Al-Quds Al-Arabi

محمود ياسين: نجومية الفتى الوسيم وموهبة الممثل الكلاسيكي

- كمال القاضي٭ ٭ كاتب مصري

بالمقاييــ­س التقليديــ­ة للســينما المصريــة فــي ســبعينيات القرن الماضــي، صار الفتى القادم من مدينة بورســعيد الســاحلية، نجما يشــار إليه بالبنان، في وقت قصير جدا، هكذا كان محمود ياســن محظوظــا منذ بداية مشــواره الفني، الذي تحــددت خطواته الأولى بفيلــم «شــيء من الخــوف» مع النجــم محمود مرســي، حيث ظهر الوجــه الجديد في دور صغير، لكنه تمكن مــن إحداث الأثر المطلوب فــي بضع دقائق فقط، وفــق الزمن الدرامي، لاســيما أن الفيلم أثار جدلا سياسيا واســعا، ســاهم في نجاحه وأدى إلى اعتباره حدثا ســينمائيا فارقا في المســتوى والمضمون، فتحولت أنظار الجمهور والنقــاد إلــى القصــة وأبطالهــا الرئيســيي­ن والفرعيــن، ومــن ثم استفادت الوجوه الجديدة كلها من هذا الاهتمام، بوسي التي لعبت دور العروســة زوجة ابن يحيى شــاهين المغدور به فــي ليلة زفافه، والــزوج ذاته ضحية بطش عتريس، وبالتبعية كان محمود ياســن صاحــب الطلــه المتميزة على الشاشــة، والفائز بنصيب الأســد من اهتمام الجمهور.

من تلك المحطة تحرك قطار الممثل الشــاب الحاصل على ليسانس الحقوق، والباحث عن موضع قدم بــن نجوم الســينما الكبــار، ولأنه دؤوب ولديه مقومات النجاح، فقد تمسك بالفرصة، وأخذ يدعم نفسه بنفســه فلا يرفــض دورا ولا يقف عنــد مواصفات أو شــروط لقبول ما يُعرض عليه من شخصيات، فقد كان موقنــا بأن لا بــد له من صعود سُــلم النجومية درجة تلــو الدرجة كــي يتمكــن مــن الوصــول للقمة. وبالفعل ســار في دربه الفني تبعا للقاعدة حتى اشــتد عوده، وتوالت عليــه الأدوار والشــخصيا­ت والفــرص فكانــت له أحقيــة الاختيار والتدقيــق، وعمد إلى المفاضلة بعد أن كون رصيدا مُقنعا من الأفلام في مراحل الانتشــار، وإثبات الــذات، وإن كان البعض قد أخذ عليه في وقت ما عدم التمييز في قبول بعض الأدوار والأفلام المتشــابه­ة إلى حد كبير، حيث كان يقدم أكثر من فيلم خلال السنة.

ورغم هذا الإســهاب كانت هناك أفلام جــد متميزة أكدت موهبة الفنــان الراحــل، ودعمت وجــوده بقوة، واعتُبرت ســببا مباشــرا

في نجوميته، كفيلــم «أين عقلي» و«قاع المدينــة» و«الخيط الرفيع» و«اذكريني» وهي التي أسســت لقاعدته الشعبية وربطته بالنوعية الرومانســ­ية في الســبعيني­ات، وقد عرج ياسين على لون سينمائي آخــر أكثر جدية مــع قيام حرب أكتوبر/تشــرين الأول عــام 1973، فظهــرت قدراتــه التمثيليــ­ة فــي الأفــام الحربيــة، «الرصاصــة لا تزال فــي جيبــي» و«بدور» و«يــوم الوفــاء العظيم» فــزاد رصيده الجماهيــر­ي، واعتمد بطلا شــعبيا، وبــات ورقة رابحــة تم الرهان عليها لسنوات طويلة في شباك التذاكر. وعزز ذلك وجوده كراو في

فيلم «الرســالة» مع المخرج الكبير مصطفى العقاد، إذ برع في رواية الأحــداث التاريخية والدينية، وشــكّل بصوتــه ملاحم الانتصارات والفتوحات، فــي تأثير درامي بالغ القــدرة والإتقان، وهي خاصية اكتســبها من عمله في المســرح القومــي، إبان اكتشــافه، حيث قدم بعض المســرحيا­ت الكلاسيكية كـ »الزير سالم » و«سليمان الحلبي » و«ليلــى والمجنون» قبل أن يتفرغ تماما للســينما ويجد ضالته فيها، وينــوع في أدائــه وأدواره ويخرج مــن حيز الرومانســ­ية الذي ظل داخلة لفترة طويلة.

وبناء عليه قدم محمود ياســن نماذج أخــرى من الأعمال الســينمائ­ية المختلفة، يأتــي فــي مقدمتها فيلــم «نحــن لا نزرع الشــوك» مــع شــادية وصــاح قابيــل. و«أنف وثلاث عيــون» و«أفواه وأرانب» الذي قــدم معالجة درامية خاصة جدا لمشكلة الزيادة السكانية، وعرض للأسباب والأعراض والمشــكلا­ت الناجمة عنها مع النجمة الكبيرة فاتــن حمامة، ثم قدّم بعد ذلك بفترة طويلة نســبيا فيلم «الأخرس» وكان اختبارا حقيقيا لموهبتــه فلم يكن هناك حوار مكتوب لشــخصية البطل، وهو ما يعد تحديا كبيــرا لقدراتــه التمثيلية وإحساســه الخاص بالشــخصية المركبة.

وفــي تباين ملحوظ بين الأدوار الكثيرة، التي قدمها النجم الكبير خلال مســيرته الفنية الطويلة، التي تزيد على خمســن عاما، كانت هناك علامات بــارزة تمثلت في أفلام مثل «الباطنية» و«انتبهوا أيها السادة» و«ليل وقضبان» و«الصعود إلى الهاوية» و«قاهر الظلام» و«الجلســة سرية» و«أشياء ضد القانون» و«صور ممنوعة» و«على من نُطلق الرصــاص» و«مولد يا دنيا» و«ظلال على الجانب الآخر» وغيرها.

وفــي مراحلــه الأخيــرة، وقبل أفــول نجمة ذهب الفنان الكبير محمود ياســن إلى مناطق إبداعية لم يطرقها من قبل، فجســد شــخصية كبيــر عائلــة صعيديــة فــي فيلــم «الجزيــرة» وناقــش من خلالــه قضيــة الثأر والمخــدرا­ت، وكذلــك قدم صــورة وطنية في فيلــم «فتاة من إســرائيل» مــع فــاروق الفيشــاوي مــن واقع ملفات المخابرات المصرية، كما قدّم أيضا دورا نوعيا مختلفا للغاية في فيــــــلم «الوعــــد» مع آسر ياسين، هذا بخلاف ما قدمه على الشاشة الصغيرة من أعمال درامية كان أبرزها مسلسل «العصيان» و«سوق العصــر» و«ضد التيار» و«الإمام أبو حنيـــــفة النعمــان» في تتويج قيم لمســيرته ومشواره ومحطاته الرئيســية والفرعية، لتظل ذكراه حاضره فــي إنجازه الفنــي وإبداعه المغاير الموقع باســمة وعنوانه وموهبته.

 ??  ?? محمود ياسين
محمود ياسين
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom