Al-Quds Al-Arabi

الدول العربية: مساحات مغلقة وحريات مفقودة

- د. شفيق ناظم الغبرا٭ ٭ استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

■ إن الحالة العربية الراهنة مع الحريات هي واحدة من الأســوأ فــي العالم. وهــذا وضع قد يــدوم لبعض الوقــت، لكن وصوله في 2020 لمرحلــة متقدمة قد يكون الأســاس الممهد لصراع قادم حول فتح مساحات الحرية العربيــة. إن الكبت الفكري والسياســي لا يمكن إدامته بلا تهديد للاســتقرا­ر وتعميق للشــروخ. إن الحريات ضرورة للمســاءلة وللتعامل مع أنــواع الظلم المختلفة ومع الاقتصاد المريض والفســاد المنتشر المؤدي للتبعية للخــارج. والحريات ضرورة لضمان فرص للاســتقرا­ر والتعديل والإصلاح.

إن الموقف الرافض للحريات بعبر عن نخب مسيطرة ومالكة لوســائل القوة والســلطة، هــذه النخب تؤمن بالقــدرة على فعل كل شــيء، وتؤمــن بملكيتها للدولة والمجتمــع والناس والأفــراد والاقتصاد. هــذه النظرة للإنسان عرفها التاريخ ولم يكن رحيما معها، شاه إيران نموذج لما نقصد، لكن تشاوتشيسكو في تشيكوسلوفا­كيا نمــوذج آخر. في ظــل أنظمة كهــذه ســتقع اهتزازات مفاجئة. لهذا فالنموذج العربي الراهن سيختبر الكثير من الاهترازات المفاجئة.

إن جانبا رئيســيا إذن من الضعــف العربي الراهن مرتبط بموقع الحريات الســلبي وبالتالي مكانة المثقفين العرب فــي أوطانهم المختلفة. وهنــاك فريق من المثقفين العرب ممن يشــعرون بمســؤولية التعبيــر عن الرأي حتى لو خالف الرأي السائد والسلطات المهيمنة. إن هذا النمط من المثقفين والسياسيين المهمشين يجدون أنفسهم فــي حالة اســتنزاف غيــر متكافئة مع أصحــاب القوة والنفوذ ممــن يحملون رؤى ضيقة حول مكانة الحريات

والإنسان والمشاركة.

ونجد بنفس الوقت أن واحدة من القضايا الايجابية التي وقعــت مؤخرا هو قيــام المحكمة فــي الكويت في 2020/10/4 بتبرئــة د. عبدالله النفيســي المفكر العربي والكويتي من تهمة الإســاءة لدولة الإمارات. هذا الحكم من الصعب أن يقع فــي عالمنا العربي مما دفع د. عبدالله النفيســي للإشــادة بحكم البراءة وبالقضاء الكويتي. لكن من جهة اخرى حفظ القضية التي رفعت ضد كتابي الأخير «النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت» الصادر عن المركز العربي للأبحاث في بيروت والدوحة انعكاس لــذات الاتجاه في القضاء الكويتي. لقد جاء مع حفــظ القضية في 2019 من قبل النائــب العام الكويتي المستشار الاستاذ ضرار العسعوسي شرح يصل إلى41 صفحة توضح أن الكتاب عمل أكاديمي ويعتمد الأسلوب العلمي، وأنه لهذا لا يقاضى ولا يحاكم. هذا الحكم، حول حرية البحث الأكاديمي هو الأول من نوعه في الكويت.

لكن التفاؤل في مــكان وفي قرار او أكثر لا ينفي مدى عمق أزمــة الحقوق والحريــات في الأقطــار العربية.. وهذا يعكس حالة اســتمرار لصدام قائم حول الحقوق والحريات. ففي بلدان عربية كثيرة لا يســمح للأســتاذ الجامعــي بتقــديم بحث فــي مؤتمر علمي أو سياســي أكاديمــي خارج بــاده إلا بعد ان يأخذ إذنــاً من وزارة تعليمه العالي ومن أعلــى الجهات في الدولة، وكثيراً ما يصل الأمر الى دائرة الاســتخبا­رات التــي تأخذ القرار النهائــي في أمر الذهاب من عدمــه. إن الكثير من الدول تراقب كل ورقة ورأي دون تقدير للمعنى العلمي او الحر في تلك الورقة.

مــن جهة أخرى إن مــا وقع مع رئيــس حزب «مصر القوية» والمرشح الرئاســي السابق في مصر عبد المنعم أبو الفتوح وذلك بعد قيامه بتوجيه نقد في مقابلة أثناء حضوره لمـــؤتمر يؤكد مــا أرمي اليــه. كان مصير عبد المنعم ابو الفتوح السجن في شباط/ فبراير 2018 وذلك عند عودته إلى القاهرة. ولو قرأنا ما قاله: سنكتشف انه كان متزنا في طرحه ودعا لفتح المســاحة والمصالحات. لازال عبد المنعم ابو الفتوح الإصلاحي في الســجن رغم تقدم عمره وتردي صحته. وبنفس الوقت يعاني الوف السجناء من نفس المصير.

وفي ظل غياب نموذج للتعبيــر المفتوح والضمانات الحقوقية العربي، فإن نموذج العنف والإقصاء وإخفاء السجناء وفي حالات تصفيتهم في السجون هو السائد لــدى الكثير من الأنظمة العربيــة. ولو قمنا بجردة عبر السجون العربية لوجدنا كم من أصحاب الرأي عشرات الألــوف( يقضون أحكام بســبب رأي أو بســبب مقالة او موقف سياســي، أو حتى بســبب كتاب ومســرحية وقصيدة وأغنية.

لســت متأكداً إن كان للأنظمــة العربية اية مصلحة حقيقية في تعميم ثقافة العنف والإقصاء، فهكذا ســلوك ممعن في ضيق الأفق ســيلاحقها لسنوات وعقود قادمة وسيكون ســببا في أزماتها ونهاية دورها. إن أساليب العنف الرســمي والإقصاء والاجتثاث تمددت بســبب غلق المســاحة أمام الحقوق والحريــات والمجتمع المدني واستقلاليت­ه.

إن اجتثاث الرأي الآخر، والرأي الشــعبي، والرأي المســتنير النقدي قاتل للــولاء وللمواطنــ­ة وللوحدة الوطنيــة. فالســعي لتصفية الرأي الآخر دليل عجز وضعف في النظام العربي، وهو بنفس الوقــت يعمــي صانــع القرار المتحكم بالســلطة عن الحقيقة والاســتما­ع والتواضــع، مما يجعلــه ضحية مجموعة صغيرة مــن المتنفذيــ­ن ممــن يتحدثون باســمه. في مجتمعات كهذه سيكون من الطبيعي أن تهاجر الحريات والحقــوق والثقافة لخارج الأوطان كما تهاجر المعارضة لأماكن أخرى حيث الحمايــة. لكن مجتمعات تعاني من هذه الاشــكالي­ات من الصعب أن تشــهد استقرارا بعيد الأمد. الهزات ستقع، وهي قادمة.

يبقى التساؤل: متى ستكون مساحات التعبير الحرة في العالم العربي وسيلة أساسية لحماية المجتمع والفرد والجمهور والسياســي­ين والمفكرين من ســوء استخدام السلطة؟

ثم هــل ننتظر وقوع ثــورات جديدة على شــاكلة ما وقع في 2011 قبل أن يصحو النظام العربي من ســباته السلطوي؟ أم أننا سنتعايش مع استمرار كابوس مضاد للإنســان والحقوق والحريات الى أن تســقط الأوطان بيد القــوى الخارجية كما وقع في ســوريا وغيرها؟ إن أهم مقاومة في العالم العربي هي المقاومة السلمية التي تقودنــا نحو التعبيــر الحر والحقوق الأساســية، تلك المقاومة أساسية لبناء المساءلة، ثم للسير نحو التداول على السلطة بكل ما للكمية من معنى.

 ??  ?? الأسير ماهر الأخرس
الأسير ماهر الأخرس
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom