السيسي وأوروبا: برلمان ينتقد ودول تساند؟
■ بعــد رســالة مشــابهة وجههــا 56 عضــوا فــي الكونغــرس الأمريكــي، وفــي خطــوة يمكن اعتبارها الأكثر اتســاعا وجّه 222 برلمانيا أوروبيا رســالة مفتوحــة لعبــد الفتــاح السيســي طالبوه فيهــا بالإفراج عــن المعتقلين السياســيين ووقف انتهــاكات حقــوق الإنســان، ووجه أحــد النواب الموقعــن لهذه الرســالة القــول للسيســي «إنه لا يمكن الاســتمرار علــى هذا النحو مــع الإفلات من العقاب والاســتهتار بحق شــعبه بحريــة التعبير والرأي والسجن من دون توجيه تهم أو محاكمة.»
الرئيــس المصــري الــذي كان موجــودا فــي نيقوسيا لحضور قمة يشــارك فيها ممثلا لبلاده، في الدولــة المضيفة قبرص، مــع راعيتها الكبرى، اليونــان، كان يــوزع الابتســامات كعادته ويطلق التصريحــات البليغة فهو يمثل بــاده في منتدى غاز شــرق المتوســط الذي تشــارك فيه الدولتان، إضافة إلى إســرائيل وإيطاليــا والأردن، وإضافة إلى المصالــح الاقتصاديــة التي تتكتــل فيها هذه الــدول، فهنــاك طبعا مجــال للاســتثمار المصريّ المجزي في حرب ما يســمى «الإسلام السياسي» وهو ما أشار إليه في تصريحاته الأخيرة بالحديث عن ضــرورة «انتهاج مقاربة شــاملة لعلاج جذور وظاهــرة الإرهاب» وهو ما يوفر أيضا الاشــتراك فــي النزاع القــديم ـ الجديــد المتصاعد بين بعض هــذه الدول وتركيــا، وهو ما أشــار إليه بالحديث عــن «السياســات الاســتفزازية» و«التعــدي على الحقوق السيادية لدول الجوار.»
يتجــاوز موضوع «المنتــدى» المذكور إذن قضية الغاز في شــرق المتوســط، وهو ما يفســر الاتفاق المبطــن بــن أعضائه علــى تجاهل أن سياســات الرئيــس المصــري نفســه، إضافة إلى إســرائيل، العضــو البارز فــي «المنتدى» هما أكبر مســاهمين فــي إرهــاب الدولــة، وأن ممارســاتهما ضــد الفلســطينيين والمصريــن خصوصــا، هي الجذر الأساســي لـ«ظاهــرة الإرهــاب» وهو مــا ينطبق علــى كل مــا حــكاه السيســي عــن «السياســات الاســتفزازية» و«التعدي على الحقوق الســيادية لدول الجوار» وهو أمر، فيما يتعلّق بإســرائيل، لا يتعلّق بالأراضي الفلســطينية المحتلة فحسب، بل كذلك بسيادات أغلب دول المنطقة، كما أنه ينطبق علــى النظام المصريّ، على الأقل فيما يخص ليبيا، من دون أن ننســى، أن إيطاليا نفســها، دخلت في نزاع معه بخصــوص خطف وتعذيــب وقتل أحد مواطنيها.
إضافــة إلــى أوراق الاســتثمار هذه، فــإن لدى السيســي ورقة أخــرى لا تقل أهمّيــة للعب فيها، وقد أشــار إليها خلال القمة المذكــورة بحديثه عن «الهجرة غير الشرعية» ومساهمة بلاده في وقف تدفقاتهــا غير الشــرعية منذ عــام 2016 «اعتمادا على قدراتها الذاتية» و«انطلاقا من مســؤولياتها الأخلاقية»!
لهذه الأســباب كلّها، نفهم كيف بلع المسؤولون الأوروبيــون انتقاداتهــم لانقــاب السيســي، بل وكافــأوه بعقــد قمة عربيــة ـ أوروبية في شــرم الشــيخ العــام الماضي، وذلــك بعد أيــام قليلة من إعدام تســعة شــبان تمت إدانتهم في قضية مقتل النائــب العام هشــام بــركات، وفــي تجاهل لكل الانتقــادات الأممية والحقوقية الأوروبية وتقارير منظمات حقوق الإنسان.
لا عجــب، والحــال كذلــك، أن يســتمرّ النظــام المصريّ في غيّه، وأن يزيد العسف ضد مواطنيه، وأن يتابع السيسي أفعاله، بل وأن يتلقى المكافآت عليها، بدءا من ترامب ومرورا بالقادة الأوروبيين، وانتهاء بحليفته إسرائيل.