Al-Quds Al-Arabi

الأردن والحظر الشامل: «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» ... والهدف المرحلي للدولة الآن صمود وزارة الصحة

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

اختصر مســؤول ملــف كورونــا الجديد في الأردن الدكتور وائل هياجنة، من بداية الأســبوع الحالي، المسافة في الجدل السياسي عندما اعتبر - علناً وضمناً - أن العناصر التي تقرر سياســة الحكومة بخصوص «الحظر الشــامل» فيها بعض ما هو «ســيادي» ولا يقتصر الأمــر على «الصحي والوبائي .»

عملياً، كان الهياجنة فــي تصريحه المقتضب واللماح، يؤشــر على أن قــرار الإغلاق والحظر -بصرف النظــر عن وجاهــة رأي وتقدير لجنة الوبــاء الوطنــي- يتضمن بعــض الاعتبارات البيروقراط­ية أو حتــى الأمنية، وعلى الأرجح - في رأي المراقبين- السياسية أيضاً. مجدداً هنا لا تصارح الحكومة الجديدة الشــارع بكل الأسباب التي تدفعها للتمسك سياسياً وليس وبائياً فقط بمســألة الحظر الجزئي، مع أن وزيــر الاتصال الناطق الرسمي الوزير علي العايد، تحدث مرتين على الأقــل عن الإفصاح والشــفافي­ة ومصارحة الرأي العام بكل الوقائع.

وذلــك لا يعنــي طبعاً بأن الحكومة ســتكون «صريحــة للغايــة» ولا تحجــب المعطيــات باسترســال، لأن الوصفتين هنــا عبثيتان، وإن كان يعنــي بالمحصلــة أن الاعتبــار­ات العابرة للحكومة عمليــاً تلعب دورها أيضــاً، خصوصاً وأن مسألة «إجبار الناس على التباعد» لا تدخل في صلاحيــات الحكومــة ووزارة الصحة فقط. وبهــدوء، ركب وزيــر الصحة الجديــد الدكتور الطبيــب نذير عبيدات، موجــة المصارحة عندما أبلغ الأردنيين، منتصف الأســبوع، بأن الحفاظ علــى فعالية القطاع الصحي قــد يتطلب قرارات صعبة وأحياناً «مؤلمة».

المشــهد واضح في ذهن الوزير عبيدات، فهو يعكس عملياً مخاوف غرفة العلميات والمستوى الســيادي على النظام الصحي الرســمي، حيث رغبة جامحــة بأن يبقى القطاع فعــالاً ويتفادى تحذيرات التراجع الحاد أو الانهيار جراء الزحف الكبيــر للفيــروس كورونا في موجتــه الثانية والارتفاع المقلق في عدد الوفيات، بالرغم من عدم وجود «أدلة علمية» على أن حظر التجول يساهم في تخفيف عدد الإصابات.

يجمع تقريباً خبــراء اللجنــة الوبائية على عبثية الحظر فيما يختــص بالفيروس، وقد كان الوزير عبيــدات يلمح إلى هذا التقدير عندما كان عضــواً في اللجنــة الوبائية، لكنــه دخل اليوم غرفة القرار وأصبح مســؤولاً مباشــراً عن «منع تداعي النظام الصحــي» حيث اجتماعات مكثفة خلف الستارة، ووثيقة تحذر من خوض الاختبار اطلعــت «القــدس العربي» علــى حيثياتها بعد اجتماعات بالمنسوب السيادي في مركز الأزمات.

الوثيقــة تنص في ثلاث فقرات - على الأقل - على ضرورة عدم تجاهل بقيــة واجبات النظام الصحي، والتركيز فقــط على الفيروس كورونا، الأمر الذي يمكن اعتباره وظيفــة ومهمة الوزير عبيــدات بعد تخفيف الضغط الفيروســي عليه بالاســتعا­نة بكفــاءات مهنية بينهــا الهياجنة والوزيــر الطبيــب الدكتــور عزمــي محافظة وغيرهما في اللجنة التــي تتولى الآن، بناء على الوثيقة نفســها، «تجديد» تقنيــات المواجهة مع «تفشي الفيروس».

بمعنى آخر، تتحرك الحكومة الحالية فيروسياً واقتصادياً وبيروقراطي­اً وحتى أمنياً، في سياق يجعــل الأولية الأكبر مرحليــاً هي الحرص على «صمود وتماســك» النظام الصحــي في القطاع العام بدلاً من إصابته بترنح محتمل إذا اســتمر معدل تســجيل الإصابــات كما هو طوال ســتة أسابيع وإذا سمح للمجتمع بأن يتفاعل بعيداً عن التباعد الصحي.

وعليه، وفــي مواجهة جدل الحظر الشــامل حيث ضجيج من الاقتصاديي­ن والقطاع التجاري ومشــكلات متراكمــة وأفقيــة ومخــاوف على البيئة النفســية للأردنيين وخسائرهم المعيشية والنفسية والمالية.. في مواجهة الواقع الموضوعي اتجهــت حكومــة الرئيس بشــر الخصاونة إلى

مقاربة «وســطية» هي أقرب لـ «تجربة جديدة» علــى قاعدة اجتماعية بســيطة وعلميــة أيضاً، فكرتها.. «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم».

والمقاربة هنا قررتها الحكومة بعد «تفعيل أوامر الدفاع» ومخالفة من لا يلتزمون بها على أســاس الاكتفاء بيوم حظر شامل واحد في الأسبوع، هو الجمعة، وترك يوم السبت حراً، مع الحرص على إطالة سقف الحظر اليومي طوال الأسبوع وحتى نهاية العام الحالي، حتــى لا يراجع الرأي العام الحكومة أسبوعياً أو حتى يومياً.

وفي التفاصيل، منــع العمل والحركة والتنقل ليــوم الجمعة كاملاً، وإغلاق المحــات التجارية والأســواق، يومياً وعلى مدار الأسبوع، الساعة العاشرة مســاء، والســماح للمواطنين بالبقاء متنقلين حتى الحادية عشرة قرب منتصف الليل. تلك معادلة رقمية صحية وســيادية تقررت بعد مشــاورات مكثفة، ويعتقد أنهــا تحاول التوازن ما بين الكلفة الاقتصاديـ­ـة والكلفة الوبائية، كما تســعى إلى معادلة وســطية تضع قيــوداً على الحركة المســائية يومياً، وتقلص فترات السماح مقابل بقاء يوم الجمعة خارج الحسابات بسبب طبيعته الدينية والاجتماعي­ة.

في كل حال، تبقى الوصفة الجديدة في النهاية ليست أكثر من «وصفة» تحت الاختبار، وظيفتها تخفيف الحظر الشامل الأسبوعي والحفاظ عليه في الــذروة الاجتماعية، والهدف الأبعد قد يكون «تمكين» وزارة الصحة مــن الصمود وتجنب أي ظــروف يمكن أن تؤدي للتأثر ســلباً في قدراتها خلال مرحلة التفشــي، على أمل البقاء في حالة ســيطرة، مع أن أرقام الوباء لا تبشــر بكثير من الخير.

 ??  ?? أحد شوارع عمان بدا فارغاً أمس وسط مخاطر من تفشي الوباء
أحد شوارع عمان بدا فارغاً أمس وسط مخاطر من تفشي الوباء

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom