Al-Quds Al-Arabi

تاريخ اليهود المغاربة وزيف الجوائز الأدبية

- الرباط ـ «القدس العربي» من سعيد المرابط:

عندما نلج عوالم هــذا النص، فإن العتبة توقفك أمام دهشــة العنوان «أحجية» الذي يوحي من جهة بطابع الغموض، ويدفعنا للتســاؤل هل هي رواية بوليســية؟ ومن جهة أخرى يقودنا الاســم في العنوان «إدمون عَمران المالح» إلى التساؤل إذا ما كانت الرواية عن الأديب المغربي الحامل لذاك الاســم.. وهل ستكون الرواية عن سيرة الأديب، يهودي الديانة، الذي هُمّش ذكره بسبب مواقفه المناهضة للصهيونية؟

وإذا عبرنــا إلى الجانــب الآخر من تلــك العتبة؛ الغلاف الخلفي للرواية، ســنجد نبذة مثيرة تتحدث عن عالم الجاسوســي­ة، وصــراع المخابــرا­ت، وعن الهجرات الســرية ليهــود المغرب إلى إســرائيل، كما تتحدث عــن حكايات عجائبية تســردها شــخصية تســمى الخالة ميمونة، ونجد أنفســنا أيضا وســط صراع يكشف الفســاد الذي ينخر في صناعة النشر وعالم الجوائز الأدبية.

اليهود المغاربة

هذا النــص الروائي للكاتب المغربي محمد ســعيد احجيوج، لا يهتم باقتراح الحلول، فلا أجوبة جاهزة يقدمها للقارئ، فكل ما تركز عليه الرواية هو الأسئلة التي تخلخل الساكن بين الخيال والواقع.

لقد أوضح الكاتب مغزاه منذ البداية التي استهلها بمقولــة عبد الفتاح كليطــو «ينبغي التيــه ليتحقق الوصول» وهو ما تريــده الرواية، تطلبه منذ الوهلة الأولى بطريقــة عبقرية؛ أن يغوص فيها القارئ حتى أعماقهــا، أن يتيه في متاهتها، ثــم يخرج من المتاهة، وحين يعود من تلك الأعماق، يكون شخصا غير الذي دخل أول مــرة، فالرواية تريد من القارئ أن يتوه في عوالم النص ليجد طريقه بنفسه.

هذه الروايــة تغوص نافذة فــي مرحلة تاريخية شــائكة مســكوت عنها مــن تاريخ المغــرب، مرحلة الهجرة الســرية ليهود المغرب نحو «إسرائيل» تحت إشراف جهاز الاستخبارا­ت الإســرائي­لي )الموساد( وفق صفقة ســرية دفعت «إســرائيل» بموجبها إلى المغرب، عن طريق جمعيات يهوديــة أمريكية، مبلغا يصل بقيمة اليوم إلى مئة مليون دولار، لتشــهد المرحلة حادثة مفجعة، غرقت خلالها سفينة التهجير السري وذهب ضحيتها 44 شــخصا نصفهم أطفال، غرقوا أمام الساحل المغربي؛ لكن الرواية تشير بأصابع الاتهام إلى الموساد الذي يمكن أن يكون قد تسبب في الحادثة، كي يدفع المجتمع الدولي للضغط على المغرب للسماح بهجرة مواطنيه اليهود. وبعد ذلك،

يقع تهجير ما يقرب من ربع مليون مغربي من أصل يهودي، أغلبهم رحّل إلى إسرائيل وهو لا يعرف حقا ماذا ينتظــره هناك ولا لماذا يترك الوطن الوحيد الــذي يعرف، إلى مكان لا يعرف عنه شيئا؛ إلا أنه يسمى «أرض الميعاد.»

جاء ســرد الرواية بعيدا عن الخطية، بشكل شبه دائري، يحكي مسارها الأساسي عن الصراع بين عمران المالح - الصحافي المشــرف على صفحــة الكتب في جريدة «لوموند» وعضو لجنة تحكيم جائزة أدبية - في مواجهة فرانز غولدشتاين، المحرر الرئيس في دار نشــر فرنســية، يحاول إغراء عمران بعرض لا يمكن رفضه، لانتقاء رواية محددة للفوز. أما المســار الثاني للرواية، الموازي والمتداخل مع المسار الأول، فيأتــي ليلقي الضوء علــى تاريخ هجرة يهود المغرب إلى إسرائيل، والمنعطفات التي مرّت بها حياة عمران، مذ حط قدميه على أرض إسرائيل صبيا حتى اســتيقاظه، من جديد في المغرب، عجــوزا نزيلا في مستشــفى مجانين لا يتذكر من يكون ولا شــيء من ماضيه، إلا شــذرات متفرقة تلقيها عليه ذاكرته كيفما شاءت مصادفات التذكر.

مدرسة ما بعد الحداثة

ومن الناحية التقنية، تنتمي الرواية إلى مدرسة ما بعد الحداثة في كتابة الرواية؛ حيث يسود التجريب وتنهار الحدود بــن الواقعي والخيالي. ثمة بين ثنايا الرواية عناصر تتشــابه مع كتابات بول أوستر، كما ثمة لمحات مقبلة من عوالم كتابات سلمان رشدي. هذه الرواية جاءت ممتدة على فصل واحد يبدأ باستيقاظ البطل في غرفة بيضاء غريبــة، لا يعلم ماذا يفعل ولا كيف وصل هناك... لا شيء في ذاكرته إلا جملة واحدة يتــردد صداها من بقايا حلم أو شــذرة من شــذرات ذاكرته.

ينتهي الفصل، وتنتهي الروايــة، في غرفة بيضاء أخرى، فــي مكان آخــر، ولا يــدور في عقــل البطل إلا جملــة واحدة، هي الجملــة ذاتها التــي بدأت بها الرواية؛ «مســيو عَمران المالح، ســنقدم لك عرضا لا يمكــن رفضه... مرّر رواية اليوم المقــدس إلى القائمة القصيرة، وســتحصل فورا على شــيك بعشرين ألف فرنك، وعقدا غير مسبوق لنشر روايتك الأولى».

اللافت في «أحجية إدمون عَمران المالح» هو الغوص في تاريخ اليهود المغاربة، وكشــف زيف الجوائز الأدبية، التي صارت تعطــى لكتبة لم يخطوا نصوصهــم بعد، من قبل لجان لاعلاقة لها بالأدب، وحين يجمع بين ذلك وإســرائيل، فلكأنه يتناص مع وعد بلفور «حينما أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom