Al-Quds Al-Arabi

الراديو والمسرح: بين الأمس واليوم

-

■ تنتفــي الفُرجة فــي النص الإذاعي الُممســرَح، وتُســتبدل عفــواً بالمتخيــل الذهني لدى المستمع من أجل تقديم شكل تعبيري، يجمع بــن أداء الممثل الإذاعي، والمؤثرات الصوتية من موسيقى وغناء، ولوازم حسّــية ضرورية أخــرى مرافقة للحوار، لاستكمال الفضاء الواقعي لذلك

النص، وتضفيره

بالحس الاجتماعي. يقتضــي ذلك نوعــا مــن الكتابة تقوم علــى الاحتفــاء بتقنيــة الاســتماع إلــى الإذاعــة كونهــا منصــة اعتباريــة لفهــم دلالات النــص المســرحي، واســتكناه معانيــه وأهدافــه تفــرض عليــه أن يعي كيف وماذا يستمع.

مع بدايات انطلاق البث الإذاعي رسميا في العالــم، بين أعــوام 1920 و1923 في كندا أســتراليا وفرنسا وغيرها، ولاحقا بعــد أعــوام قليلة فــي مصــر والجزائر وتونــس، كانــت الممارســة المســرحية خجولــة كفعــل ســمعي فــي مواجهــة المســرح البصــري المقتبــس، أو المحلــي الذي نشــط منــذ أوائــل القرن التاســع عشــر بين مصر ولبنــان. وظل المســرح المرئي ســيد الموقف طويلا وحتى اليوم،

فكلما تحدثنــا عــن الدرامــا، يتــم التركيز على المســرح البصــري المنفــذ وجاهيــا على الخشــبة، ويتم إهمال الدرامــا الإذاعية إلــى حــد كبيــر، مــع العلــم أنــه ورغــم تبايــن الوســائط والوســائل بينهمــا، فإنهما يشــتركان في كثير من العناصر الأساســية، كالحــوار والشــخصيا­ت والحبكــة، وحتــى عنصــري الزمــان والمــكان، ولكن هذه العلاقــة بين الراديو

والمســرح، لم تكن متوافرة في كل المحطــات الإذاعيــة على مســتوى الوطــن العربــي، مع فقــدان إعلام إذاعي عربي متخصص بالمســرح فقــط، وإن درجَت بعض الإذاعات على تخصيــص جزء جيد من بثّها لصالــح المســرح، بحكــم تاريخــه العريــق، نشــوءاً وتطــوراً فــي بلدانها، وهــو مــا فعــل فعلــه فــي تطويــر واقع الكتابة المســرحية الإذاعية، أي انطلاق النص المســرحي مــن العناصــر الأساســية التــي تقــوم عليهــا الدرامــا، كحوار قابــل للتمثيــل، إلقاءً وبتشــاكيل وتقنيات جمالية متجــددة بتمــرس الكتّــاب المسرحيين وخبرتهم. فالنص المشــغول للإذاعة إنما هو نص مفعم بالأحاســي­س التي يجب توصيلهــا مباشــرة وبعنايــة إلــى المســتمع، ليتفاعــل معها بالنهوض علــى فاعلية عناصر الحوار والشــخصيا­ت المبتكرة، بالإضافــة إلــى اعتمــاد الجمل القصيــرة الخاليــة مــن المناجاة الطويلة، أو الفقــرات الخطابية، ومــن دون الحاجــة طبعــا إلــى الســينوغر­افيا بمعناها الشامل للفضاء المســرحي، التــي تتكفــل مخيلــة المتابع بأذنيه، بأن يســتحضرها ذهنياً وبشكل قوي. فالراديو يقوي ملكــة التركيز عند المتلقــي كونــه ســامعاً، ومصغيــاً بــكل جوارحه للــكلام الذي يدور على ألســنة الممثلــن بحرفة ومهــارة كبيرتين، كفعل محــاكاة ينطــوي علــى إيحــاءات قوية تستدعي الصورة البصرية بقوة الموهبة

وحســن الأداء، فضــا عن الصــدق في التعبيــر أثنــاء اللعبــة التمثيليــ­ة، أكانت تراجيدية أم كوميدية، شــعرية أم نثرية، مــا يؤكــد أن الإذاعــة المســموعة، التــي تخاطــب مختلــف الشــرائح الاجتماعية يمكن أن تقــوم مقام الوســيلة الإعلامية المرئية في المســرح وغيــره. كما أنّ إدراك هذه المســألة من شــأنه أن يشــكل مادة غنيــة لتطويــر الخطــاب النقــدي، فــي إشــكاليات التعامل مع المسرح المسموع، ومــا يمكــن أن يتبع ذلــك مــن فرضيات وتوصيــات تســهم فــي تجديــد الوعي المجتمعي بأهميته. ولكن الأمر ليس دائما بهذه الصورة الوردية، لأن هناك مشاكل واجهت وتواجه العمل الإذاعي المسموع. فقد شــهد العقد الأخير من القرن الماضي وبدايــات القــرن الحالــي وحتــى اليوم طفــرة كبيــرة جــدا فــي الثــورة الرقمية وتقنيات التواصل المفتوحة المدى، وهذا بلا شــك أثّــر كثيرا فــي انكفــاء الراديو والنشــاط البرامجــي الإذاعي المســموع والمســرحي منــه بالطبــع. أصبحــت مجتمعاتنــ­ا رقمية بلا شــك، وافتراضية بامتياز، تفضّل تلقائياً تقنية الصورة مع الصوت، وليس الأخيــر وحده، لكن ذلك لا ينفي أن للوســيلة المسموعة جمهورها المحفّز لديمومة

 ??  ?? أداء بث إذاعي قديم
أداء بث إذاعي قديم
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom