Al-Quds Al-Arabi

هل يمهد كورونا لنهاية إسرائيل؟

بكشفه حجم التشتت الداخلي:

- بني حيفتس ■ هآرتس 2020/10/21

يشهد الإنســان لحظات تاريخية في حياته، أذكر جيداً زيارة الرئيس المصري إلى إسرائيل، والتوقيع على اتفاق أوسلو، والرئيس كلينتون وهو يذرف الدموع في احتفال التوقيع على اتفاق السلام مع الأردن، وأذكر قتل رابين، وإخلاء «غوش قطيف» وأحداث الحادي عشر من أيلول. أحداث مهمة وتاريخ يتشكل.

اليوم نشــهد حدثاً تاريخياً آخر: بداية نهاية المجتمع الإســرائي­لي، وربما نهاية إســرائيل أيضاً. وباء كورونا الذي اخترق حياتنا ضبط إســرائيل وهي غير مستعدة، وفيها جهاز صحي مريض وحكومة فاشــلة. ولكن الأهم من كل ذلك هو أن الوباء قــد أظهر جميع أمراض المجتمع الإسرائيلي، كل ما تجاهلناه لعشرات السنين، أظهره لنا وباء كورونا حقيقة مؤلمة وأثبت أن المجتمع الإســرائي­لي خليط من الجماعات التي لا تعمل كجســم واحد، وعلى الأغلــب تعمــل الواحــدة ضد الأخــرى. بالتالــي، من المستحيل هزيمة الوباء، هذه وصفة مؤكدة للفشل.

تم تجاهــل هذه القطاعيــة والقبلية خلال عشــرات الســنين، رغم أن الزعيم أو ذاك جلب بين حين وآخر هذه الأمور إلى السطح، ســواء من خلال الرغبة في التوحد )الرئيس رؤوبين ريفلين( أو من خلال الســعي للحصول على مكاســب سياسية. كمؤسســة، الدولة عرفت دائماً إقصاء هذه القبليــة عن طريق وحدة مزيفــة أمام عدو خارجي. في الفترات التي ظهر فيهــا عدو أمام الأنظار ـ حماس وســوريا وحزب الله ـ عرفت الدولة و«الشعب» كيفية التغلب على الشــروخ الداخليــة، ووضع ضمادة على ما يقسم، والتكتل والتوحد ضد العدو الخارجي. أما الانقسامات الداخلية في هذا الوضع فتنسى، ويتصرف المجتمع كمجتمع مستقر وقوي. ولكن للأسف، هذا التكتل سطحي ـ مجرد خداع.

يتكون المجتمع الإســرائي­لي من مجموعات ضغط، لا يهمها ســوى مصالحها. كل ذلك كشــفه لنا وباء كورونا بصورة أشــد. ففي مواجهة هــذا الوبــاء لا يوجد عدو خارجي، وليس هناك من نكرهه أو من نوجه إليه نياشين بنادقنــا ولا يوجد بنك أهداف، ولا اســم لامــع لعملية عســكرية، ولا مكان نرســل إليه طيارينــا الممتازين... لا يوجد هناك مــن نتكتل ضده. المعركة فــي البيت، في الداخل، في الشــارع، فــي الحي وفي المدينــة. في هذه المعركة يجب أن تتبدى روح المجتمع والتكتل الإنســاني. لا يوجد في إســرائيل هذا أو ذاك، فكل واحد لبيته، وكل قطاع لنفسه، وكل قبيلة لمصالحها.

ليس الانقســام فــي المجتمــع بالأمر الجديــد، فهو نتيجة لسياســة موجهة دون الانتقاص من مســؤولية ضخمــة للحكومــة ومنتخبــي الجمهــور علــى طريقة التعامل مع المرض، ومســؤوليت­هم عن خلق الاستقطاب

والشــرخ في المجتمع الإســرائي­لي هي أكبــر بأضعاف. القيادة الإسرائيلي­ة، وبالأســاس القيادة الحالية، تتبع استراتيجية «فرق تسد». عرفت الحكومة بأنه كلما زادت الاســتقطا­ب الداخلي فمن الأسهل تحريض الواحد على صديقه وتحقيق مكاسب سياسية. مع ذلك، كان واضحاً للحكومة بأنه على الرغم من ذلك إلا أننا ســنعرف كيفية التوحد في أثنــاء الأزمة أمام العــدو الخارجي المناوئ. ولكن العدو الآن غير مرئي، ولا يمكن مواجهته بالوسائل العادية. إنــه عدو تقتضي محاربتــه التكتل الاجتماعي والمســؤول­ية الشــخصية تجاه المجموع، والتنسيق بين الأجهزة، ورؤية المصير المشــترك، وبالأساس التضامن مع والاهتمام بالآخر.

كل ذلك غير موجود. كل قطاع لنفســه وكل قطاع يركز على داخله.

من الســهل اتهام الأصوليين بعــدم الامتثال، وحتى الاســتخفا­ف بلوائــح الطــوارئ. ولكن لمــاذا يعد هذا الأمر مفاجئــاً؟ لأن هذا القطاع اعتاد بصــورة متعمدة، خلال ســنوات كثيرة، على التصرف كفقاعة في المجتمع الإسرائيلي دون التزام كامل بالمجموع.

لقد خلق رؤســاء الحكومــات هذا الوضــع على مر الأجيال، وســمحوا لهــم بالتطور، بل وأيــدوه لدوافع سياســية. الجمهور العربي في إســرائيل يعمل ما يراه مناســباً في بلداته وأعراســه، لكن لماذا نحتج على ذلك الآن؟ أليــس انفصالهــم من فعــل أيدينا؟ منذ ســبعين ســنة ولا نقبلهم داخلنا، ولا نتعاون معهم. الأصوليون والعرب، حتى لو كانوا يعيشــون في غيتوات، فإنهم في علاقة يومية مع المجتمع الإسرائيلي كله. لذلك، مشكلتهم مشــكلتنا جميعاً. نتيجة السبعين ســنة من الاستقطاب الذي خلقناه هي فوضى 2020.

خطة الإشــارة الضوئية للبروفيســ­ور روني غمزو مصيرها الفشــل. لهذا، لــم تطبّق؛ فالخطــة تمس دمل المجتمــع الإســرائي­لي، وتصنــف كل مــا لــم نرغب في تصنيفه وكل ما قمنا بكنســه تحت البســاط: تركيزات المجموعات الفرعية في المجتمع والغيتوات في إسرائيل. خطــة الإشــارة الضوئية تضع مــرآة غيــر لطيفة أمام المجتمع الإســرائي­لي، ولهذا ستفشــل. نحن بحاجة إلى خطة بســيطة فيها قاعدة موحدة للجميع، لكن لا يوجد «جميع» في دولة إســرائيل، بل يوجــد «نحن» و«هم». لذلك، مصيرنا هو الفشــل في مكافحــة كورونا. تحولت إسرائيل إلى دولة قطاعية لأحزاب قطاعية. وفيها القليل من الوســط والكثير من الأطراف. للأســف، نشهد حدثاً تاريخياً: تفكك المجتمع الإســرائي­لي. وإذا لم نوقف هذا الآن فسيكون الوقت متأخراً جداً، وستتفكك الدولة. وإذا لم نصُغ قواعد ثقافية أساسية للمجتمع فسننهار. وإذا لم نحدد مفهوماً «إسرائيلياً» مرة أخرى فلن يكون لنا هدف أو مستقبل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom