Al-Quds Al-Arabi

تعديلات قانون الأحوال الشخصية تثير جدلا في مصر

شيوخ اعتبروها مخالفة للشريعة... وجمعية نهوض المرأة: ظالمة للنساء

- القاهرة ـ «القدس العربي» من تامر هنداوي:

أثارت تســريبات تعديلات مواد قانون الأحــوال الشــخصية، جدلا واســعا في مصر، ففي الوقت الــذي اعتبرها كثيرون ردة إلى الخلــف وانتقاصا من قيمة المرأة، هاجــم شــيوخ التعديــات، واعتبروها مخالفة للشريعة الإسلامية.

وجاء القانون لينص على الحبس مدة لا تزيد على ســنة وبغرامــة لا تقل عن 20 ألــف جنيه، ولا تزيد علــى 50 ألف جنيه، أو بإحــدى هاتــن العقوبتــن، ويعاقب بالعقوبة نفسها المأَذون المختص حال عدم التزامه وإبلاغ زوجته أو زوجاته بالزواج الجديد.

وهي المادة التــي اعتبرها أحمد كريمة، أســتاذ الفقه المقارن في جامعــة الأزهر، مخالفــة للشــريعة الإســامية جملــة وتفصيلا.

لا عقوبة دون جريمة

وقال الشــيخ في تصريحــات متلفزة: لا عقوبــة دون جريمــة، ولا عقوبــة على من اســتخدم حقــه المشــروع، وبتطبيق القاعدتين فإن المســودة المقترحة بمعاقبة الزوج إذا لم يخبر زوجته الأولى بزواجه من أخرى، مخالفة للشــريعة الإســامية جملة وتفصيلًا.

وأضاف: هذا القانون مخالف للشريعة وســيحكم عليه بعدم الدستورية لأن مما نص عليه الدستور أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

الإعلامي إبراهيم عيسى، قال إن مجلس الوزراء انتهى منذ شهر من مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد بعدما تقدم له 7 مسودات، مشيرا إلى أن مسودة القانون الجديد قنبلة من الإزعاج والتشويش.

وأضاف خــال تقديم برنامجه «حديث القاهــرة» المــذاع عبر فضائيــة «القاهرة والنــاس» أن مســودة القانــون الجديد تنتقص من مكانة المرأة، موضحا أن قانون الأحوال الشخصية لا يخص الموضوعات الدينيــة لكنه قانون أشــمل، ولا يعقل أن تتدخل الجهــات الدينية وحدها في وضع قانون الأحوال الشخصية.

وأوضــح أن الدولــة تحتــاج إلى فقه عصــري جديــد يتعامل مع مســتجدات العصر وليس محاصرا أو متجمدا، مضيفا أنه لا بد أن تكــون هناك صياغة منضبطة قانونيــا من قبــل وزارة العــدل لقانون الأحوال الشخصية.

وقالــت جمعية نهــوض وتنمية المرأة إنها تلقــت آلاف الاســتغاث­ات من أمهات مصر اللاتــي أبدين ذعرهن مــن تطبيق مســودة قوانين الأحوال الشخصية التي سيناقشــها مجلــس النــواب، والتي تم نشــرها مؤخــرا على صفحــات الجرائد والمواقع الإلكتروني­ة المختلفة.

ورفضت فــي بيان، بعــض بنود هذه المســودة الخاصــة بقوانــن الأحــوال الشــخصية، والتي وصفتهــا بأنها ظالمة للمــرأة والطفل المصريــن، حيث تطرقت المســودة إلى عدة نقــاط تعتبر خطوات إلى الــوراء فــي الحصول علــى حقوق المرأة والطفل، فــي الوقت الذي تتقدم فيه بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية الســعودية والتي قدمت مســودة قانون تســتند إلى رؤى فقهية مستنيرة تساهم بحق في الإنصاف للمرأة، على عكس مصر التي تتقدم بمســودة قانون غير واقعية، وتســاهم في هدم الأســر المصرية وليس بناءها.

وأوردت الجمعيــة أنه بالنســبة للبند الخــاص بإقرار «اســتضافة الطفل» فهذا مرفوض رفضا قاطعًا، نتيجة للدراســات التي قامت بها الجمعية والتي أوضحت أنه بالنسبة للشق الديني لا يوجد بالشريعة الإسلامية لفظ الاســتضاف­ة في القرآن أو الســنة النبوية، أو تحديــد أن تكون لمدة 48 ســاعة في الأسبوع، ولكن يُستدل على الحق الشــرعي للرؤية بقولــه تعالى «لا تُضَارَّ وَالِــدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» الآية رقم 233 من سورة البقرة، كما يدعم هذا الرأي قرار مجمع البحوث الإســامية بجواز الاستضافة بشــرط إذن الحاضن بذلــك، وأخذ رأى المحضنــن ويكون ذلك بالتراضي بين الطرفين.

وبينت أنه بالنســبة للشق الاجتماعي فمن خــال البحث الميدانــي الذي أجرته جمعيــة نهوض وتنمية المــرأة على مئات الحالات الاجتماعية فيمــا يخص قوانين الأحــوال الشــخصية، وجدنــا أن الآباء يقومون باســتغلال قانــون الرؤية لمجرد العنــد مــع الأم ولإغراقهــ­ا فــي القضايا والمشــاكل تاركين مصلحة الطفل، مع أنهم لا يلتزمــون بالرؤية، مســتغلين الثغرة في القانــون الحالي بعدم وجــود جزاء للأب الــذي يتخلف عن الرؤيــة والأكثر يستغلونها في التخطيط للخطف وتهريب الأطفــال للخــارج، ولهذا يظهــر تخوف الأمهات من الرؤية والاستضافة من خطف الطفل مثلًا وعدم رجوعه للحاضن، وهناك الآلاف من الحالات التي تعرضت لذلك.

وأوضحــت أن البنــد الخــاص بإقرار وضع الطفل في قائمة الممنوعين من السفر

للطرف غير الحاضن، لا يمنع من اختطاف الطفــل داخل أي محافظة مــن محافظات مصر كما يفعل ذلك الآلاف من الآباء.

وذكرت أن البند الخاص بعدم ذكر الأم على الإطلاق فــي الولاية علــى الأطفال، فهــذا بند ظالم حيث يجعــل الأم ليس لها علاقة قانونية بأطفالها، ونحن نســتنكر هــذا البند خاصــة بعد إصدار قــرار عام 2017 لقانــون يوضح بأن تكــون الولاية التعليمية للطــرف الحاضن دون الحاجة لحكم قضائي، وكنا قد أشــدنا بهذا القرار الذي يعمل بدون شــك على تيســير تلك الأمور على الأمهات، كما أنه يحقق مصلحة الطفل الفضلى، حيث تستمر قضية الولاية التعليمية بــن الآباء والأمهات في المحاكم لفترات طويلة مما يؤثر سلبا على الصحة النفسية ومصلحة الطفل.

وتســاءل البيان لماذا هــذا التغيير في القانون، والذي يترتــب عليه عدم تمكن الأم من قيد ميلاد طفلها، كما لا تســتطيع الإشــراف على أموالــه أو حتــى معرفة وضعه المالي وحمايــة مصالح الطفل من ولاية جد ربما يســتولى على أمواله، كما لا تســتطيع دعم طفلها فــي أي تعاملات قانونية باعتبارها أما.

وتناولــت الجمعيــة البنــد الخــاص بتعديل ترتيــب الحضانة، حيث تم تغيير ترتيــب الأب في حضانــة الأطفال ليتقدم بعــد الأم والجــدات، فــإن فيــه مخالفة للشــريعة الإســامية، حيث أقــر مجمع البحوث الإســامية في أيــار/ مايو 2011 بتشــكيل لجنة فقهية لدراســة كافة مواد قانــون الأحوال الشــخصية ومن ضمنها بنــد ترتيــب الحضانــة بمــا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، برئاسة أحمد الطيب، شــيخ الأزهر، وأقرت اللجنة باســتمرار العمل بترتيــب الحضانة لــأم ثم والدة الأم ثم والــدة الأب ثــم أخواتها، وليس نقل الحضانة مباشــرة ليتقــدم بعد الأم والجدات، وذلك لأن النساء أقدر على تلبية احتياجات الطفل، فلماذا يتم تغيير قانون حالي نابع من الشــريعة الإسلامية والتي هي مصدر قانون الأحوال الشخصية.

ووفق بيان الجمعية، مســودة القانون الجديدة، لم تســاهم في تقديم أي تصور إجرائي تنظيمي يساهم في حسم المشاكل الإجرائية في المحاكم والتي تجعل دعاوى الأســرة ومن أخطرها النفقــة التي تمتد لســنوات، مما يؤدي إلى وضــع الأطفال في حالــة يرثى لهــا من الناحيــة المادية والنفسية على حد ســواء. بالإضافة الى ذلك ثبت من خلال الدراسات التي أجرتها الجمعية، أنه فــي أغلب الحالات لا تتحمل زوجة الأب عبء أطفــال زوجها ولا تبالي

لمصلحتهــم على الإطلاق، إلــى جانب أنه أبقى عــبء إثبات دخل الزوج في النفقات على الزوجة، دون تقديم أي تصور حديث أو ممكن للإثبات مما يجعل معاناة الأمهات والأطفال في البحث عن الإثبات لا تتوقف.

وبناء على هذه البنود، قالت الجمعية، في بيانها، إننا أمام مســودة قانون ظالم لا يتماشــى مع الواقع المرير الذي تعيشه أمهــات مصر، كما أنه يســاهم فــي مزيد من الظلــم والتعقيد في الحياة الأســرية المصريــة، ونتســاءل لماذا هــذا التجاهل لأمهــات مصــر، وللمقترحــ­ات والمطالب التي تطالب بها المؤسســات والجمعيات النسوية المناهضة للمرأة المصرية؟

وأعلنــت رفضها التام لمســودة قانون الأحوال الشــخصية والتــي من المفترض مناقشــتها قريبا، ورفضهــا كذلك لكل من يدعم هذا القانون غير مبال بحقوق المرأة والطفل، فهذه التعديلات فيها انحياز لفئة الآباء وتضر بمصلحــة الطفل وبمصلحة الأسرة المصرية.

إحالة القانون للأزهر

وأمــام الجــدل الدائر حول مســودة القانــون، كشــف أســامة العبــد، وكيل اللجنــة الدينية في مجلــس النواب، أن البرلمان سيرسل مشــروع قانون الأحوال الشخصية إلى الأزهر الشريف لأخذ رأيه في كافــة التعديلات الجديــدة، نظرا لأن مواد المشــروع جميعها مستمدة من الفقه الإسلامي وكتاب الله وسنته.

وأضــاف أن اللجنة الدينية ســتكون المختصة بمناقشة مشروع قانون الأحوال الشــخصية، لأن مــواد القانــون متعلقة بالديــن والمعاملات الأســرية، مؤكدا أن رئيس مجلس النــواب يدرك جيدا أن هذا المشــروع من اختصاص اللجنــة الدينية بالتعاون مــع اللجنة التشــريعي­ة داخل المجلس.

وزاد أن المشروع حتى الآن لم يصل إلى اللجنة، حتــى يتم النظر فــي التعديلات الجديــدة التي يتضمنها، مشــيرا إلى أنه لا يمكن أن نعلق على إيجابيات المشــروع بالســلب أو الإيجاب إلا بعد الاطلاع على مواد المشروع الجديد ومناقشة المواد التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وأكــد أن هدفنا داخــل البرلمان خروج قانون لا يخالف الشــريعة الإســامية، ويســعى إلى بناء أســرة علــى الطريق المســتقيم، من خلال تأسيس علاقة قائمة على الوسطية والاعتدال بين طرفي العقد الــزوج والزوجــة أو ثمرة تلــك العلاقة الأبناء.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom