Al-Quds Al-Arabi

الكاتب آرون سوركين لـ«القدس العربي»:«محاكمة شيكاغو 7» يستحضر تخريب الرئيسين نيكسون وترامب للديمقراطي­ة الأمريكية

- لوس أنجليس – «القدس العربي» من حسام عاصي:

رفعت إدارة الرئيس ريتشــارد نيكســون عام 1969 دعــوى قضائيــة ضد ســبعة مــن قياديي الحــركات المناهضة لحــرب فيتنام، فــي محاكمة عكســت الانقســام الحاد في المجتمع الأمريكي بين المحافظين والليبرالي­ين.

وسرعان ما تحولت الى ســيرك بسبب سخافة التهــم وتصرفات القاضي العدائيــة تجاه المتهمين وباتــت تعتبر الأكثــر غرابة في تاريــخ الولايات المتحدة. لكن أحداثها تطــرح للمرة الأولى في فيلم أطلقته شــبكة «نيتفلكس» الأســبوع الماضي وهو «محاكمة شيكاغو 7 .»

هــذه ليســت المــرة الأولــى التي تســلط فيها هوليوود الأضواء على إدارة نيكسون في أفلامها، فقد شــرعت في صنع مثل هذه الأفلام منذ أن استلم الحكم عام 1969 وكانت في البدايــة أفلاماً خيالية تحذر من عواقب نهج حكمه، واصفة إياه بالتعسفي واللاديمقر­اطي. وبعــد اســتقالته، عقب فضيحة «ووتر غيت» قدّمت هوليوود عدة أفلام سبرت فيها انتهاكات إدارته للقانون والدستور الأمريكيين.

كابوس نيكسون ودونالد ترامب

تلك الأفلام باتت أكثر إلحاحاً عندما عاد كابوس نيكســون مجســدا بدونالد ترامب عام 2016. فقام المخرج العريق، ســتيفين ســبيلبرغ، فوراً باخراج فيلم «ذي بوســت» الذي طرح فيه سياســة خنق حريات الصحافة ومعاداتها من قبل إدارة نيكسون، عاكساً بذلك عداء ترامب للإعلام وتحريضه ضده.

وصول ترامب للســلطة، فتح الباب أمام الكاتب الشــهير، آرون ســوركين، لإنتــاج مشــروع فيلم «محاكمة شيكاغو 7» الذي كتب نصه عام 2007 ولم يجد من يموله إلى أن دعمه اســتوديو باراماونت عام 2017.

«أعتقــد أن الانتظــار 14 عاما كان لصالحنــا» يقول لي ســوركين في حديث عبر زوم. «لأن رســالة الفيلم الآن هي أكثر أهمية بسبب تدهور الديمقراطي­ة في الولايات المتحدة منذ تسلم ترامب الحكم».

آرون ســوركين معروف بكتابــة ســيناريوه­ات أفلام ومسلسلات تلفزيونية تسبر الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي فــي الولايات المتحدة من خلال شــخصيات مؤثرة تحركهــا أخلاقيات راقية أو طموحات غير محدودة، أبرزهــا «الشــبكة الاجتماعية» الــذي فاز عنــه بجائزة الأوسكار، وستيف جوبس، وكرة المال والرئيس الأمريكي والقليل مــن الرجــال الفاضلين والجنــاح الغربي وغرفة الأخبار.

كل تلك المشــاريع كشــفت عن عيوب النظام السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة. وفي «شيكاغو 7» يوحي ســوركين أن نظام العدل فيها فاسد ولا يمكن الاعتماد عليها لحماية الحريات الدستورية.

«نحــن نحمي هذه الحريــات عندما نقــوم بالتصويت في الانتخابات» يقول ســوركين. «في النظام الديمقراطي، يمكننا أن نتخلص من أعداء الحريات المدنية عندما نصوّت ضدهم .»

يفتتح الفيلم باســتلام الرئيس نيكســون الحكم وفتح مدعيــه العام ملف المظاهرات وأعمــال العنف التي حدثت في شهر أغســطس/آب عام 1968 في مدينة شيكاغو، بعد أن رفضت الســلطات منح مناهضي حرب فيتنام ترخيصاً للتظاهر أمــام مؤتمر الحزب الديمقراطـ­ـي الوطني، الذي عُقد حينهــا هناك من أجــل اختيار المرشــح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. ويتهم المدعي العام حركات الثقافة المضــادة المناهضــة لحرب فيتنــام بالتحريــض والتآمر للقيام بأعمــال العنف، رغم أن لجنة تحقيق إدارة الرئيس الســابق، ليندون جونسون، اســتنتجت أن أجهزة الأمن استخدمت العنف المفرط ضد المتظاهرين وليس العكس.

ويقدم الدعوى القضائيــة ضد 7 من قياديي المظاهرات، مبــررا أن المتظاهريـ­ـن عبء علــى المجتمــع الأمريكي ولا يساهمون إلا في إثارة الفوضى والدمار في بلدهم، بدلا من المشاركة في اللعبة الديمقراطي­ة والتصويت مثل غيرهم من المواطنين.

«الحقيقة هي أن كل تغيير ملموس حدث في هذا البلد أو في أي بلد آخر قد نتج عن الاحتجاجات» يرد سوركين. «لم يحدث في صنــدوق الاقتراع بل حدث لأن الناس نزلوا في مسيرات وهجمت عليهم كلاب الشــرطة وتمت مهاجمتهم

بخراطيــم المياه والعصــي وأصيب بعضهــم بطلق ناري في رأســه. والديمقراط­ية دون الحق في الاحتجاج ليست ديمقراطية. عليك أن تطلق عليها اسما آخرا.»

ذلك الحق مكرس في الدســتور الأمريكــي، المبني عليه نظام القضاء في الولايات المتحدة. لكن المروع في الفيلم هو أن قاضي المحكمة وهو جوليوس هوفمان، يتحيز للحكومة ضــد المتهمين، الذيــن يعاملهم بــإزدراء وفظاظة، وكأنهم كانوا جراثيم معدية. كما يرفض كل طلبات محاميهم ويصر على اختيار محلفين مناهضين لهم لكي يضمن إدانتهم.

«في معظم الأوقات، عندما تؤدي دور شــخصيات لديها الكثير من العيوب تبــذل مجهوداً بطريقة مــا في الداخل لإظهار الجزء الإنســاني منها» يعلق فرانك لانجيلا، الذي يجســد دور هوفمان. «لكن القاضي هوفمان كان شــريراً وفاســداً وعديم الشــعور. لو لم أصوره بهذا المستوى من الشر، لما كان لمشاهد المحكمة هذا الوقع الكبير.»

هوفمان لم يكن وحيــدا في عدائه للمتهمين الســبعة، بل كان يجســد ما يقارب نصف الشــعب الأمريكي، الذي كان يعتبــر حــركات الثقافة المضــادة، التــي ظهرت في الســتينيا­ت، خطرا على الولايات المتحدة، بسبب رفضها لجهود حرب فيتنام ودعمها لحقوق الســود وتمردها على المبادئ المحافظة. فهل يمكــن اعتبار ذلك الجزء من المجتمع الأمريكي أشــرارا؟«هذا ســؤال مثير للغاية» يرد لانجيلا. «أعتقد أنه عندما يكون لديك رأي قوي حول مسألة ما، فإنه أمر شــبه مستحيل أن تصدق الحقائق الموجودة أمامك. إن هناك مجموعة كبيرة من النــاس لا تراها وهم في الحقيقة لا يتأثرون بها. فعندما تصل إلى منصب قاض أو رئيس أو ســيناتور أو نائب، تأتيك هذه القوة كالطاعون وتتفشى فيك، فلا تريد أن تخســر القوة. أعضاء مجلس الشــيوخ والطغاة حول العالم لا يريدون أن يخسروا سلطاتهم، بل يريدون أن يتمسكوا بها وبفعلهم هذا يخسرون أي شعور بالإنسانية. أجل، هناك أشــرار ونحن الآن في ظل وجود عدد كبير منهم».

شر هوفمان يتجلى بقوة في تركيزه عدائه الأعنف على المتهم الأسود، بوب ســيل، مؤسس حركة «الفهود السود» الذي وجهت اليه تهم مماثلة للمتهمين البيض ليصبح المتهم الثامن، رغم أنه حضر الى شــيكاغو لمدة ساعتين وحسب، ألقى خلالها خطابا وغادر، دون أن يشــارك في المظاهرات أو في تنظيمها.

لهذا يرفض ســيل ضمه للمتهمين السبعة ويتهم المدعي العام بزجّه معهم لكي يثير الــرأي العام الامريكي المعادي للســود ضدهم ويدفــع المحلفين الــى ادانتهــم. ويطالب بحضور محاميه ليدافع عنه. لكــن هوفمان يرفض طلبه،

ويأمر بتكبيله وتكميمه من أجل اسكاته، ما يعكــس العنصريــة ضد الســود في المحاكم وخارجها.

«دســتور الولايات المتحــدة يمنح كل فرد، بغــض النظر عــن الجرائــم، التي ارتكبها، الحق في اختيار تمثيل له للدفاع عنه في المحاكم، لكــن بوبي حرم من ذلك الحق وتم اسكاته» يقول يحيى عبد المتين، الذي يجسد دور ســيل. «كما أنه حُرم من الخروج من الســجن بكفالة والعودة الى أحبائه وطلب الاستشارة خارج السجن مثل المتهمين البيض، الذين كانوا يعودون الــى منازلهم بعــد كل يوم فــي المحكمة ويظهرون على أجهزة الإعلام ويطرحون قضيتهم أمام الــرأي العام. ويصلون الى المحكمة كل صبــاح مع محاميهــم، بينما يدخل بوبــي مكبل اليدين. وهذا يعبر عن التباين الصــارخ في العدالة في ظل نظام كان بوبي يقاومه .»

المظاهرات ضد العنصرية

هذه الأحداث التاريخية التي يطرحها الفيلم لها شــواهد في الواقــع الأمريكي المعاصر، مثل المظاهــرا­ت ضد العنصرية، والانقســا­م الشاســع بــن المحافظــن والليبرالي­ــن فــي المجتمــع الأمريكــي، والصــراع الحاد بــن اليســار واليمين السياســيي­ن. لكنهــا تطرح مــن منظور الليبرالي سوركين، الذي اعترف أن غايته من صنع الفيلــم هو تحذير الأمريكيين من نظام الجمهوريين المحافظ. كما قام باعادة كتابة الأحداث الواقعية ليعزز من التأثير الوجداني للفيلم على المشــاهد. وذلك ما يدفع المحافظين فــي الولايات المتحدة الى اتهام هوليوود بتزييــف أحداث التاريخ من أجل الترويج لأجندتها الليبرالية. «حسنا، ليصنعوا أفلامهم الخاصة» يقول سوركين. «هم يعادون هوليوود، لكن الحقيقة هي أنهم في قلب هوليوود. فأمريــكا التي يريدون العــودة إليها هي خيــال وضعته هوليوود أمامهم عبر الســنين. فالذكــر الأبيض الأمريكي المســيحي المقتص كان ســائدا فقط في الأفــام والبرامج التلفزيوني­ة. والمقتص الذي يمكنه هزيمة 10 رجال أشــرار مسلحين، ذلك لم يحدث قط، أبدا، إلا في الأفلام. المحافظون الكارهــون لهوليوود لا يمكنهم التمييــز بين ما هو حقيقي وبين ما رأوه في أفلامها».

الفيلم يعكس الصراع الفكري والمبدئي، الذي احتدم بين الليبراليي­ن والمحافظين في الولايات المتحدة منذ تأسيسها حتى يومنــا هذا، حول مفهوم الحريــات المدنية والحقوق الفردية. كما يطلق رسالة تحذير من قبل الليبراليي­ن مفادها أن النظام الأمريكي ومؤسســاته التنفيذية والتشــريع­ية والقضائية تحت ســلطة المحافظين لا يختلف عن أي نظام ديكتاتوري معاد للحريــة والعدل والمســاوا­ة، التي بني عليها دستور الولايات المتحدة.

أما فنيا، فالفيلم يتميز بمشــاهد مؤثرة تثير الســخرية وأخــرى مفجعة، كما ارتقــى أداء جميــع ممثليه ليجعله منافسا قويا في حملة جوائز هذا الموسم.

 ??  ?? بوستر الفيلم
بوستر الفيلم

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom