Al-Quds Al-Arabi

العراق: فصائل مسلحة طوقت «المنطقة الخضراء» بشاحنات مزودة بالسلاح في حزيران الماضي

انسحب عناصرها بعد الحصول على تعهد بإطلاق مقاتلين أمر الكاظمي بتوقيفهم

- ■

بغداد ـ رويترز: كانت سلســلة من المكالمات الهاتفيــة التي اعترضتهــا أجهزة الأمــن في ليلة سادها التوتر خلال شهر يونيو/ حزيران، هي التي جعلت رئيــس الوزراء العراقــي الجديد مصطفى الكاظمي، يدرك تمام الإدراك قلة عدد أصدقائه.

ففــي إحدى المكالمــا­ت، وفقا لما قاله مســؤولان أمنيــان عراقيان، أصــدر أحد القيــادات العراقية الرفيعــة والــذي تربطه صــات متينــة بإيران تعليمات لقائد الأمن في المنطقة الخضراء شــديدة التحصــن في بغداد، حيث تقــع المباني الحكومية والســفارا­ت الأجنبية، بألا يقف فــي طريق رجال الفصائل المسلحة الذين سيقتحمون المنطقة.

وكان رجال الفصائــل غاضبين من القبض على زملاء لهــم متهمين بإطــاق صواريخ تســتهدف الولايــات المتحدة. وبــن، المســؤولا­ن الأمنيان ومصدران فــي الفصائــل، إن الفصائل احتجزت خلال المواجهة التي استمرت ساعات عددا من أفراد قوة لمكافحة الإرهاب تلقت تدريبا أمريكيا.

أحد المســؤولي­ن الأمنيين أكد اطلاعه، على نص المكالمة التي دارت وقائعها في 25 يونيو/ حزيران، وإن القائد الذي تربطه صــات بإيران، حذر قائد فرقة حماية المنطقة الخضراء، اللواء الركن، شهاب الخيكاني، من أن «الصدام ســيفتح أبواب جهنم» بين الفصائل والقوات التي تحرس المنطقة.

وبين، المســؤول الأمني الثانــي والمصدران في الفصائل المكالمة، وقالوا إن قادة الفصائل طلبوا من الخيكاني في محادثات هاتفية أخرى في تلك الليلة أن يتحاشى أي مواجهة مع مقاتليهم.

المسؤولان الأمنيان أشارا إلى إن الكاظمي المدير السابق لجهاز المخابرات وحليف الولايات المتحدة الــذي كان موجودا في المنطقة الخضــراء في تلك الليلة علم بما دار في المحادثات بعد ذلك بأســبوع بعــد أن فتح تحقيقا فيما جرى. وأضافا أن ما حدث كان صدمة له ودرســا قاســيا كشــف مدى نفوذ خصومه.

عزل الخيكاني

عزل الكاظمي الخيكاني مــن منصبه على الفور عقب التحقيق وشــرع فــي حملة تطهير واســعة النطــاق للمناصــب العليا في أمــن الدولة لا تزال مســتمرة بعد أن أصبــح الآن يتعــرض لضغوط أمريكية جديدة.

بلورت الاتصالات التي اعترضتها أجهزة الأمن العراقية في ليلة 25 يونيو/ حزيران الواقع القاسي أمام الكاظمي. فرغم تأييد واشــنطن له لا يمكنه أن يثــق أن توقف قوات الحكومــة العراقية الفصائل المدعومة من إيران جموح الفصائل خارج مكتبه.

وحددت تلك الأحــداث الطابع الذي ستتســم به فترة رئاســة الكاظمي للحكومة والتي شــهدت محاولات للإمساك بزمام الأمور وفي الوقت نفسه اســترضاء البيت الأبيــض الذي لا يمكــن التنبؤ بتصرفاتــه والفصائل المعاديــة للولايات المتحدة التي تتمنى أن يفشل في مهمته.

وعقب تولي الكاظمي الســلطة فــي مايو/ أيار، بعد أن أصبح ثالث عراقي يُكلف بتشكيل الحكومة خلال عشرة أسابيع، أصبح من الجوانب الرئيسية في سياســته تخفيف قبضة الفصائل المدعومة من إيران على قطاعات كبيرة من قوات الأمن العراقية منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.

«واقع صعب»

غير أن مســؤولي الأمن وقــادة الفصائل وكبار الساسة ودبلوماســ­يين غربيين يقولون إن الرجل يعمل في واقع سياسي صعب، يحد من قدرته على إحداث التغيير.

وهم يقولون إن نهــج الكاظمي ربما يفلح لكنهم يتشككون في قدرة حكومته على ترك بصمتها قبل الانتخابات العامــة، المتوقع أن تجــري في أوائل يونيو/ حزيران المقبل.

وفي الآونة الأخيرة وجد رئيس الوزراء نفسه مضطرا للتعامــل مع تهديد من واشــنطن بإغلاق السفارة الأمريكية إذا لم يستطع أن يوقف هجمات الفصائل الموالية لإيران الصاروخية التي تستهدف الولايات المتحدة ومطالب الفصائل بإخراج القوات الأمريكية وإلا فإنها ستصعد هجماتها على الأهداف الغربية.

«وتيرة أسرع»

وقال دبلوماسي غربي «الأمريكيون يريدون أن يواصل الكاظمي حملته بوتيرة أســرع. وهو يقول لا يمكنني ذلك دون الإطاحة بحكومتي أو إشــعال حرب أهلية».

وقال أحمد ملا طلال، المتحدث باســم الحكومة العراقية، إن رئيس الوزراء نفذ تغييرات كثيرة في قيادة قوات الأمن، غير أن توقع الإصلاح الكامل في غضون خمسة أشهر، مطلب غير واقعي.

وأضــاف «الإجــراءا­ت الكبيرة التــي أجراها القائــد العام للقــوات المســلحة الكاظمي لا يمكن وصفها بالبطء» بســبب سوء إدارة النظام الأمني من جانب الحكومات الســابقة علــى مدى الأعوام السبعة عشر الماضية.

ووصف الحديث الأمريكي عن إغلاق الســفارة بأنه «خطــوة مقلقة للحكومة العراقيــة» غير أنه أضاف «لا توجد أي ضغــوط من أي جهة كانت من أجل تسريع أي خطوة».

ولم يرد المتحدث على أســئلة محددة عن المكالمة التي جرت في 25 يونيو/ حزيــران أو رد الكاظمي عليهــا. تحدث الكاظمي الصحفي الســابق، الذي اعتــاد أن يخلع رابطة عنقه وهــو يصعد طائرات الهليكوبتر ويقوم بجولات في المحافظات المختلفة، بصراحة عــن التحديات العديدة التــي تواجهها حكومته، لكنه تحاشى تسمية فصائل بعينها تقف في طريقه.

وقال فــي تغريدة علــى «تويتر»: «لن أســمح لجهات خارجة على القانون باختطاف العراق من أجل إحداث فوضى».

وردا على أســئلة عن الضغط الأمريكي وسجل الكاظمي، قال مسؤول في الســفارة الأمريكية، إن العراق عليه «واجب حماية المقرات الدبلوماسـ­ـية.

لكننا راضــون عموما لأن العــراق يأخذ خطوات لتقوية أمن البعثات الدبلوماسي­ة في بغداد».

واختــار أعضــاء مجلــس النــواب العراقي، الكاظمي، رئيســا للوزراء وحظــي بموافقة إيران والولايات المتحدة، اللتــن وقعت بينهما صدامات متكــررة في العراق. وكان ســلفه اســتقال العام الماضي بعد أن خرج محتجون مناهضون للحكومة إلى الشــوارع بالآلاف مطالبــن بوظائف ورحيل النخبة الحاكمة في العراق.

ويحمل المحتجون الفصائل والأحزاب المتحالفة مع إيران مسؤولية الكثير من مشاكل العراق.

ومن خــال الرســائل المتواترة على وســائل التواصــل الاجتماعــ­ي يصور فريــق العاملين مع رئيس الوزراء الكاظمي أنه قائد عنيد لا يألو جهدا للقضاء على الجماعات الخارجة على القانون.

وكانت أولــى خطواته الجريئة في اســتهداف الفصائل هي التي أطلقت شرارة تلك الليلة المتوترة من ليالي يونيو/ حزيران. فقــد أمر جهاز مكافحة الإرهاب الذي تلقى أفراده تدريبا أمريكيا باعتقال 14 عضــوا من كتائب «حزب اللــه» أقوى الفصائل المتحالفة مع إيران ردا على هجمات صاروخية على أهداف أمريكية.

وطوق مقاتلون على رأســهم أكبــر قادة كتائب «حزب الله» المنطقة الخضراء بشاحنات البيك أب المزودة بالسلاح واعتقلوا أعضاء من جهاز مكافحة الإرهاب.

ولســحب مقاتلــي الفصائل اضطــر الكاظمي للجوء إلى خصومه فاتصل بالقادة ذاتهم والزعيم العراقــي الكبير الذي تربطه صــات بإيران وهو نفســه الذي علم الكاظمي فيما بعــد أنه طلب من الخيكاني عدم التحرك في تلك الليلة.

ولم ينصرف مقاتلــو الفصائل إلا بعد الحصول على ضمانات بإطلاق ســراح زملائهم. وعلى مدى الأيام التالية تم إخلاء سبيل المحتجزين.

وطلب المصدران اللذان اشــترطا عدم الكشــف عن هويتهما، عدم ذكر اسم القيادي العراقي الكبير وقادة الفصائل لأن ذلك ســيفضح أمرهما. وأكدت خمسة مصادر في الفصائل وبعض العالمين ببواطن الأمور في الســاحة السياســية المطلعين على تلك الأحداث، ما رواه المصدران.

ونفى متحدث باسم كتائب «حزب الله» المشاركة في أي هجمــات صاروخيــة في الآونــة الأخيرة على أهــداف غربية. وقال إن الكتائب لم تشــارك مباشرة في اقتحام المنطقة الخضراء وإن من نفذوا الاقتحام هم أنصار القوات شبه العسكرية التابعة للدولة في العراق. ولم يتسن الاتصال بالخيكاني على الفور للتعليق على الأمر.

أعلن الكاظمي في الشــهور الأخيرة سلسلة من التعيينــا­ت الجديدة في صفوف القوات المســلحة والأجهزة الأمنية.

واختــار لخلافة الخيكانــي في قيــادة حماية المنطقة الخضراء الشــهر الماضي ضابطا تدرب في أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية.

ومن التعيينات الرئيسية الأخرى التي أجراها الكاظمي إعــادة قائد جهاز مكافحــة الإرهاب عبد الوهاب الســاعدي، وهو من الشخصيات المحبوبة

إلى منصبــه ووزيــر الداخلية عثمــان الغانمي، ويُعتبــر الاثنان في الغرب مــن أصحاب الكفاءات الذين ليست لهم ارتباطات حزبية سياسية.

غير أن ساســة عراقيين ودبلوماســ­يين غربيين يقولــون إن بعــض التعيينات كانت اســترضاء لأحــزاب سياســية من بينهــا جماعــات يحتاج الكاظمي إليها كثقل مواز في مواجهة المعسكر المؤيد لإيران بل وبعض الشــخصيات التي تنهج النهج الإيراني.

النفوذ الإيراني

وينتمي حســن ضيف النائــب الجديد لوزير الداخلية إلــى حزب رجل الدين الشــيعي مقتدى الصدر، الشعبوي الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، والذي يعارض بصفة عامة النفوذ الإيراني غير أنه ينحاز لإيران عندما يكون ذلك في مصلحته.

أما مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، الذي ســبق أن شــغل منصب وزير الداخلية، فهو عضو في منظمة «بــدر» المتحالفة مع إيران والتي هيمنت لفترة طويلة على وزارة الداخلية.

وقال الدبلوماسـ­ـي الغربي «الكاظمي يتعرض لضغوط هائلة من كل الكتل السياسية التي تواصل الإصرار على مناصب بعينهــا. وهو يحاول صدها

لكن لا يمكنه تجاهلهــا بالكامل. ولــذا اضطر إلى قبول تعيينات ربما لم يكن يرغب فيها.»

واضطر الكاظمي إلى القيــام بموازنات مماثلة في الخارج أيضا.

فخــال رحلته الأولــى للخارج التــي زار فيها طهــران في يوليــو/ تمــوز تعهد بعدم الســماح باســتخدام العراق نقطة لانطلاق أي عدوان على إيران. وشدد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، على المطلــب الإيراني برحيل القوات الأمريكية عن العراق.

وخلال زيارة إلى واشــنطن في الشــهر التالي شدد الكاظمي على الحاجة للقوات الأمريكية لفترة طويلة لتدريب القــوات العراقية وذلــك ردا على تأكيد الرئيس دونالد ترامب أن أمريكا سترحل عن العراق في نهاية المطاف وأنها ســتواصل تقليص قواتها الباقية في العراق وقوامها 5000 جندي.

وأحد المطالب الأمريكية الرئيســية من الكاظمي هو إبعــاد الفصائل عن المنطقــة الخضراء ووقف الهجمات الصاروخية وتفجيرات العبوات الناسفة التي تستهدف الدبلوماسي­ين والجنود.

وكان تهديد واشــنطن الشــهر الماضي بإغلاق ســفارتها في بغداد إذا اســتمرت الهجمات خطوة قال الدبلوماسي­ون الغربيون إنها قد تمهد السبيل أمام ضربات جوية أمريكية.

وكانت الولايات المتحدة قد نفذت ضربة أسفرت عن مقتل القائد الإيراني قاســم ســليماني، وقائد الفصائــل العراقية أبو مهدي المهنــدس في بغداد خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، الأمر الذي دفع بالمنطقة إلى شفا الحرب.

وقد أوقفــت الفصائل المدعومة مــن إيران التي تتحرق شــوقا للانتقام لمقتل القائديــن هجماتها في الوقــت الحالي، لعوامل منهــا التهديد بإغلاق الســفارة الأمريكية، لكنهــا تطلب مــن الكاظمي العمل علــى رحيل القــوات الأمريكيــ­ة وإلا فإنها ستستأنف الهجمات. وفي الأســبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكــي مايك بومبيو إن العراق يبذل جهدا أكبر لحماية الدبلوماسـ­ـيين في المنطقة الخضراء، لكنه امتنع عن التعليق على ما إذا كانت واشنطن لا تزال تفكر في إغلاق السفارة.

ولا يــزال عبد العزيــز المحمــداو­ي المكنى )أبو فدك( قائد كتائب «حزب الله» الذي قاد رجاله عبر المنطقة الخضراء في يونيو/ حزيران. يشغل مكتب قائــده أبو مهدي المهندس، فــي المنطقة الخضراء، وفقا لما قاله مسؤولون بالفصائل.

ومنــذ تولــى الكاظمــي منصبه لم يُقــدم أحد للمحاكمة بتهمة شــن الهجمات الصاروخية أو قتل ناشطين مؤيدين للديمقراطي­ة رغم أن ذلك كان من وعوده الرئيسية.

 ??  ?? قوات أمن عراقية عند نقطة تفتيش في المنطقة الخضراء في بغداد )رويترز(
قوات أمن عراقية عند نقطة تفتيش في المنطقة الخضراء في بغداد )رويترز(

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom