هل تتجه الثورة الفلسطينية الحديثة إلى صدام شديد مع إسرائيل؟
من 1920 حتى... «التطبيع»:
■ في نهاية هذه الســنة ســتمر مئة ســنة على بداية أحداث 1920 ـ 1921 التي ترمز في نظر كثيرين إلى ولادة الحركة الوطنية الفلســطينية الحديثــة. فالاحتكاكات بين الســكان العرب والمســتوطنين اليهود كانت وقعت قبل ذلك، ولكن أحــداث 1920 ـ 1921 حملت طابعاً خاصاً: قام بها عرب كانوا يعيشــون في كيان جغرافي منفصل عــن باقي المجال العربي الــذي يحمل اســم فلســطين ـ بلاد إســرائيل، وبدأوا يطــورون هوية خاصة تصممت في ظــل المواجهة مع عدوين مركزيين: الحاضرة اليهودية والانتداب البريطاني.
ليس هنــاك فلســطينيون كثر يلخصــون القرن الأخيــر بالإيجاب، والسنوات الأخيرة تفاقم إحســاس التردي الوطني في أوساطهم: فإلى جانب الابتعاد عن حلم الدولة المســتقلة، يتأطر الانقسام الداخلي، ويقل الاهتمام الإقليمــي والدولي في قضيتهم، بل وتهتــز الروايات التي تؤيد فعلهم، وعلى رأســها المطالبــة ألا يتحقق التطبيع بين إســرائيل والعالم العربــي أو التغيير في مكانــة القدس إلا بعد التســوية. والتدهور ليس بالطبع نتيجة للسلوك الفلســطيني فقط، فقد ساهمت إسرائيل أيضاً في التعقيد العنيف للواقع، ســواء من خلال تجاهل مشــكلة الفلسطينيين أم باتخاذ مواقف خلقت جموداً عميقاً في الاتصالات معهم.
إن الواقع البشع يستوجب تحقيقاً عميقاً لدى الفلسطينيين في الطريق التاريخــي الذي اتخذته الحركة الوطنية. وتضمــن القرن الماضي أنماطاً كررت نفســها ومنعت الفلســطينيين من تحقيق أهدافهم، وعلى رأســها مرونة سياسية محدودة وعدم قدرة أو رغبة من القيادة الوطنية للوصول إلى قرارات تلزم عموم الفلســطينيين. وبدلا من ذلك، فضل قسم كبير من الفلسطينيين التعلق بالأوهام لسنوات طويلة.
بعد مئة ســنة من ولادتهــا، تعد الحركة الوطنية الفلســطينية إحدى الحركات المســتقرة في العالم العربي. وتشــكلت، حول فقــدان الوطن وانعدام الســيادة، إحدى الهويات الأكثر تبلوراً في الشــرق الأوســط.
ولكنها حركة وطنية تتباهى اليوم أيضاً بالحفاظ على «الصبر والصمود» بدلاً من النجاحــات العملية، رغم كل المصائب التــي وقعت عليها، ودون قدرة على تقديم جواب حقيقي لأزمات الفلسطينيين في الحاضر.
إذن، يمكــن أن نجمــل التاريخ الفلســطيني كـ «سلســلة من الفرص المفوتة»: من رفض مشروع التقســيم عبر الانخراط في مواجهات مريرة مع الأخوة العرب، والصراعــات الداخلية الحادة، والاختيارات المغلوطة للحلفاء الإقليميين، وحتى رفض مبادرات سياســية كان يمكنها أن تمنح جواباً للطلب الفلسطيني في السيادة.
إن الاتفاقات بين إســرائيل والإمارات والبحرين تضع الفلســطينيين أمام معضلة: هل يستمرون في القرن العشرين تحت ظل شعارات الكفاح والمطالبة بالعدالة التاريخية، أم ســيدخلون عبــر بوابة القرن الـ 21 مع تركيز الجهد على تحقيق هدف الدولة وتنفيذ القرارات التاريخية الأليمة. الفلســطينيون ـ وكذا اليهود ـ غير مطالبين بشــطب ذاكرة ماضيهم، بل إعادة «تأطيرها»: من قاعــدة للتطلع إلى إعادة الدولاب إلى الوراء، نحو ذاكرة متفق على أنهــا لن تعود. إن ذاكرة جماعية من هذا النوع تســمح بالنظــر إلى أجــزاء الوطن التاريخي التي ليســت فــي ملكيتك دون أن تستعبد حاضرك لغرض استعادة عالم الماضي بكامله.
لا يمكن لضائقة الفلسطينيين الاستراتيجية المتفاقمة أن تبعث الرضى في إسرائيل. العكس هو الصحيح... فقد أثبت القرن الأخير بأن الحركتين الوطنيتين المتصارعتين، مرتبطتان الواحــدة بالأخرى، وعندما تتدهور واحدة إلى الهوة ترتبط الثانية بقدمها إليها.
تســير الحركتان الوطنيتان اليوم دون تخطيــط ووعي إلى واقع من «دولــة واحدة» والتي هي ليســت فكرة إبداعية لحل النــزاع، بل صيغة لصدام شديد.
على الشــعبين أن يكونا واعيين لهذه الآلية، ويفهما آثارها ويحسما إن كانا مستعدين للســير نحو مســتقبل كهذا، وذلك قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة التي يكون فيها الانفصال غير ممكن بينهما.