Al-Quds Al-Arabi

معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلي­ة قيد الاختبار

حذر من تخلخل الثقة والتحالف الاستراتيج­ي ومن فوز حماس في الانتخابات

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

يرى معهد دراســات الأمن القومي التابــع لجامعة تل أبيب، أن علاقات إسرائيل والولايات المتحدة عقب دخول إدارة أمريكية جديدة هي قيد الاختبار. وسبب ذلك برأيه خلفية التوّترات مع الإدارة الجديدة بشأن قضايا خارجية محددة، والتآكل الكبير في مكانة إســرائيل كمحط إجماع بين الحزبــن الكبيرين في الولايات المتحــدة، و"بصفتها الدولة الديمقراطي­ة الوحيدة في الشرق الأوسط" .

وحســب المعهــد، فمنــذ دخــول الرئيس بايــدن إلى البيت الأبيض تعقدت العلاقات بين واشــنطن وتل أبيب والحديث الهاتفي بــن الرئيس بايــدن ورئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لا يغير شــيئاً. وطبقــا لتقديرات المعهد في ورقة البحث من إعداد عدة باحثين برئاســة الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، فإن احتمال نشــوء توترات واحتــكاكا­ت بين إســرائيل والولايات المتحــدة يتمحور حول ثلاث قضايا مركزية: إيران، والساحة الفلسطينية، والمنافسة مع الدول العظمى الصين وروسيا.

تحدي طهران

وبشأن التحدي الإيراني تواصل إدارة بايدن الحديث عن نيتها العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات منذ اللحظة التي تعود فيها إيران إلى التقيد بالاتفاق. وتحذّر الإدارة الأمريكيــ­ة من أنــه إذا واصلت إيــران انتهاكاتها للاتفاق فيمكن أن تصل إلى مســافة "أسابيع" من مراكمة مواد مخصبة لصنع قنبلة، وأن واشــنطن تعطي أولوية للدفع قدماً بحل لهذه المشكلة.

من جهة أُخرى يواصل رئيس الحكومة والمســؤول­ون الكبار في إســرائيل انتقاداتهم العنيفة والعلنية لسياسة الإدارة الأمريكيــ­ة، وتقــوم وســائل الإعــام الأمريكية بتسريب "مطالب" إســرائيلي­ة غير واقعية، مثل وقف كل عمليات تخصيب اليورانيوم في إيــران، وإنهاء الوجود الإيراني في ساحات المنطقة، بالإضافة إلى تلميح إسرائيل للإدارة الأمريكية إلى أنها تدرس بدائل عسكرية.

خطورة نهج المواجهة

كما يقول المعهد في ورقة العمل هذه إن واشنطن ترى في الانتقادات الإسرائيلي­ة استفزازاً. وفي المقابل فإن الرئيس بايدن وأفــراد الطاقم الــذي عيّنه هم الذين "هندســوا" الاتفــاق النووي، وهم يؤمنون به ويرون في العودة إليه حــاً في المدى المنظــور يتيح لهم مواجهة مشــكلات أكثر إلحاحاً مطروحة على ســلّم الأولويات القومية للولايات المتحدة.

ويحذر المعهد الإســرائي­لي من أنــه بالإضافة إلى ذلك هــم يحملون معهم آثــاراً عميقة للخطوات الإســرائي­لية التي ســعت لإحبــاط الاتفــاق النووي مع إيــران خلال فترة الرئيــس باراك أوباما. ويتابع فــي ورقة عمله هذه "بناء على ذلك، إذا شــعرت الإدارة بأن إسرائيل تتعامل مع المفاوضــا­ت بنهــج مواجهة، ومع حديث اســتفزازي فــي "الغرف المغلقــة " ومواقف غير عمليــة كعادتها، فإن التوترات في موضــوع إيران يمكن أن تلقــي بظلها على مجمل العلاقات بين الدولتــن الحليفتين، ويمكن أن تؤثر سلباً في مكانة إسرائيل وأمنها في المنطقة" .

وبرأي المعهد يجري تصوير المسألة الإيرانية كموضوع

مركزي ومُلح من شأنه أن يبلور علاقة إسرائيل بالإدارة الجديدة في واشنطن ومن أجل منع وقوع هذه المواجهة، المطلوب مــن المنظومة الإســرائي­لية أن تتحرك من وراء الكواليــس، وأن تتخلــى عــن الدبلوماسـ­ـية العلنية التهديدية، وعن عرض مواقفها بصورة مسبقة، وأحياناً من خلال وســائل الإعلام. كما يتعين على إسرائيل برأي "المعهد" العمل مــن أجل إقامة حوار هــادئ وحميم على قاعدة اتفاق مشــترك لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، ومن خلال ترســيخ قنوات تعاون استخباراتي­ة وأمنية وعملاتية بين الدولتين وتعزيزها، ومن أجل بناء الثقــة بالتعامل مــع الإدارة يتعين على إســرائيل تقديم مواقف بنّــاءة والامتناع عن التهديد باســتخدام بدائل عسكرية في الفترة الحالية.

في المقابل، يســتنتج "المعهد" أنه وكجزء من المواجهة مع التحديات التي تطرحها إيران ومســاعيها لبناء قوة وكلائهــا وتمركزها عســكرياً في ســاحات المنطقة، على إسرائيل أن تقدم خطة تسلُّح منظمة لزيادة قوة الجيش الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة، بالاستناد إلى ميزانية متفق عليها والاعتماد بصورة أساســية على مســاعدة أمريكية مستقبلية.

ويــرى "المعهــد" أن إدارة بايــدن تعبّر عــن تأييدها لاتفاقات التطبيع وتشــجع توســيعها، لكنها توضح أن هذه الاتفاقات لا تشكل بديلاً من اتفاق سلام بين إسرائيل

بنيامين نتنياهو وجو بايدن

والفلسطيني­ين، بل يجب أن تســاعد على الدفع به قدماً. ويقول إن بايدن شــخصياً يؤمن بأن حــل الدولتين هو السبيل الوحيد لإحراز تقدم بين إسرائيل والفلسطيني­ين ولذا تحــذّر الإدارة الأمريكية من القيام بخطوات أحادية الجانب على الأرض تضر بفرص إقامة دولة فلســطينية، بما في ذلك الرد هذا الأســبوع على اقتــراح" الصندوق الدائم لإسرائيل" بشأن شــراء أراض في الضفة الغربية المحتلة. ويرى ايضا أنه من المعقول أن تزداد حساســية الإدارة تجاه النواحي الإنســاني­ة وحقوق الإنســان في الساحة الفلسطينية.

وضمــن الإشــارة للتحديــات والمحاذيري­توقــع المعهد الذي يشارك عادة في رسم سياسات استراتيجية، أن يؤدي اســتمرار إســرائيل في رفضها لحــل الدولتين وتوســيع البناء في المســتوطن­ات، وخصوصاً شرعنة بؤر اســتيطاني­ة غيــر قانونية و"الضــم الزاحف"، إلى إثــارة خلافات بينها وبين إدارة بايدن، وربما ســيجعل مــن الصعب على هــذه الأخيرة تأييد مواقف إســرائيل في محكمة الجنايــات الدولية في لاهاي. ويضيف "بهذه الطريقــة يمكن أن تتّحول خطوات المحكمــة الدولية إلى ســيف مســلط فوق رأس إســرائيل. وفي ظل سياسة أمريكيــة نقدية من المتوقــع ازدياد التوتــرات أيضاً بين إســرائيل وبين دول ذات وزن في المنطقة، تحديداً مصر والأردن، اللتين تُظهران استياءهما المتزايد من السياسة الإسرائيلي­ة في الساحة الفلسطينية" .

ووفقا للمعهــد يتعين على إســرائيل أن تعيد أفق حل الدولتين إلى جدول الأعمال، بالتنسيق مع إدارة بايدن؛ وتســخير عملية التطبيع من أجل توجيــه الاهتمام إلى السلطة الفلســطين­ية بدلاً من تنحيتها جانباً. ويقول إن هذه الخطــوات بالإضافة إلى اســتئناف الاتصالات بين واشنطن والســلطة الفلسطينية والمســاعد­ة الأمريكية للفلســطين­يين، يمكن أن تكبح توجُّه إضعاف الســلطة الفلســطين­ية كمنظومــة حكم وعملية تقرّبهــا من حركة "حماس"، منوها أنه في هذه الظروف تستطيع إسرائيل منع وقــوع احتكاك محتمل بــالإدارة الأمريكية أيضاً في موضوع الانتخابــ­ات الفلســطين­ية. ويتابع "يجب على إســرائيل التركيز على حوار مفتوح وشفاف مع الإدارة الأمريكية لمنع تكرار الفشــل في الانتخابات الفلسطينية الأولــى التي زادت من قــوة "حماس" ويمكــن حالياً أن تزيدها قوة.

وفي ميــزان الفــرص والمخاطر يجب على إســرائيل الامتناع عن اتخاذ موقف في التوقيت الحالي من مســألة الانتخابات الفلسطينية" .

فــي المقابل يــرى المعهد أنــه ينبغي بــأي بثمن منع إمكان ســيطرة "حماس" من خلالها، أو بناء بنية تحتية معادية لها في الضفة الغربية، كخطوة أولى للســيطرة على الحركة الوطنية الفلســطين­ية، التي من المحتمل أن تكون لها تداعيات خطيرة على أمن اســرائيل. ويضيف" إذا جرى حوار شــفاف ونوعي مــع الولايات المتحدة من المحتمل أن توافق على الأقل علــى تأجيل الانتخابات من أجل إعداد الأرضية للمحافظــة على القوى الإيجابية في الساحة الفلسطينية" .

الصين و روسيا والتنافس بين القوى العظمى

وحسب المعهد الإسرائيلي تُظهر الولايات المتحدة حساسية كبيرة حيال مسألة المنافســة بين القوى العظمى. وترى إدارة بايدن، مثل ســابقتها، في الصين أخطر تهديــد للأمن الوطني الأمريكي فــي الفترة الحالية. ويقول إن المنافســة والتوترات بين الولايــات المتحدة والصــن بلغت ذرى جديــدة مع أزمة كورونا وتتخوف واشــنطن من أن تستغل الصين، التي كانت أول من تعافى من الأزمة، الضعف الداخلي للدول والشــركات من أجــل القيام باســتثمار­ات تهدف إلى الســيطرة على بنى تحتية اســتراتيج­ية وأرصدة حساســة مــن الناحية الأمنية والتكنولوج­ية. ويضيف "لقــد لّمحت إدارة ترامب أكثر من مرة لإسرائيل إلى أنها قلقة من سلوكها إزاء الاستثمارا­ت الصينية في مجالات البنى التحتية الوطنية والتكنولوج­ية. وحذّرت من وجود فجوات في عملية الرقابة على تسلل الصين إلى صناعة الهايتك وشــراء تكنولوجيــ­ا مزدوجة الاســتخدا­م "تعرّض الولايــات المتحدة للخطر" . ويســتذكر المعهــد تصاعد القلق الأمريكي في الآونة الأخيرة من التسلل الصيني إلى إسرائيل، وبرز مجدداً في العناوين الأولــى للصحف على خلفية تدخّل شركة صينية في أعمال توسعة ميناء حيفا.

وحسب المعهد أيضا تُظهر الولايات المتحدة حساسية كبيرة أيضاً إزاء موضوع روســيا، على خلفية التوترات الحادة بين الدولتين، التــي وصلت إلى ذروتها مؤخراً في تدخُّل روســي في الانتخابات فــي الولايات المتحدة، والهجوم الســيبران­ي الواسع وغير المسبوق ضد وكالات الإدارة الأمريكية، والتنديد الأمريكي بسياسة الكرملين بعد اعتقال الناشط المعارض ألكسي نافالني وقمع التظاهرات الاحتجاجية على ذلك. ويحذر من أنه في هذه الظروف من المتوقع ازدياد حساسية الإدارة الجديدة حيال علاقات إسرائيل مع روســيا، التي وصفها بايدن نفسه بأنها تشكل تهديداً خطِراً.وضمن رؤيته للمصلحة الإسرائيلي­ة يقترح المعهد على إســرائيل العمل بصــورة تضمن أن تراعي سياســتها في مجال الرقابة والموافقة على استثمارات صينية في البنــى التحتية وفي التكنولوجي­ــا، المعايير الأمريكية، ولا تــؤدي إلى أزمة خطِرة في العلاقات مــع الولايات المتحدة كما حدث في الماضي. والمطلوب من إســرائيل برأي معهد دراسات الأمن القومي هو التنســيق الكامل والشــفاف مــع الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بعلاقتها بالصين، كي تستطيع الإدارة الأمريكيــ­ة أن تــدرك أن نشــاطات بكين في البــاد وعلاقات إسرائيل مع روسيا لا تعرّض مصالح الولايات المتحدة للخطر. بالإضافة إلى ذلك، على إســرائيل أن تعرف مدى الحساســية الأمريكية إزاء العلاقات المتينة لإسرائيل مع روسيا.

في الخلاصــة يقول المعهــد أن بناء الثقــة، وعلاقات عمل وثيقة، والتنســيق مع إدارة بايدن، وترميم مكانة إسرائيل في الولايــات المتحدة كموضع إجماع بــن الحزبين الكبيرين، هي مصالح إســرائيلي­ة من الدرجة الأولى، وخصوصاً على خلفية التحّديات المتعددة الأبعــاد، وغير المســبوقة، التي تواجهها إســرائيل في مرحلة كورونا. ويخلص معهد الدراسات للقول "ليس هناك بديل للولايات المتحدة من الحلف الاســترات­يجي الكبيــر والمهم مــع إســرائيل، ويجب عــدم التعريض للخطر المصالح المشتركة والتعاون السياسي والأمني والاستخبار­اتي غير المسبوق بين الدولتين اللتين لديهما في نهاية المطاف نظرة مشتركة إلى العالم وقيم مشتركة" .

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom