Al-Quds Al-Arabi

الجدل حول التطبيع يتواصل في السودان... ومحلل سياسي: لن يكون مفيدا للبلاد

-

■ الخرطوم ـ الأناضول: اتفق الشــارع الســوداني على أهمية رفع اسم الســودان من قائمة «الدول الراعية للإرهــاب» للخــروج بالبلاد مــن أزمتهــا الاقتصادية الطاحنة، والانفتــا­ح على العالم الخــارج. إلا أن موقف الشــارع تباين، وإن غلب عليه الرفض لأسباب مختلفة، بشأن المقابل الذي تفرضه الولايات المتحدة على السودان لرفعه من القائمة، وهو التطبيع مع إسرائيل.

وفي 23 ســبتمبر/ أيلول الماضي، قــال رئيس مجلس الســيادة الســوداني عبد الفتاح البرهان، إن مباحثات أجراها حينهــا، مع مســؤولين أمريكيين فــي الإمارات، تناولت قضايا بينها «السلام العربي مع إسرائيل».

وذكرت تقارير إعلامية إســرائيلي­ة وأمريكية، آنذاك، أن الخرطوم وافقــت على تطبيع علاقاتهــا مع تل أبيب، في حال تم شــطب اســم الســودان من قائمة «الإرهاب» وحصوله على مساعدات أمريكية بمليارات الدولارات.

وتربط واشــنطن بين رفع اسم الســودان من «قائمة الإرهاب» وســداده تعويضات لأهالي ضحايا تفجيرات سفارتي واشــنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998 وبارجة أمريكية قرب شواطئ اليمن في 2000 التي تتهم واشنطن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير بالضلوع فيها.

ومساء الإثنين، غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بـ«أخبــار عظيمة» عبــر «تويتر» قال فيهــا إن «حكومة الســودان الجديــدة التي تحــرز تقدما عظيمــا، وافقت على دفع 335 مليون دولار لضحايــا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم».

وتتزامــن هــذه التطــورات مــع توقــع مســؤولين إســرائيلي­ين أن يعلن ترامــب «خلال أيام» عــن تطبيع العلاقات بين إســرائيل والســودان، حســب هيئة البث الإسرائيلي­ة الرســمية، الإثنين، التي لم تكشف عن هوية هؤلاء المسؤولين.

هل يستفيد السودانيون؟

ويعارض الطالب لؤي عبد الله، فكرة ربط واشــنطن إزالة اســم الســودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، باستعداده المضي في ملف التطبيع مع إسرائيل.

ويقول: «الســودان لن يجني أي مصلحة من التطبيع مع إسرائيل لأسباب كثيرة، أولها إذا كان الغرض تحسين الاقتصاد الســوداني، فإنها لن تستطيع فعل ذلك، خاصة وأن فاقد الشيء لا يعطيه» في إشارة إلى أزمات إسرائيل الاقتصادية خاصة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا.

ويضيف: «إذا كان الغرض من التطبيع مع إسرائيل من أجل توفير حقوق الإنســان فإن ذلــك لن يتحقق، خاصة وأن المشــكلة مع إسرائيل ليســت في الاختلاف الديني، وإنما في الاختلاف الإنســاني، لأن الإنســاني­ة تأتي قبل التدين، وإسرائيل لا توفر الإنســاني­ة لذاتها، لأننا رأينا استغلالها لفلسطين وغيرها .»

ويوضح : «إسرائيل لا توفر حقوق الإنسان بل تهضمها، لذلك التطبيع معهــا لا يجوز ولا يصلح، والســودان لن يجني منه أي فائدة، ونحن لا نؤيده كسودانيين.»

وطبقا لتقارير إعلامية متداولة، لا سيما من إسرائيل، فإن «التطبيع مع الخرطوم اقترب » قياسا بجملة التغيرات والتصريحات التي يعلن عنها بين فينة وأخرى.

في المقابل، تقول فاطمة شــعيب، وهــي صاحبة محل تجاري وســط الخرطوم: «في رأيــي إذا كان التطبيع مع دولة إسرائيل يصب في المصلحة الاقتصادية، أعتقد أننا نسير إلى الأمام بصورة جيدة.»

وتضيف «خاصة وأن عبور الطيران الإسرائيلي فوق الأجواء الســوداني­ة إلى الدول الأفريقية سيحقق أرباحا كبيرة ويسهم في تحسين الاقتصاد السوداني.»

وتتابع: «من الناحية السياسية، فإن علاقتنا مع دولة فلســطين محفوظة بدون أي تغيير أو أي تلاعب، وعلينا التفكيــر في كيفية العبور من أجل ســودان قوي ومتقدم اقتصاديا واجتماعيا .»

وتشــدد على أن: «من حقنا كســودانيي­ن العيش وفقا لمصالحنا من دون النظر إلى مصالح الدول الأخرى.»

جوانب التطبيع

ويلخص أستاذ العلوم السياســية في جامعة النيلين )حكوميــة( محمد أحمد عبــاس، جوانــب التطبيع بين الســودان وإســرائيل، فيقول: «هناك جانبــان، الأول إيجابي والثاني سلبي».

ويبين: «الإيجابي يتمثل في رفع اســم الســودان من قائمة الــدول الراعيــة للإرهاب، التي ســتكون نتائجه إيجابية من الناحية الاقتصادية وتوفير العملة الصعبة، وامتداد علاقات الخرطوم مع الدول الخارجية».

ويتابع: «أما من الناحية الســلبية، فــإن التطبيع مع إسرائيل سيكون له تأثير سالب على الدولة الفلسطينية، لأن إســرائيل ما زالت تبني المســتوطن­ات وتســتوطن في عدة مدن، وأعتقد أن ذلك ســيكون ســلبا على الدولة الفلسطينية».

ويوافقه الصحافي أيمن سنجراب، بالقول إن «الشعب الفلســطين­ي يعاني، ويجب أن ننظر إلــى أي قضية من خلال الانتهاكات التي تطال الشعوب المختلفة».

ويضيف أن «الســودان الآن يعيش في مرحلة هشــة، هذه المرحلة لا تتقبــل على الإطلاق الحديث عن التطبيع، وفقا لوجهة نظري الخاصة».

كما أن «الحكومة الســوداني­ة يجب أن تطرح موضوع التطبيع عندما يكون الســودان في وضــع قوي، وتكون هناك إمكانيات حقيقيــة للحديث عن التطبيع من منطلق قوة» وفق سنجراب.

ويشــير إلى أن «الشــعب الســوداني خرج من فترة شمولية، وحكم قابض اســتمر 30 عاما )فترة ولاية عمر البشــير 1989ـ 2019( ويجب ألا يُســتغل الوضع الراهن لصالح التطبيع مع إسرائيل».

ويرجع الســبب في ذلك، حسب ســنجراب، إلى «أن السودان لن يستفيد، ولن يكون في موضع قوة حتى في حالة حدوث حوار واتجاه نحو التطبيع مع إسرائيل».

هل سينهي الأزمات؟

الكاتب والمحلل السياســي موســى حامــد، يعتبر أن «التطبيع مع إسرائيل لن يكون مفيدا للسودان في حالته الراهنة» وتوقع «ألا يخرج التطبيع السودان من ضائقته الاقتصادية».

ويقول إن «الســودان يحتاج ما هــو أكبر من التطبيع مع إســرائيل، أعتقــد أن التطبيع في حالتــه الراهنة هو مفروض على الســودان من قبــل الإدارة الأمريكية التي يمثلهــا الرئيس )دونالــد( ترامب، ومستشــاره جاريد كوشــنر». ويضيف: «عليه، أنا لا أعتقــد أن التطبيع هو الحل بالنسبة للحالة السودانية».

أمــا الكاتب والمحلــل السياســي، منتصــر إبراهيم، فقــال: «نحن في حقبة جديــدة كليا في الســودان، تلك الحقبة معنية بمعالجة الاختلالات في الدولة الســوداني­ة بصورة كاملة، والتغيير الهيكلي في بنية الدولة وإصلاح مؤسســاتها، بالضــرورة يتطلــب ذلك تبنــي توجهات سياسية وسياســات خارجية تعبر عن مصالح السودان بصورة كاملة».

ويضيف: «التوجه الرئيســي ينبغي أن يصب في فك عزلة الســودان من المحيــط الدولــي والإقليمي، خاصة وأن سياســات الإرهــاب التــي كانت متبعــة هي حقبة انتهت، وحتى موجة الإرهاب على مستوى العالم وتبني الأيديولوج­يــات التي تــؤدي إلى الصدام مــع المجتمع الدولي انتهت، فلا بد من تبني سياســات خارجية تحدث قطيعة مع هذه المسألة».

وعن صلاحية الحكومة الســوداني­ة الحالية في اتخاذ قرار التطبيع، يقول الصحافي السوداني عثمان الأسباط، إنها «حكومة انتقالية وليست مفوضة في مسألة التطبيع مع إسرائيل، والمعني بالتطبيع حكومة منتخبة».

ويضيف: «خاصة وأن التطبيع المجاني مع إســرائيل لن يجني منه السودان أي فائدة، أما إذا حاولت الحكومة السودانية ممارســة الضغط وفرض شروطها من خلال محادثــات جادة، فيمكــن للحكومة أن تســتفيد من تلك المسألة».

وبدأت في 21 أغسطس/آب الماضي في السودان مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرا وتنتهي بإجراء انتخابات.

ويتقاســم الســلطة خلال هذه الفترة الجيش و«قوى إعلان الحريــة والتغيير» قائدة الاحتجاجات الشــعبية التي أجبــرت قيادة الجيــش على عزل البشــير، في 11 أبريل/ نيسان 2019.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom