Al-Quds Al-Arabi

سحب نقاط المراقبة التركية المحاصرة شمالي سوريا: السياق والأهداف والسيناريو­هات المتوقعة

- إسطنبول - «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

في ظل صمت رســمي عسكري وسياسي تركي تام، تشير المعلومات الميدانية في إدلب إلــى أن الجيش التركي أتم يوم الثلاثاء تفكيك وســحب نقطة المراقبة الأكبر في منطقة مورك ريف حماة شــمالي سوريا، وسط معلومات وتكهنات متضاربة حول الســياق الذي جاءت فيه هذه الخطوة التركية المهمة والأهداف منها على الصعيدين العسكري والسياسي.

رســمياً، لم يصــدر أي بيان أو تصريح أو توضيح رســمي من أي مســؤول عســكري أو سياســي تركي حول هذه الخطوة، لكــن ميدانياً تؤكــد المصادر السورية ومقاطع الفيديو التي انتشــرت أن الجيش التركي أخلى بالفعل نقطة المراقبة في مورك، وسط أنباء عن استعدادات لإخلاء عدد آخر من نقاط المراقبة التركية المحاصرة في مناطق النظام الســوري منذ المعارك التي شهدتها محافظة إدلب ومحيطها نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري.

وبالعــودة قليلاً إلى الــوراء، فإن نقــاط المراقبة التركية لم يتم إنشــاؤها كقواعد عسكرية مجهزة للقيام بعمليات قتالية واسعة أو مهمات هجومية، وإنما تأسست بقدرات محدودة وباتفاق مع روسيا في إطار اتفاق أستانة بحيث تكون مهمتها الفصل بين قوات النظام السوري والمعارضة ومراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.

وعملياً، ومنذ محاصرة هذه النقاط من قبل النظام الســوري، فإنها فقدت أي قيمة عسكرية حقيقية، ولم تعد تشكل أي إضافة للتواجد العسكري التركي، بل على العكس فإن عشرات الخبراء العســكريي­ن ومنهم أتراك أكدوا مراراً أن هذه النقاط تحولــت إلى عبئ على تركيا بالمفهوم العســكري حيث أنها باتت بمثابة نقطــة ضعف تمنع تركيا من القيام بأي مناورة عســكرية مع النظام أو روســيا خشــية على حياة مئات الجنــود المحاصرين في العديد من نقــاط المراقبة التي توصف بأنها «ســاقطة عسكرياً ». ورغم عدم تمتعها بأي أهمية عسكرية، أصرت تركيا على إبقاء تواجدها في تلك النقاط لأهــداف تغيرت مع تغير الوقائع على الأرض وتغير موازين القــوى، ففي المرحلة الأولى فاوضــت تركيا على إرجاع قوات النظام إلى حدود اتفاق أســتانة وتفاهمات «سوتشــي» لكن هذا المطلب ووجه برفض روسي مطلق باعتبار أن «النظام يفرض سيادته على أراضيه ولا يمكن أن يتراجع عن شبر من الأرض.»

ولاحقاً، ضغطت تركيا باتجاه سحب قوات النظام السوري وفرض السيطرة على تلك المناطق من قبل الجيش التركي والشــرطة العسكرية الروسية من أجل

إتاحــة المجال أمام عــودة المهجرين من تلك المناطق إلى منازلهــم، وهو أيضاً ما رفضته روسيا بشكل مطلق.

وفي المفاوضات التي جرت الشــهر الماضي بين وفد عســكري ودبلوماســ­ي روســي مع مسؤولين أتراك في أنقرة، ضغطت روســيا بشكل مباشر على تركيا لسحب نقاط المراقبة المحاصرة في إدلب وتقليل وجودها العسكري في المحافظة، وســط أنباء عن خلافات كبيرة بين الطرفين حول مستقبل الأوضاع في محافظة إدلب، وبدأت بوادر التصعيد الروسي بعدما حرك النظام مئات من عناصره بزي مدني للتظاهر أمام نقاط المراقبة التركية لتشكيل ضغط على أنقرة لسحبها.

هذه التطورات جاءت بالتزامن مع تصعيد النظام العســكري في اتجاه إدلب وزيادة الخشــية من التحضير لعملية عسكرية جديدة واسعة يهدف من خلالها النظام الذي حشــد قوات كبيرة طوال الأســابيع الماضية وبغطاء جوي روسي إلى السيطرة على جبل الزاوية الإســترات­يجي جنوب إدلب وصولاً إلى لطريق الدولي وحصــر ما تبقى من مدنيــن وفصائل معارضة في شــريط ضيق قرب الحدود التركية.

في هذا الســياق الطويل، جاءت الخطوة التركية بســحب أول نقطة مراقبة محاصرة فــي إدلب، وفي ظل غياب التصريحات الرســمية من الأطراف المعنية كافة وخاصة تركيا وروســيا بدرجة أساســية، فإن الســيناري­وهات المتوقعة تتمحور حول احتمالين أحدهما سياسي والآخر عسكري.

الاحتمال الأول والأقل احتمالاً، هو أن روســيا وتركيا قد توصلتا بالفعل في نهاية المفاوضات التي جرت في أنقرة الشــهر الماضي ولم تعلن نتائجها بشــكل رسمي إلى اتفاق ما حول مســتقبل الأوضاع في إدلب ربما يتمحور حول سحب نقاط المراقبة التركية المحاصرة مقابل تعزيز تركيا قواتها في مناطق أخرى داخل حدود إدلب الحالية وتقديم ضمانات روســية للحفاظ على خطوط الســيطرة الحالية وعدم شن هجوم عسكري جديد على المعارضة.

أما الاحتمــال الثاني وهو الأرجح، فإن تركيا باتت تخشــى قرب بدء النظام هجوماً جديداً على إدلب بدعم روسي واحتمال حصول مواجهة عسكرية جديدة كما جــرى بداية العام الجاري، ولأجــل ذلك كان لا بد للجيــش التركي أن يبدأ بالتخلص من نقاط ضعفه المتمثلة في نقاط المراقبة وتعزيز نقاط انتشــاره في نقاط اســتراتيج­ية على غرار جبل الزاوية وجنوب الطريق الدولي في محاولة لتشكيل حزام عســكري ربما يمنع حصول هجوم جديد للنظام والحفاظ على ما تبقــى من مناطق في إدلب ومحيطها تحت ســيطرة المعارضة لمنع حصول كارثة إنســانية جديدة وموجة نزوج واسعة وهو السيناريو الذي يعتبر آخر ما يمكن أن تحتملــه أنقرة في هذه الفترة التي تعاني فيها من تحديات داخلية وخارجية صعبة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom