Al-Quds Al-Arabi

في مقال موجه للإسرائيلي­ين عبر «يديعوت»... الأمير الحسن: «حان الوقت لبداية جديدة وإطلاق سلام يشمل المنطقة... قبل فوات الأوان»

ذكّر بلقاء وايزمن والأمير فيصل وحث على «شراكة إقليمية» بعنوان «السلم والتنمية» ودعا إلى دولتين بـ«قدس مشتركة»

- سمدار بيري

■ الأمير الحسن بن طلال جزء من الأسرة المالكة الأردنية. عم عبد الله الثاني ملك الأردن، الشقيق الأصغر للملك حسين الراحل وحفيد عبد الله الأول مؤســس المملكة الهاشمية. يقع بيته ومكاتبــه في القصر الملكي القديم فــي عمان، فيما انتقل ابــن أخية الملك إلى نطاق أبعد وفيه ثلاثة قصور: له نفســه، ولعقيلته الملك رانية، ولابنهما ولي العهد الملك حسين.

محافل رفيعة المســتوى في عمان تحدثت معها مقتنعة بأن الأمير الحســن ما كان ليبادر إلى نشر مقال بقلمه في صحيفة إســرائيلي­ة دون ضوء أخضر من الملك عبد الله نفسه. ولكنها تشــدد على أن الملك يواصل مقاطعة رئيس الوزراء نتنياهو، بل ورفض مؤخراً الرد على مكالمة هاتفية وصلت من مكتبه.

لقد شــهدت علاقات الملــك عبد الله وعمه الأمير الحســن صعــوداً وهبوطاً منذ نزع الملك حســن عن أخيــه لقب ولي العهد الــذي كان يحمله منذ العــام 1965. حصل هذا في لقاء دراماتيكي في لندن، في العام 1999، قبل أســبوعين من وفاة الملك بمرض السرطان وتتويج ابنه ملكاً للأردن.

أدى الأمير الحسن، ابن الـ 73، واجباته كابن العائلة المالكة الهاشــمية محافظاً على ســيماء لا تعبير فيها، وظل حذراً في تصريحاته. في الســنوات الثلاث الأخيرة، تحسنت علاقاته مع الملك عبد الله. وفي صورة نشــرت في الشهر الماضي، بدا الملك عبد الله وعمه الأمير الحســن وابنه ولي العهد، يتلقون معاً التطعيم ضد كورونا.

يحــرص الأمير الحســن على إبقــاء بابه مفتوحــاً أمام الإســرائي­ليين. ويدور الحديث في الغالــب عن أناس يعرفهم منذ بداية المسيرة الســلمية التي كان مشاركاً فيها بعمق إلى جانب الملك الحســن. ومؤخــراً، عقد لقاء ســري بينه وبين مجموعة من الإســرائي­ليين في مواقع أساســية لــم يكونوا يعرفونه بشكل شخصي، ومعظمهم لم يزوروا الأردن قط. بعد أســبوعين من ذلك، أجرى الأمير حديثاً آخر، عبر «زووم» مع خمسة إســرائيلي­ين آخرين، معروفين جيداً في المملكة. وعلى جدول الأعمال: كيف يمكن الدفع بالمسيرة السلمية إلى الأمام؟

بقدر ما، يعدّ الحســن لســان الميزان. فمن جهة، لن يخرج عن الخط الملكي الرســمي، ومن جهة أخرى يحاول كل الوقت التوجه إلى الجمهور الإسرائيلي من فوق رؤوس السياسيين في القدس. في الرســالة التي يبعثها إلى القراء في إسرائيل

من على هذه الصفحات، يحاول أن يفتح كوة جديدة، ويقتحم بحذر الطريق المسدود في العلاقات بين الدولتين.

في تشــرين الأول القريب القادم، ســتحل الذكرى الـ 27 للتوقيــع على معاهدة الســام بين الأردن وإســرائيل، ذاك الاتفــاق التاريخي الــذي كان يجب أن يشــكل بداية النهاية للنزاع الطويل والمأســاو­ي بين الإســرائي­ليين والفلسطيني­ين ويشكل حجر طريق مهماً نحو السلام بين شعوب المنطقة.

لقد وصــف الاتفاق، وبحق كبير، كحلف ســام وصداقة. وبالفعل، فإنه يتضمن مخططاً شاملاً للأمن المتبادل والتعاون الإقليمــي، ويشــدد على أهمية «إطــار إقليمي للشــراكة في الســام » وتحدث عن إقامة «لجنة الأمن والتعاون في الشرق الأوســط» وعن «خلق شــرق أوسط نقي من أســلحة الدمار الشامل .»

لشدة الأســف، أدت الســيادة الإقليمية بنا إلى اتجاهات أخرى. اليوم، حين يخرج «التطبيع» عن التسويات الثنائية، عن الصفقات التي تقــوم على المصالح الاقتصادية وتحالفات الدفاع في وجه أعداء مشــتركين فإن لدينا فرصة استثنائية لاقتحام الطريق المســدود والخروج إلى طريق جديدة هدفها الوصول إلى ســام شامل في الشرق الأوسط حتى نهاية هذا العقد. هذا هو السبب الذي وجدت من الصواب أن أتوجه بهذه الرسالة إلى قراء «يديعوت أحرونوت» بخاصة وإلى مواطني إسرائيل بعامة. فالســام، وإن كان بين دول وحكومات، يبدأ بنا، نحن الناس.

نشــهد ارتفاعاً خطيراً في انتشار الســاح النووي. ففي منطقتنــا الآن ثلاث دولــة ذات قدرة نووية – الباكســتا­ن، والهند، وإســرائيل – وقــد تنضم إليهــا دول أخرى. بلادي الفقيــرة والمحبة للســام واقعة في تصنيــف دائرة احتمال الخطأ، بمعنى – في نصف قطر الضــرر والدمار لكل مواجهة نووية في الشرق الأوسط، إذا ما نشبت لا سمح الله. والتهديد بـ «الإبادة المتبادلــ­ة المؤكدة» تلك العقيدة التي ســادت بين القوى العظمى في عهد الحرب الباردة، حقيقي وواقعي. ولكن يمكن منعه من خلال تبني المعايير الأســاس للقانون الدولي Juscogens() وبلورة مرجعية أخلاقية مشــتركة من أجل تعزيز السلام.

سيتطلب الأمر تغييراً فكرياً لدى كل الأطراف، وهو الانتقال من وضــع العداء والإهانات والمذلات إلــى الاحترام المتبادل. وينبغــي لمثل هــذا التغييــر أن يأتي من تحت، مــن الهامش الاجتماعي والإنســان­ي لكل واحد من الشــعوب. والتحدي الذي يقف أمامنا هو نحن أنفســنا. هل نملك الإرادة للانطلاق إلى طريق جديد؟

إيران والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني – الفيلان التوأمان داخل الغرفة – يجب أن يقفا على رأس جدول الأعمال. شــرق أوسط حر من أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب مسيرة تؤدي إلى الأمن والتعاون المتبادل، هما مبادرتان مهمتان يتصدرهما الأردن. وكلتاهما الآن في متناول اليــد. كخطوة أولى، علينا أن نعترف بالتغييرات العالمية التي تجري أمام عيوننا. مثلما للولايات المتحدة ولمراكز القوى الجديدة في آســيا وإفريقيا، وفي الصين واليابان، هناك مصلحة مشتركة ليست اقتصادية فحسب، بل ضمن استقرار إقليمي. إن تسوية جديدة وشاملة للشرق الأوسط بلا ســاح نووي، وبشراكة وضمانة الأسرة الدولية – دول جنوب شــرق آسيا واأضاء الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة والــدول الغربية الأخرى وبالطبع الوكالة الدولة للطاقة الذرية – ليســت أمراً خيالياً. وسيســمح مثل هذا الســيناري­و بالتوازن بين الحق لاكتساب وتطوير القدرة النوويــة لأهداف ســلمية وبــن الالتزام بميثاق عدم نشــر السلاح النووي للدمار الشامل بكل ما ينطوي عليه ذلك.

هذه السنة، في آذار، ســتحل الذكرى المئة لمؤتمر القاهرة الذي أدى إلى إيجــاد دولتي الصغيرة، بداية كإمارة شــرق الأردن بقيــادة جدي الراحل الملك عبد اللــه الأول، وبعد ذلك كمملكة الأردن. غير أن قصتنا ليســت ابنة مئة سنة فقط. فهي تعود إلى الوراء آلاف الســنين، إلى الســومريي­ن، والحتيين والبابليين. أؤمن بأن الوقت حان للعودة والنظر إلى منطقتنا - مــن المغرب وحتــى بنغلادش – مــن زاوية نظر واســعة تشــمل كل الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر، وتركيا، وإيران وبالطبع إســرائيل – إذا ما وعندما تصبح جزءاً لا يتجزأ من هذه المنطقة بتعابيــر الاحترام المتبــادل. إذا كان الماضي هو المقدمة لواقع الحاضــر، والتوطئة لكتاب التاريخ الذي نكتبه بأيدينا، فعلينا أن نتعلم منه. فالســام بين شــعوبنا تحطم بسبب تدهور المسيرة السلمية الإســرائي­لية الفلسطينية. لا يجب الســماح لهذا أن يحصل مرة أخرى. وتبادل الاتهامات عديم الفائدة. الســام الذي تحقق مؤخراً بين إسرائيل وأربع دول عربيــة يجب أن يراعي الخلفيــة الاقتصادية: النفط في الخليج الفارسي، والغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وبالأساس – الناس على الأرض.مع الأسف، أعطيت حتــى الآن أولوية لأنابيب النفط والغــاز في ظل دحر بلدات المحيط إلى الهوامش وتجاهل احتياجات أناســها، سواء من

ناحيــة العلاقة بين المــاء والطاقة والمحيط البشــري، أم من ناحية الصحة والبيئة، أسس كرامة الإنسان. ونتيجة لذلك، كان مصير فئات سكانية واسعة أن تعيش بلا مستقبل وأمل، وتراوح في المكان، بينما كل من تبقى يعيش تحت تهديد أمني دائم وفي ظل السيف النووي المسلط.

المســؤولي­ة ملقاة على عاتقنا. إذا لم نستغل الفرصة التي أمامنا، فسنكون جميعاً مذنبين بذلك.

كيف نقود المنطقة إلى الســام والازدهــا­ر، علينا أن نضع الإنســان في المركــز، وعلينا أن نســمح لمواطنــي الدول أن يتحملوا المسؤولية عن مســتقبلهم من خلال التمكين والدعم والتشجيع على العمل.

يمكن مثلاً اســتئناف الخطــوة لإقامة جمعيــة مدنية في الشرق الأوســط. كما يمكن اســتخدام التكنولوجي­ا العلمية والاتصالات لإطلاق جمعية مدنية افتراضية موازية.

وعلينا ألا نتجاهل الصورة الأوسع. نشهد في العقد الأخير واقعــاً من عدم الاســتقرا­ر السياســي والاجتماعي، عوامله المحركة هي عدم المســاواة والفســاد، وليس بالذات التطرف العنيف، والتطلعات المبالغة والانقسام الديني أو الطائفي.

تجدر الإشــارة إلى أنه بينما قل عدم المســاواة في العالم بقي الشــرق الأوســط مصنفاً كمنطقــة هي الأكثــر انعداماً للمســاواة في العالم. مسائل جندرية وديمغرافية وحكومات فاشلة شددت الغضب الاجتماعي أكثر فأكثر. تتصدى المنطقة لأزمة لاجئين غير بسيطة، ونتيجة لها فإن واحداً من كل ثلاثة يعيش فــي الأردن هو لاجئ. يقف الأردن بالتالي أمام معضلة ثلاثية تتمثل بارتفاع عدد اللاجئين الذين يستضيفهم، ولجم مالي في الميزانية، ودعم للسكان الضعفاء.

جائحة كورونا فاقمت الوضع. وبالطبع، لسنا وحيدين في هذه المعركة، فكورونا تشــكل تهديداً على الصحة والاقتصاد في كل دولة، وخدمــات الطوارئ والصحة يجب أن تقف على رأس سلم الأولويات. يبدو أنه اختبار التكافل والرحمة الذي عرفــه العالم في وقت من الأوقات. في هــذا الواقع، ضروري التعاون بين كل الأطراف لإشفاء منطقتنا.

التحدي الآن هو الانتقال مــن إدارة الأزمة إلى الانتعاش، وإعادة التنظيم والســعي إلــى المرحلة التالية من الســام والتنميــة. أؤمــن بــأن الأردن جاهز للوقوف فــي وجه هذا التحدي.أفكــر في اللقــاءات بــن الرئيــس الأول في دولة إســرائيل حاييم وايزمن، وبين عمل أبي الأمير فيصل الأول، في أعقاب معاهــدة فرســاي، والتي بحثا خلالهــا رؤيتهما المشــتركة: اتحاد فيدرالي للدول العربيــة يعيش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون أبناء الثقافة العربية معاً. كانت هذه رؤية متنورة أيدها جدي أيضــاً، الملك عبد الله الأول. وكانت تقوم على أساس أفكار أخلاقية متينة، وكان لها أساس بنيوي – «بينلكوس» (بلجيكيا، هولندا، ولوكسمبورغ( المنطقة، كما سمّاها أبا ايبان في السبعينيات.

النقطة الأســاس هي أنه لا يمكن لدولة في الشرق الأوسط أن تحل مشــاكلها وحدها. علينا العمل معا كي نحقق أهدافنا الإقليمية المشتركة. والبديل هو واقع تتنافس فيه الدول فيما بينها على تعظيم الاســتهلا­ك الداخلي المتزايد نحو استنفاد غير محدود للمقدرات. هذه مأساة ستمس الجميع.

إن التعــاون في موضــوع المياه في المنطقــة خصوصاً في ظل شــح مياه الشرب، سيكون المكان الســليم الذي نبدأ به. يمكننا أن نســتمد الإلهام من أسرة الفحم والفولاذ في أوروبا أو من اتحاد دول جنوب شــرق آسيا. من المشجع أن نرى بأنه على الرغم من المواجهات بين دول جنوب شــرق آسيا، ورغم التنوع الكبير والاختلاف بين المنظومات السياســية، تتعاون هذه الدول فــي وجه التحديات المتبادلة غير القليلة في مجال التجارة. وذلك في الوقت الذي تبلــغ فيه التجارة بين الدول العربية أقل من 10 في المئة من عموم نشاطها التجاري.

تتميز منطقتنا بخليط من النفط والمقدرات البشــرية التي يمكنها المساعدة في بناء مجتمعات تعددية وحديثة، وتشجع إصلاحات سياســية واقتصادية وتقلل عدم المساواة. علينا العمل على تعزيز اســتقرار دول المنطقة – بمــا في ذلك دولة فلســطين التي تعيش إلى جانب إســرائيل في إطار تســوية تقوم علــى حــل الدولتين في ظــل صلة حزبية وسياســية وتعاون اقتصادي وثيق. مثل هذه التســوية السياسية يجب أن تتضمن تقســيم القدس في ظل مراعاة الأديان الإبراهيمي­ة )الإســام واليهودية( والحفاظ على أمن وســامة المســجد الأقصى وتشبيب القيادة الفلسطينية التي تستقر في القدس - عاصمة دولة إسرائيل وفلسطين.

ومتعدد الجوانب يكمل ثنائي الجانب؛ فإســرائيل والدول العربية المســتعدة لذلك يمكنها أن تبدأ بالمسيرة الآن. ويمكن لدول أخرى في المنطقة، بما في ذلــك تركيا وإيران، أن تنضم لاحقاً.

حان الوقت لبداية جديدة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom