Al-Quds Al-Arabi

بعد فرضه أعرافا وتقاليد جديدة: كيف سيغير الوباء مجلس قيادة العالم؟

- أنور القاسم ٭

وباء فاجأ العالم بقســوته وسرعة انتشــاره، أربك الحكومات والعلماء والأطباء بسبب غموضه، وهناك الكثير من الألغاز لم تكتشف حتى الآن!

قبل أكثر من ســنتين، صدر كتاب «التنوير الآن» والذي أوصى بيل غيتس النّاس بقراءته، أشاع مؤلفه ســتيفن بينكر تفاؤلا كبيرا، حين قال إنّنا نعيش اليوم أفضل حالة بشــرية، لأننا اســتطعنا التغلب علــى الكثير من الأمراض والمجاعات، ووصلنا بالإنســان إلى مســتوى من الوعي والتواصل والرخاء والحالة الإنسانيّة الراقيّة لدرجة غير مسبوقة تاريخيًا. هل صدق بيل غيتس وستيفين بينكر؟ حجم وكم الاهتمام الإعلامي العالمي بما يشيعه فيروس كورونا الجديد، قد يجيب على جزء كبير من هذا الكتاب، بل أن برامج متخصصة عبر الفضائيات والقنوات الدولية تطرح أســئلة مفتوحة أكثر عمقا وأجوبة أكثر تساؤلا على مستوى العالم.

فها هي قنــاة «دي دبليو» الألمانية تســيّر رحلة حــول العالم وتبين كيف غير الفيروس الأمان الزائف للدول والأشــخاص. بينما تكشف قناة «الحرة» الأمريكية: «انهيار العولمة وتفكيك ما بعد الحداثة».

وتذهب قناة «أر تي» الروســية للقول إن كورونا يغيــر الحياة الطبيعية لسكان العالم الى الأبد.

«بي بي ســي» بدورها تقول إن كورونا يغير عادات التسوق التاريخية في كل دول العالم.

وتقول قناة «بلومبيرغ: تبدل خرائط العمل التقليدية، والســيارا­ت تدفع الثمن الباهض. «سي أن أن» تقول: وداعا للسياحة التقليدية والسفر المزدهر حول العالم. أما «سكاي ســبورت» فترى أن الرياضة تدفع ثمنا باهضا لفاتورة الوباء. فيما قناة «العربية» تتناول كيف غير كوفيد 19 العالم حضاريا!

وترى قناة «يورو نيوز» تبدل أجندة المؤسسات العسكرية والاستخبار­اتية حول العالم.

تقود قناة «فرنســا 24» جولة الفيروس العالمية وتأخذ الُمشــاهدَ أيضا إلى الجانب الآخر للوباء، كما في حالة الســويد: كان المســار الخاص للسويديين شجاعا في البداية. وبعد أشهر قليلة كان لا بد من مواجهة نتائج مرعبة.

وفي خضم هذه الأزمــة الصحية والاقتصادي­ة الأكبــر في العصر الحديث أصبحــت التطورات في السياســة العالميــة واضحة أكثر. ففــي حين تغرق الولايات المتحدة في فوضــى كورونا، يبدو أن الصين لم تتعثر إلا في البداية. هل ســيصبح النظام الاســتبدا­دي في بكين هــو الفائز فــي الأزمة من خلال إجراءاته الصارمة والمستمرة ضد الفيروس؟

لكن قناة «الجزيرة» قد ذهبت أبعد، حينما خصصت ترســانة من البرامج، حــول تغير خارطة العالم والقوى والإقتصاد، نتيجــة هذا الفيروس التاجي الغامض.

تتســاءل أحدث حلقات برنامــج «الاتجاه المعاكس» علــى «الجزيرة» هل الكوكب الذي تراجع فيه احترام العالم ودمر فيه المناخ لصالح السلاح والغاز والنفط والنفوذ هذا هو مصيره؟

لماذا تمنح النياشين للساســة والعسكر، بينما يحرم منها العلماء والأطباء ومن يشفون الناس؟ كيف ستغير الجائحة مجلس قيادة العالم؟ لقد أعادت الأوبئة تشــكيل العالم، كما لم تفعل الحــروب يوما، فقد انهار النظام الإقطاعي البريطاني عندما غير طاعون عام 1350 الظروف الاقتصادية والديمغراف­ية. وتم تدمير إمبراطورية الآزتك عام 1520 بسبب عدوى الجدري، التي جلبها العبيد.

90 فــي المئة مــن الســكان الأصليين للأمريكيتـ­ـن قتلتهم أمــراض نقلها الإستعمار الإسباني، مثل الجدري والحصبة والطاعون، كان ذلك في الماضي البعيد.

أما في الماضي القريب وتحديدا قبل مئة عام ونيف فقد سجل العالم العديد من الأوبئــة، تبدأ من الإنفلونزا الإســباني­ة عام 1918 التــي أودت بحياة 50 مليون إنسان، العدد الذي يفوق الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، وتصل الى أواخر عام 2019 حيث سجل كوفيد 19 الذي سيكون الأعتى والأشرس بين سابقيه.

رغم أن كورنا المســتحدث­ة تشبه الإنفلونزا الإســباني­ة لكن ظروف العالم تغيرت، فالانفلونز­ا كانت في عالم أقــل ترابطا وتعقيدا وأقل عولمة، والآن كل شــيء يتغير، فبات العالم يبحث عن كمامة بعد أن كان يبحث عن الأســلحة العسكرية والإقتصادي­ة.

يقــول برنامج «الميدان» في «الجزيرة»: كانوا يخترعون لنا حروبا باســم النفــط والطاقة ويبيعونا أســلحة وفجــأة يتحول الصراع الــى من يمتلك كمامات طبيــة أكثر وأجهزة للتنفس الصناعي وقطــاع صحي أقوى، فالقيمة الإستراتيج­ية للأشياء تتغير.

بتنا نرى مســؤولا ألمانيا يتهم الولايات المتحدة، القــوة العظمة، بقرصنة 200 ألف كمامة طبية كانت متجهة الى ألمانيا. يخرج ترامب لينفي لكن يفتضح أمره، حينما حاول شــراء «كورفــاك» الألمانية، التي تعمــل على تطوير لقاح كورونا، ما تسبب في خلاف دبلوماســي، ويهدد الهند علنا بعقوبات قاسية، حتى يجبرها على قرار رفع حظر تصدير دواء «هيدروكسي كلوركين» ويرحب بأي طبيب يريد الهجرة الى بلاده.

كمامة الصين العالمية

الصين بدورها تستغل الفرصة فتشــغل كل مصانعها لتصبح منجم العالم الطبي، بينما تســتغل بلاد أخرى الوضع لإرسال مساعدات طبية الى أوروبا وأمريكا وتكسب سمعة ومكانة عالمية جديدة.

لقد تغير وجه الاقتصاد، وترنحت مقومــات العظمة، فالنفط والصناعات الثقيلــة تتراجع والمواد الطبية تتقدم، لذلك تتجه كبريات الشــركات العالمية لإنتاجها تاركة تخصصاتها الأصلية، مثل فورد وجينرال موتورز وتسلا.

الأمم المتحدة التي تشــكلت بعد الحرب العالميــة الثانية بقيادة المنتصرين الخمسة الكبار، الذين يحكمون العالم كله، وفق مصالحهم الخاصة، تترنح.

الإتحــاد الأوروبــي والولايــا­ت المتحدة في خطــر، لأنهم اســتهتروا في الفيروس منذ البدايــة بدافع الغرور العلمي، بينما أخذته الصين ودول أخرى على محمل الجد.

الفيروس يجبــر معظم دول أوروبــا مجددا على الإغلاق الشــامل للبلاد والعبــاد، والــذي يكلفها اقتصاديــا واجتماعيا ما لم تكلفه الحــرب العالمية الثانية، فالى خروج بريطانيا وأزمة اللاجئين الى الأزمة الاقتصادية العالمية، التي نجا منها الأوروبيون بشــق الأنفس، لا تجد القارة العجوز الآن من يؤكد أنها ستنجو من هذا الوباء، الذي يخيم على كل شيء.

إذا هذه الأزمة - حســب تحليــل «الجزيرة» - لها وجــوه ثلاثة: صحية ومالية وسياســية، صحيــة تؤثر على مســتقبل صحة جميع ســكان الكرة الأرضية. ومادية أشد وطأة من الأزمة المالية العالمية 2008 فهي تغلق كل شيء تقريبا وتؤثر مباشرة على كل شخص على سطح الكرة الأرضية، ما يؤدي الى تراجع الطلب على كل شــي، ومن ثم حدوث الركود، ثم الكساد العظيم، الذي سيصيب صادرات أوروبا والولايات المتحدة وكل دول العالم في مقتل.

سياســية، قــد تغير خريطــة العالم ومــن يتحكمون بــه، فالوباء يعزز القوميات وينبذ الوطنية، كما يحصل في الولايــات المتحدة وصعود تيارات اليمــن في العالم. فالــدول الديمقراطي­ة بدأت في اتخاذ إجراءات قاســية لا تتناســب مع روح الديمقراطي­ة والحريات الفردية، التي تأسست عليها، وما يجري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يحدد مستقبل الديمقراطي­ات في عموم الغرب كله.

الراســخون في العلم لا يرون حلا ســريعا ينهي تغــول الفيروس، لذلك، فالكوكــب حاليا في حالة الإغلاق، والدولة التي لم تغلق بعد ســتفعل قريبا، والتي لم تفرض حركة مشددة على الناس والأسواق ستفرض قريبا، لأنّ هذا المرض ينتقل بســرعة هائلة، لذا ينبغي على العالــم أن يُغلق أبوابه، فالكرة الأرضية تدخل حالة من الانعزال، لم يسبق لها مثيل.

ما يحــدث اليوم هو موت للقديم وإيذان بولادة الجديد، والأزمات تســِّرع حركة التاريخ وتكثف تحولاتــه، فإذا عملنا باجتهاد فإننــا قد نكون أفضل، أما إن استســلمنا لغلبة المصالح الدولية وأوهام الجشع فإننا سندخل عصور ظلام جديدة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom