كشف نفق حماس في غزة بين الإنجاز الإسرائيلي و«كليشيه» الشرق الأوسط
■ إن كشــف النفق الذي حفر مــن غزة إلى أراضي إســرائيل يعد إنجازاً عملياتياً أول للعائق التحت أرضي الذي يقام على طول الحدود مع القطاع.
عثــر على هذا النفق بمســاعدة التكنولوجيا المركبــة على العائق، بهدف الإخطار فــي حالة حفر أنفاق أو نية لتخريب العائق نفســه. لا يدور الحديث فقط عن إحبــاط عملياتي، بل أيضاً عن حدث ذي مغزى ردعي: قد يكون النفق يســعى لتحدي العائق وفحص قدراته وســبل تجاوزه. ومجرد الكشــف يطلق الإشارة إلى الطرف الآخر بأنه يواجه تحدياً كبيراً جداً، سيحتاج منه إلى مقدرات كبرى كي يحاول اختراقه نحو الأراضي الإسرائيلية.
ولكــن إلى جانب الإنجــاز التكتيكي ـ العملياتــي للعائق وللقوى التكنولوجية والاستخبارية في فرقة غزة وفي قيادة المنطقة الجنوبية، فهو حدث يفيد أمرين إضافيين: عملياتي واستراتيجي.
عملياتيــاً، يتبــن أن منظمات الإرهــاب في القطاع )وعلى رأســها حماس( لم تتخل عــن فكرة الأنفاق. رغم العائق ـ الذي من المتوقع أن يكتمل بعد نحو خمســة أشــهر ـ يؤمنون بأنهم سينجحون في الحفر والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، ومصممون على عمل ذلك بكل ثمن. واســتمراراً لذلك، يحتمل أن نرى محاولات للحفر في المســتقبل على مســافة أعمق حتى المياه الجوفية، أو العودة للعمل في محور التفافي مــن غزة إلى الأراضي المصريــة، ومنها إلى الأراضي الإســرائيلية في منطقة لم يتم فيها بعد إقامة العائق التحت أرضي.
اســتراتيجياً، يفيد هذا الحــدث أنهم في غزة يســتعدون للحرب. أشــارت كل محافل التقدير في إسرائيل في الأشهر الأخيرة بأن حماس ضعيفة، ولا تريد التصعيد، كما أن ســلوكها في الميدان يشهد على ذلك: امتناعها عن الانضمام للقتال بعد تصفية مســؤول الجهاد الإســامي بهاء أبو العطا في تشــرين الثاني من العام الماضــي، عبر تجلدها في جملة أحداث درجت فيها على العمل والرد في الماضي، وحتى محاولاتها لتفعيل محادثات التهدئة مع إسرائيل بكل سبيل.
لا تزال هذه التقديرات سارية المفعول. لا تريد حماس الحرب، وهي تفضل حلاً يســمح لها بإعادة بناء القطاع وإحــال الهدوء والازدهار النســبي )فعلى أي حال تبقى هذه غزة( لسكانها. ولكن حماس ليست مســتعدة لهجر فكرة المقاومة القابعة في أســاس وجودها. ورغم حلو اللســان في المحادثات مع المصريين والقطريين وممثلي الأمم المتحدة، فقد كانت ولا تزال منظمة إرهاب تسعى لإبادة دولة إسرائيل.
وعليه، فإن حماس عندما تحفر الأنفاق فهي تطلق الإشارة لرجالها والجمهور الغزي بأنها غيرت تكتيكها، ولكنها لم تغير الاســتراتيجية، وحتى إن استغرق الأمر وقتاً ـ فإنها ستعود إلى طريقها.
ولهذا، فإنها تواصل الاستثمار في مشروعها الصاروخي وبالوسائل الأخرى التي يفترض أن تستخدمها في حرب مستقبلية ضد إسرائيل، والكفيلــة بأن تندلــع حتى في المــدى الزمني القريــب دون أن يكون الطرفان معنيين بذلك. فبعد كل شــيء غزة هي غزة، الحساســية فيها عالية كما هي دوماً، وربما دائمة على خلفية الوضع الاقتصادي اليائس وكورونا التي تفجرت في القطاع.
إســرائيل على وعــي باحتمالية التفجــر هذه، ويحاولــون إبعاد المعركــة. فإلى جانب إحباط النفق الذي أشــغل الجيش الإســرائيلي فــي الأيام الأخيرة، يبذل جهاز الأمن جهداً مكثفاً بالعمل على سلســلة مشاريع مدنية وإنسانية تســمح بهدوء طويل المدى في الجبهة، ولكن أحداً لا يوهم نفســه: كما يقول «الكليشيه» القديم في الشرق الأوسط، وثبتت صحته أمــس مرة أخرى، فإن من يريد الســام )أو الهدوء( ـ فليستعد للحرب.