويساجل في السياسة والاقتصاد والاستراتي­جيا والعلوم والفنون التطبيقية والذرة والفضاء والمعلومات­ية والعلوم الإنســاني­ة وحتى الشريعة والفقه الإســامي لم يسلم من شروره وفذلكاته وتهريجه، وقد تحول إلى خطيب وداعية وعالم دين ومفت يتناول الشريعة وأصولها ويحاضر الفقه بكبار مشايخ البلد ويرعى منظمات دينية شبابية ونسائية و«يوجههم» رغم أنه لا أحد يعلــم «قرعة» أبيه من أين، ولا أحد يعرف عن أصوله شيئاً ولا عن انتمائه الديني والعرقي أو الطائفــي ومن أين أتى لســوريا، مع ســالته الدموية المجرمة، عندما استقر جدّه «الوحش» في الجبال الساحلية.

وناهيكــم عن كل تلك المبهمــات والغموض الذي يكتنف تاريخ وأصول هذه العائلة المجرمة والذي بدأت تظهر للعلن مع اعترافات جميل الأسد لوفد كردي عن أصول العائلة غير المسلمة ولا العربية أو حتى العلوية، فثمة علامات استفهام لا تحصى حول دوره الوظيفــي الواضح الذي يقوم به في مشــروع دمار وخراب ســوريا وإذلال وامتهان السوريين وتجريدهــم مــن إنســانيته­م وعمليــة القضــاء الممنهج والمدروس على الجيش السوري، وضرب المكونات السورية بعضهــا ببعض وإشــعال فتيــل حرب أهليــة ومواجهات طائفية وتحويل سوريا إلى ملعب ومسرح للاعبين وساحة صراع للطامعــن، وإفقار وتجويع وقهــر واضطهاد ونهب و«تشــليح» التي طالت حتى المغتربين بفرض جزية وخوّة المائة دولار على السوريين، وامتهان كرامة السوريين ونهبه لثرواتهم وتهريبها للخارج بالتواطؤ مع عصابة آل مخلوف ســابقاً، ومع نجوم وحيتــان النهب والســرقات «الذكية» حالياً من عصابــات ومافيات ولصــوص ومصاصي دماء الشــعب الجدد آخر طبعة للصوص العصر من آل الأخرس والدباغ، أولاد خالة ســيدة الكرسنة والشــعير التركمان من غلمان وارثة المزرعة الأســدية التــي باتت تتدخل بكل شــاردة وواردة بالشأن السوري وتشــارك السوريين كل حبة أرز ورغيف خبز يأكلونه ولها حصة و«نســبة» وسهم فيه وهذا، للحقيقة والتاريخ ما لم تفعله عصابات وحرامية وآل مخلوف الشهيرة، لكن السؤال الأكبر والأدهى والأشد مرارة وحســرة ولوعة على لســان أبناء الطائفة العلوية، هو ما الذي اســتفادوه من حكم ونظام هذا الطاغية الأرعن المغرور التافه الكاذب الوضيع؟

وما الذي جنوه من حكم الأســدين عبر خمســن عاماً، وبعدمــا قتل منهم الأســدان الشــقيان مئــات الألوف من الشــبان بعمر الــورود وزجهــم بمواجهة بقيــة المكونات الســورية في معــارك لا ناقة لهم ولا جمل بهــا، وهذا ما لم يفعله أي طاغيــة ومجرم بهم على مــر العصور ولا في كل المذابح التي تعرضوا لها أو في حرب الســفر برلك، وبعدما زجّ هــو وأبوه بخيرة شــبابهم في الســجون لاســيما في أكبر حملــة اعتقالات فــي ثمانينيات القــرن الماضــي، وتحويل مدن الســاحل إلى مدن مهجورة معدمة مهملة فقيرة بائســة بلا أية اســتثمارا­ت ولا مشــاريع ولا منشــآت حيوية ولا ماء أو كهرباء وغاز ولا حتى معامــل ومصانع وبلا أية خدمات أو بنية تحتية وحيث تنتشــر الفوضى والقذارة والقمامة ويعربــد «الشــبيحة» بالشــوارع، ويعتدون علــى المارة وعابري الســبيل ويبتزونهم وينتهكون أعراضهم، وباتت مدن الساحل المنكوبة واحدة من أفقر بقاع العالم واكتظاظا بالســكان والشــباب العاطلين عن العمل، ما دفع كثيرين، قســراً، إما للهجرة والهــرب، أو «التطوع» فــي عصابات القتل والإجرام والالتحاق بالميليشيا­ت التي أنشأها للفتك بالشعب السوري الأعزل؟

كما لفظه العالــم أجمع، وبات وحيداً لا يزوره إلا معاون رئيس قســم الصرف الصحــي في بلدية أصفهــان، ها هو المجتمع العلوي، يتحرك ويتذمــر ويدرك حقيقة هذا اللص المــراوغ الماكر اللعين ويلفظــه كما لفظه المجتمــع الدولي، وبــات، حقيقة، في وضع لا يســرّه، أبداً، ولم يعد يحســد عليه، وقريباً جداً، وطبقاً لقانون الكون الطبيعي، إلى حيث ألقت رحلها أم قشــعم، إلى مزابل وقمامة التاريخ، أســوة بغيره من الطواغيت والقتلة والجلادين المجرمين.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom