Al-Quds Al-Arabi

كُردستان العراق يواجه أزمات اقتصادية ومالية خانقة

-

■ مير رســتم - أف ب:عند ســفح تلة وعرة، وعلى بعد 55 كيلومتراً شــمال شرق أربيل، كبرى مدن كُردســتان العراق حيث تمتد بلدة مير رستم على مساحة شاسعة، كروم من العنب الناضج بات جاهزاً للقطاف ليكون مصدر دخل للإقليم الشمالي الغارق في أزمة اقتصادية.

فقد عاد ســكان الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي إلى الاعتماد على الزراعة التــي تراجع العمل فيها بعد ســقوط نظام صدام حســن في العام 2003، عندما تشــكلت حكومــة للإقليــم بميزانية كبيرة جعلت غالبية السكان يتركون الزراعة ويتوجهون إلى وظائف الدولة لضمان رواتب شهرية.

ويؤكد عبد الله حسن، وهو مزارع في بلدة مير رســتم، أنها «المرة الأولى » منذ سنوات التي يقطف فيهــا العنب من مــزارع البلدة التي كانــت مورداً رئيسياً للعيش إبان فترة الحصار الذي فرض على العــراق وانتهى بالغزو الأمريكي للبلاد وإســقاط صدام حسين.

ووفقا للبنك الدولي، يواجــه العراق هذا العام تدهوراً اقتصادياً شــاملاً بســبب اعتماد ميزانية البلاد على صادرات النفط.

وبالنســبة إلى إقليم كُردســتان، الذي يشــهد خلافات مســتمرة مع حكومة بغداد حول ميزانيته إثر الانخفاض الحاد في أسعار النفط وتفشي وباء كوفيد-19، أصبح الوضع أكثر صعوبة.

ويحــذر البنــك الدولي من أن «نقــاط الضعف الموجودة أصلا فــي العراق قد تــؤدي إلى انهيار اقتصادي وموجة جديدة من العنف» في البلاد.

ويرى الخبير الاقتصادي بلال ســعيد أن كل ما يحدث من انهيار لاقتصاد كُردســتان اليوم سببه عدم أعتماد ســلطات الإقليم علــى نظام اقتصادي مُستدام من أجل ضمان الازدهار على المدى البعيد.

ويضيف «موارد مالية كبيرة تحقّقت لكُردستان: ميزانيــة مخصصة مــن حكومة بغــداد وعائدات المنافــذ الحدودية مع تركيا وإيــران... لكن، وبدلاً من استثمارها للبُنى التحتية الزراعية والصناعية والصحية والســياحي­ة، ركزت حكومة الإقليم على تطوير قطاع النفط فقط .»

وكما هو الحال مع الحكومة المركزية، أدى توفير الوظائف في القطاع العام مــع أن عددا كبيرا منها بدون جدوى، إلى حدوث تضخم.

ويوجد اليوم في إقليم كُردســتان، حيث يسكن خمسة ملايين شخص، 1.2 مليون موظف حكومي، أربعون في المئة منهم عناصر في الجيش والشرطة. وتكلّف رواتبهم أكثر من 725 مليون دولار شهرياً.

ولم تدفع حكومة الإقليم منذ بداية العام الماضي غير ســتة رواتب شــهرية لموظفي الدوائر المدنية، وقررت فــي يونيو/حزيــران أن تخفّض بنســبة تصل إلــى 21 الرواتب التي تتجــاوز 250 دولاراً في الشهر.

ويعني هذا انخفاض فاتــورة الرواتب إلى 591 مليون دولار، لكن التراكمات ما زالت متواصلة رغم تســلم الإقليم مبلغ 260 مليون دولار من الحكومة المركزية في كل شهر.

وأصبحت رواتب الموظفين الحكوميين مشــكلة أمام الحكومة المركزية في ظل عــدم إقرار الميزانية حتى الآن.

ويتسلم الموظفون المدنيون في حكومتي الإقليم وبغداد الرواتب منذ سنوات في ظل أزمة اقتصادية متصاعــدة، لكن المــوارد التي يعتمــد عليها البلد أصبحت مهددة بالنفاد، وفقا لمعهد لندن للاقتصاد.

وأشــار تقرير صادر عن المعهد إلى ان «الأحزاب السياســية المهيمنة )على البــاد( تكافئ الموالين لها بالرواتب، وتســتخدم عقود المشــاريع لإثراء رجال الأعمــال المقربين منهــا. بالمحصلة، أصبحت ميزانية الوزارات تُســرق لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية .»

ويقــول رئيــس لجنــة الاســتثما­ر فــي إقليم كُردســتان محمد شكري «نحن أغنياء عندما يكون سعر النفط مرتفعاً وفقراء عندما ينخفض» مضيفا «أنا لا أســمي هذا اقتصاداً صحيــاً». ويتابع «من أجل تصحيح ذلك، قامــت اللجنة بمنح 60 رخصة لمســتثمري­ن بقيمة 1.5 مليــار دولار، غالبيتها في قطاعات الزراعة والصناعة .»

في غضــون ذلــك، تطلــق الســلطات وعوداً بتحســن الأوضــاع الاقتصادية وبناء مشــاريع كبيرة كالســدود والطرق وســكك الحديد، ودعت المستثمرين الأجانب إلى المشاركة في المشاريع.

في هذا الوقت، ينفد صبــر الصناعيين المحليين الذين يواجهون منافســة يومية حــادة في وجه منتجات تغرق الأســواق تصل مــن تركيا وإيران، الجارتين اللتين تنخفض عملتهما بشــكل متواصل فيما لا يــزال الدينار العراقي محافظــاً على قيمته مقابل الدولار.

ويطالب بارز رسول، وهو صاحب شركة للحديد الصلب يصل إنتاجها إلى خمسين ألف طن شهرياً، بفرض «زيادة فــي الضرائب الجمركيــة ومراقبة الحدود» للحد من تدفق البضائع إلى البلاد، مشيرا إلى ضرورة دعم قطاع الزراعة.

ويقول رسول الذي قام قبل فترة قصيرة بتفكيك 50 بيــت زراعة زجاجيــاً «إنتــاج الكيلوغرام من الخيار يكلفني 21 ســنتاً، بينما يبــاع كيلو الخيار الإيراني أو التركي ب13 ســنتاً في أسواق إربيل.» ولم يصــوّت برلمان إقليم كُردســتان على ميزانية منذ 2014. وبالتالي، من المســتحيل معرفة عائدات المنافذ الحدودية أو النفــط أو الضرائب، ولا حتى كلفة المصاريف.

وكمؤشــر على تدهــور الوضــع الاقتصادي، خاطب رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني مطلع الشهر الحالي البرلمان بهذا الخصوص، وذلك للمرة الأولى منذ تشكيل حكومته في تموز/يوليو 2019. وأكد أن الدَين العام للإقليــم وصل إلى 28.4 مليار دولار، بينها تسعة مليارات دولار هي قيمة رواتب غير مدفوعة منذ عام 2014.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom