Al-Quds Al-Arabi

«واشنطن بوست»: السودان في حاجة لدعم في عملية تحوله الديمقراطي وليس لابتزازه للتطبيع مع إسرائيل

- لندن- «القدس العربي» من إبراهيم درويش:

تحت عنوان «كيف ســترتد مقامرة ترامب السودانية سلباً» نشرت صحيفة «واشــنطن بوســت» تقريراً لإيشــان ثارور قال فيه إن الانفتاح الأمريكي مع السودان يبدو انتصاراً دبلوماسيا في مظهره.

فقــد أعلن الرئيــس دونالد ترامب يوم الاثنين أن إدارته ستشــطب اســم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حيث ما زال قابعاً فيها لمدة 27 عاماً. ولا شك أن شــطب الاسم هو أخبار جيدة للســودان، فالتصنيف منع حكومته من العقود الدولية بالدولار وحد من قدرته على شــراء الاستثمارا­ت الأجنبية والحصول على القروض من المؤسســات الدولية. لكــن ترامب في حاجة إلى انتصار آخر يتعلق باستراتيجي­ته «أمريكا أولاً» وعليه التلويح به والدفاع عنه في المناظرة التلفزيوني­ة الخميس مع منافسه جوزيف بايدن.

وكجزء من الاتفاق كان على الســودان دفع 335 مليون دولار للعائلات التي تضررت من هجمات الســفارتي­ن في نيروبي ودار الســام فــي 1998 والمدمرة الأمريكية كــول في 2000. وأكد المصرف المركزي الســوداني يــوم الثلاثاء أن الأموال قد حولت وتنتظر التوزيع. وفي الماضي لعب السودان دوراً في استقبال القاعدة والجماعــا­ت الجهادية الأخــرى. ورحب رئيس الوزراء الســوداني الانتقالي عبد الله حمدوك بشطب اسم بلاده عن القائمة ووصفه بأنه جزء من عملية التحول الديمقراطي للبلد والتخلص من حكم عمر البشير الديكتاتور­ي.

وأدى انقلاب عســكري في 2019 للإطاحة بالبشير الذي حكم السودان 30 عاماً وبعد تظاهرات شــهدتها البلاد. ومن المفارقة أن الرئيس ترامب وضع عقوبات على المبعوثة فاتو بنســودة من المحكمة الجنائية الدولية التي زارت السودان في الأيام الأخيرة لبحث موضوع البشير الذي صدر بحقه أمر بسبب دوره في أزمة دارفور.

لكــن ذوبان الجليد فــي العلاقــات كان يحمل معه جائزة أخــرى لترامب وحلفائه، وهي تطبيع الســودان علاقاته مع إسرائيل. فقد ظل الدبلوماسي­ون وعلــى مدى الشــهور الماضيــة يتجادلون فيمــا بينهم متى وكيفيــة انضمام الســودان لقائمة الدول العربيــة التي فتحت علاقات دبلوماســي­ة مع الدولة اليهودية. وواحدة من هــذه الدول هي الإمارات العربيــة المتحدة التي لعبت دوراً مهمــاً في عملية التقارب بين الخرطوم وواشــنطن وإغراء الســوداني­ين بالمضــي في طريق التطبيــع. ويرى الكاتــب أن رمزية التطبيع الســودان لا يمكــن تجنبها، فقد كانت الخرطوم مكان مؤتمر القمــة العربية الذي انعقد بعد هزيمة 1967 وتعهد فيــه القادة العرب بعدم التصالح أو الاعتراف أو التفاوض مع إســرائيل فيما صار يعرف بـ «اللاءات الثــاث.» ورغم تحول الوضع في العقود الماضية إلا أن السودان ظل واضحاً في معارضته لإسرائيل ومنح الدعم للجماعات المتشــددة ضدها. واليــوم فالقادة العســكريو­ن الذين حلوا محل البشــير، بمن فيهم رموز ارتبطوا بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، عبروا في الكثير من الحالات عن تحالفهم مع الإمارات والســعودي­ة. وفي العام الماضي ساعد الدعم المالي من هاتين الدولتين النظام الانتقالي لتقوية موقعه في وجه التظاهرات المســتمرة. وقال جين بابتست غالوبين من المجلس الأوروبي

للعلاقات الخارجية «كان تحول موقف الســودان الدولي سريعًا. وفي أقل من عام خســرت قطر وتركيا في الخرطوم أي دور في السياســة». و»أعطى الدعم المالي الســعودي والإماراتي الجنرالات ورقة نفوذ لمواجهة المطالب الشــعبية للحكم المدني وســاعدهم على تشــكيل ميزان الســلطة غيــر المتوازنة. ومنح الجنرالات القدرة على التحرك في فترة من التعبئة المدنية».

ولا تزال عملية التحول الديمقراطي التي يحاول حمدوك وحكومته تحقيقها محفوفــة بالمخاطر وليس بســبب المشــاكل العميقة التي يعانيهــا البلد الذي عانى من حروب طويلة. وكما أشــارت صحيفة «واشــنطن بوست» في تقارير أخرى فنزع الســودان عن القائمة الأمريكية يأتي فــي وقت حرج من الضعف الاقتصادي في الســودان فقد ارتفع مســتوى التضخم إلى 200 فيه، ويعاني السكان من نقص القمح والغاز. وفي بعض الأحيان تمتد الطوابير أمام محلات الطعام والوقود إلى أميال. وفي الوقت نفســه عانى السودان من أسوأ فيضان يشهده منذ عقود. وتسبب بتهجير نصف مليون نسمة ودمر موسم المحاصيل. وبسبب انتشــار فيروس كورونا انخفض التصدير وزاد من البطالة. ويفضل قادة الســودان المدنيــون التعامل مع التطبيــع في مرحلة مقبلــة وربما بعد انتخابات 2022.

وكتب يوناتان توفال، المحلل البارز في المعهد الإسرائيلي للسياسة الإقليمية في صحيفة «هآرتس» أن إدارة ترامب «تتنمر» وتضغط على السودان لتطبيع علاقاته مع إســرائيل وقد يجرئ ذلك الجيش والإســامي­ين. فمن جهة ستعزز الجهود الأمريكية من ســيطرة الجيش على السلطة. وستساعد من جهة أخرى الإســاميي­ن على تعبئة الجماهير. وقال «بدلاً من انتعاش علاقات بين الطرفين

فإن الطريقة القاســية التي تجبر بها إدارة ترامب الســودان قد تؤدي لمخاطر تقويض العملية الديمقراطي­ة الحساســة وتقوية الجيش على حســاب القوى المدنية وتعزيز جاذبية الجماعات الإســامية. وبالتالي إفشــال أي علاقة بين إسرائيل والسودان بطريقة سريعة».

وعبر الخبراء في واشــنطن عن أسفهم من الطريقة التي تتجاهل فيها إدارة ترامب عملية التحول الديمقراطي الســوادني. وكتب روبي غريمر في «فورين بوليســي» أن الدبلوماسـ­ـيين وأصحاب الخبرة فــي مكتب افريقيــا بوزارة الخارجية تم تجاهلهم واســتبعدو­ا من المفاوضات في وقــت حاول فيه البيت الأبيض وحلفاؤه الضغط على السودان للتطبيع مع إسرائيل.

وقــال زاك فيرتين مــن معهد بروكينغــز «كان على واشــنطن تقديم الدعم السياســي والاقتصادي الضروري للســودان كي ينجح فــي عملية التحول» و «بدلاً مــن ذلك امتنعت إدارة ترامب وقامت بابتزاز ديمقراطية هشــة لخدمة أهدافها السياسية المحلية».

وكتب كاميرون هدســون، الزميــل في المجلس الأطلنطي «في الأســبوعي­ن المتبقيين ليــوم الانتخابات، فالإدارة قــد تفعل جيداً لو أطّــرت عملية تحرير الســودان من قائمة الــدول الراعية للإرهاب كخطوة فــي قضية عظيمة وهي تحقيــق التحول الديمقراطي في القرن الأفريقي وأبعد وليس من خلال انتصار دبلوماسي ولمرة واحدة أو كإثبات لنجاح الدبلوماسي­ة في الشرق الأوسط» و «ســيكون هذا تحولاً كبيراً في عدم اهتمام الإدارة بنشر الديمقراطي­ة وخطوة صغيــرة لمواجهــة النقاش الذي يقــول إن واشــنطن تغلّب الاســتقرا­ر على الديمقراطي­ة».

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom