الفيروس في الحياة الفلسطينية زاد مستوى العنف ضد المرأة
تشير دراسة لمؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى أن النســاء في المجتمع الفلسطيني عموماً، وقطاع غــزة على وجه الخصــوص، يتعرضن لدرجــات متفاوتــة مــن العنــف فــي مختلــف أشــكاله، الذي يحدث غالباً فــي حيّزين: الأول "العنــف الأُســري"، والثاني "غيــاب الحاضنة القانونيــة". وتنوه أنه بغض النظر عن أشــكال العنــف المســلط على النســاء في غــزة، إلّا إنه لا ينفصــل عن كونــه ناتجاً من الأطــر البنيوية الاجتماعيــة والثقافيــة داخــل المجتمــع الذي لا يــزال ينظــر إلــى المــرأة باعتبارهــا "الجناح المكســور" . ويتضــح ذلك من خلال الاســتماع إلى شــهادات عدد من النساء اللواتي تعرضن للعنف الأسري، وبصورة خاصة خلال انتشار جائحة كورونا.
وفي ضــوء هذه الاعتــداءات، جــرت إعادة فتــح "بيــت الأمــان" التابــع لــوزارة التنميــة الاجتماعيــة في غزة، في العاشــر مــن أيلول/ ســبتمبر الماضي، أي بعد نحو أســبوعين فقط علــى فــرض الإغلاق الشــامل بســبب جائحة كورونــا، وقــد اســتقبل 15 امــرأة، بعضهــن تعرض لعنف أســري ونفســي وجنسي، وفقاً للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بينما قال وكيل وزارة التنميــة الاجتماعية في غزة غازي حمد إن "بيت الأمان" استقبل 159 سيدة، خلال العام المنصرم. ومع هذا هناك المئات من النساء اللواتي لم يفكرن أصــاً في خلع عباءة العنف عن أنفسهن، وبقين حبيسات البيوت والغرف، لدواعي العــادات والتقاليد داخل مجتمع غزة، والمعروفة بالسطوة الذكورية، وهذا لا يختلف عليــه اثنان وفــق تأكيدات دراســة مؤسســة الدراســات التــي وضعهــا الصحافــي فــادي جمال من غزة.
بين غزة والضفة
وتــرى الدراســة أن القيــود الوقائيــة التــي أعقبــت انتشــار جائحــة كورونــا أواخر آب/ أغســطس الماضــي، ألقــت تبعات كبيــرة على حياة النساء في قطاع غزة وزادت من أعبائهن الأُســرية والاجتماعيــة والاقتصادية بصورة كبيرة، وهذا ليس افتراضاً بل أكده مسح عيّنة عشــوائية من النساء محلياً، إلى جانب دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وحســب المؤسســة تبيّن إحصــاءات جهاز الإحصاء الفلســطيني خلال سنة 2019 بشأن
مؤشــرات العنــف الرئيســية، أن مســتويات العنف مرتفعة في قطاع غزة بالنسبة إلى غيره من المناطق، إذ بلغت نســبة العنف الاجتماعي % % فيالقطــاعنحو41 فــيمقابل20 في الضفة الغربية. وفيما يتعلق بالنســاء اللواتي تعرضن للعنف من الزوج، بلغت نســبة العنف %، النفســي76 ونســبةالعنفالجسدي34 %،
أمّــا العنــف الجنســي فقد بلغت نســبته % 14 . هــذا يعنــي أن مؤشــرات العنــف فــي الســنة الماضية 2020 ضد النســاء في القطاع كانت كبيــرة وخطرة، فــي ضوء القيــود التي أعقبت انتشــار الجائحــة، والمتمثلة في الحجر الإلزامي لسكان المناطق الموبوءة، التي سببتها الضائقة المالية. وتضيف مؤسســة الدراسات % الفلســطينية" إذا اعتبرنا أن 40 من ســكان القطاع أصيبــوا بالفيــروس وخضعوا للحجر الإلزامــي، وفق آخر الإحصــاءات، فمعنى هذا أن ثلث الأُســر على الأقل، شــهد أحد أشــكال العنــف" . وحســب المؤسســة تفيــد زميــات فــي مراكــز تُعنى بشــؤون المــرأة - عددها 20 مؤسســة فــي قطــاع غــزة - بتلقّي عشــرات الاتصالات من نســاء معنفــات بحثاً عن حلول لعنف جسدي تعرضن له، سواء من الأزواج أو الأخوة أو حتى الآبــاء، في ظل الحجر المنزلي، وبأن مســتوى العنف يتضاعف بصورة خفية وخطرة داخل هذه الأســر، لكن لم يُســمع لهن صوت خارج عتبات البيوت.
البيئة الحاضنة للعنف
وآلاء ياســن هــي الحالــة الوحيــدة التــي اســتطعنا توثيقهــا خــال العــام المنصــرم، التــي صارحــت المجتمع، عبر مواقــع التواصل الاجتماعــي، بالعنــف الذي تتعــرض له داخل إطار الأســرة، لكنها واجهت الكثيــر من التنمر والانتقادات بعد إفصاحهــا عن قصتها. وهذا إن دل علــى شــيء فإنمــا يــدل علــى أن البيئة القائمــة فــي غــزة هــي حاضنــة لهــذا العنف وتنمّيه عبر ســلوكياتها القائمة على التســلط. وأمام هذا الواقع، تعود المؤسســة إلى تفســير وجــود هــذه الظاهــرة أصــاً، التــي تعيدهــا الدراســات وأوراق الحقائق إلى البنى الثقافية والاجتماعيــة والاقتصاديــة داخــل المجتمــع الفلســطيني، منبهة أن الثقافة المجتمعية بدايةً تســاهم فــي تهميــش المــرأة وتنميــط دورها، وتحيط مســألة العنف ضدها بنوع من التعتيم والتكتم بسبب العادات والتقاليد السائدة.
كمــا أن ضعف المعرفــة والثقافــة القانونية
وقلــة الوعي بحقــوق النســاء، وبالأخص بين النســاء أنفســهن، تشــكل بيئة حاضنــة لهذا العنــف، إذ أن الضحايــا اللواتــي تعرضــن له يجهلــن حقوقهــن، يضــاف إلى ذلــك توظيف الديــن لتبرير التمييــز ضد المرأة والممارســات المتخــذة بحقهــا وفــق مــا تؤكــده مؤسســة الدراسات الفلسطينية أيضا.
وعلــى صعيــد الحيــز القانونــي، فــإن عدم صــدور قانــون حمايــة الأســرة مــن العنــف، والمؤجــل منــذ 15 عامــاً، إلــى جانــب ضعــف النصوص القانونية المتعلقة بحماية النساء من العنف، جميعها تشــكل محفزات لفتح شــهية المعنّفين والمعتدين لمواصلــة العنف ضد المرأة، ناهيك عن قلة الخدمات الوقائية المقدمة للمرأة الناجيــة مــن العنــف، كبرامج الدعم النفســي والمــادي من أجــل إعــادة دمجها فــي المجتمع وتمكينها اقتصادياً.
وعليه تتســاءل ما هو المطلوب الآن للقضاء على هذه الظاهرة، ولا ســيما أنه ليســت هناك إرهاصــات لاقتــراب القضــاء علــى الجائحة، بمعنــى أن الظــروف القائمة لا تــزال محرضة على العنف.
مقترحات لحماية النساء
وتــرى أن الإجابــة على ذلــك متنوعــة أولاً: اعتماد مؤسســات المجتمع المدني نهجاً جديداً وسياســات وطنية وخططاً وبرامج مشــتركة مبنيــة علــى اســتراتيجيات حكيمــة ومنصفة لمكافحــة العنف داخــل المجتمع ومنعــه. ثانياً: الاســتثمار فــي تثقيف النســاء في فلســطين من الناحية القانونيــة وتوعيتهن، وخصوصاً فــي قطاع غزة، هــو الركيزة الأساســية لإبقاء أصواتهن عاليــة ضد العنــف بمختلف صوره وأشــكاله. ثالثــاً: توفيــر المزيــد مــن خطــوط الحمايــة والإرشــاد، كالاتصال بالمؤسســات المعنية مباشــرة عندما تتعرض النساء للعنف، ســواء في داخــل الحاضنة الأســرية أو حتى فــي البيئة الخارجية )الشــارع، العمل(. رابعاً: أن تعمــل الحكومــة الفلســطينية علــى تغييــر توجهاتها وسياســاتها والاســتجابة الطارئة للحــالات التي يتــم التبليــغ عنها، بما يشــجع النساء على التبليغ عن قضاياهن ومساعدتهن في الحصول على حقوقهن. خامساً: المسارعة إلى إصــدار قانون حماية الأســرة مــن العنف بهدف الحفاظ على وحدة الأســرة وروابطها، وحماية النســاء، ومحاســبة الجنــاة، وإعادة تأهيل ودمج كل منها.