Al-Quds Al-Arabi

أمام بايدن... بن سلمان واردوغان والسيسي: «موضة إصلاحات» حقيقية أم غمز لـ«حقوق الإنسان»؟

- تسفي برئيل

■ التســريبا­ت المبكرة لتقرير المخابرات الأمريكية عن قتل الصحافي الســعودي، جمال خاشــقجي، تقول إنه سيوجه إصبع اتهام مباشــر لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وقبل ذلك، أوضحت المتحدثة بلســان البيــت الأبيض، جين ســاكي، أن الرئيس بايدن ينوي «إعادة معايرة» علاقاته مع الرياض، بسبب الفجوة بين موقف الدولتين في مسألة حقوق الإنسان.

التفســير العملي لـ «إعادة المعايرة» سنعرفه في الأسابيع المقبلة عندما ســيقرر بايدن إذا كان سينفذ صفقة السلاح مع الســعودية. هل ســيوافق على اللقاء أو الحديث مع الحاكم الفعلي للمملكة، الذي هو أيضاً المتهم الرئيســي والمباشر في قتل الصحافي؟ وماذا ســيفعل عندما يأتي اليوم الذي سيرث فيه الأخير الملك سلمان؟

في الأسابيع الأخيرة، يســعى ولي العهد إلى تخفيف ثقل الضربــة التي يتوقع أن يتلقاها في التقريــر. هل يهتم بايدن بحقوق الإنسان؟ سارع بن ســلمان لعرض رزمة إصلاحات قانونية جديدة تضم توحيد نظام العقوبة، وتنظيم تشــريع قوانين البينات، وحل مشــاكل الأحوال الشخصية التي تمس النســاء تحديداً، وتحويل التشــريع في مواضيع الصفقات المدنية إلى أكثر شفافية. وإذا تم تطبيق هذه الإصلاحات ولم تبق على الورق، فسيشكل ثورة دستورية حقيقية.

يعــرف بن ســلمان جيــداً إخفاقــات نظــام القضاء في الســعودية، هــذا إذا صحّ تســميته هكذا. لا توجــد معايير واضحة للاعتقال والتقديم للمحاكمة باســتثناء قرار الحاكم أو ممثليه. جرائم مشابهة تحظى بعقوبات مختلفة، ونشطاء حقوق إنســان أو منتقدون للنظام يعتبــرون أعداء للدولة ومؤيديــن للإرهاب أو محرضــن، وعقوبتهم الســجن لمدة طويلة.

إن الإفراج العشــوائي عن بعض النشــطاء من السجن، ومن بينهم لجين الهذلول، وتوســيع فرص تشــغيل النساء، غير كافيين لإدارة بايدن والجمهور الأمريكي طالما يســتطيع النظام إعادتهم إلى السجن في أي لحظة.

تلقى ولي العهد الشاب وابلاً من الاحتجاجات عندما سمح للنساء بقيادة الســيارات، وعندما عرض رؤيته للعام 2030 التي تتضمن إنشاء مدينة ضخمة «نيوم» باستثمار يتوقع أن يبلغ 500 مليار دولار. فقد تحدث عن تقدم وتكنولوجيا عالية، لكنه لــم يذكر موضوعاً رئيســياً واحداً، وهو الســعي نحو الديمقراطي­ة وتغييــر هيكل النظام. ســيحاول الآن التلويح

بالإصلاحات كدليل على نيته لعلاج جراح الماضي.

بايــدن، الذي وصف الســعودية في حملتــه الانتخابية بأنها دولة مشــينة، يتعرض لضغط مــن أعضاء الكونغرس لفرض عقوبات عليها. ســيكون عليه اتخاذ قرار بشــأن هل ستكون الإصلاحات الجديدة كافية كي يمنح بن سلمان العفو السياسي.

تحولت الإصلاحات إلى لازمة تتكرر بســعادة على لسان الرئيــس التركي أردوغــان، والرئيس المصــري عبد الفتاح السيســي. يتوقع في الأيام القريبة أن يعرض أردوغان رزمة إصلاحات، بعد أن اعتبر العام 2021 «سنة الإصلاحات». يعد أردوغان بأن تشــمل إصلاحاته تغييرات في حقوق الإنسان وحرية التعبير، وبالأساس ستضمن استقلالية جهاز القضاء. من المثير أن الرئيس الذي أرسل النار والكبريت تجاه من قال بأن جهاز القضاء في تركيا غير مســتقل، يعترف الآن بوجود شــيء ما يمكن إصلاحه في جهاز تعــرض لإحدى الضربات الأشد في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري في 2016.

منــذ ذلك الحين، تم عــزل مئات القضــاة والمدعين العامن من وظائفهم، واســتبدل بهم مقربين لأردوغــان. في المحكمة الدســتوري­ة عين حتى الآن 7 قضاة من بين 15 قاضياً، والحبل على الجــرار. بنفس الطريقة، قام بـ «إعادة تحســن» نقابة القضــاة والمدعين العامــن، التي هي الســلطة العليا لتعيين القضاة والمدعين. مقابل أردوغان، تتجمع قوى أمريكية كبيرة تطالب بايدن بفرض عقوبات على تركيا، ليس بسبب شرائها أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات فحسب.

مؤخراً، وقع 54 ســيناتوراً على رســالة للرئيس مطالبين بمعاقبــة أردوغان بســبب المس بحقوق الإنســان والتنكيل بالمعارضة وســحق حريــة التعبير. ومثلما في الســعودية، ففي تركيا سلسلة مشــهورة من «النجوم» تحولت إلى هدف لتنكيل النظام. رؤســاء الحزب المؤيد للأكراد «اتش.دي.بي» أخــذوا نصيبهم من أردوغــان. وهكذا أيضاً مراســلون كبار اعتقلــوا أو هاجروا إلى الخارج في أعقــاب ملاحقات. أصبح مصير جنان كابتانولو على المحك، رئيسة مقاطعة إسطنبول في حــزب المعارضة الجمهــوري «ســي.اتش.بي». ارتكبت كابتانولو جريمة فظيعة، فقد كانت مســؤولة عن فوز حزبها في الانتخابات لرئاســة بلدية إســطنبول التي فاز فيها أكرم إمام أوغلو. هذا الأخير اضطر للتنافس مرتين في الانتخابات بعــد أن احتج النظام في المرة الأولى علــى النتائج. وفاز في الحملتــن الانتخابيت­ين. وبعد عشــرات الســنين فقد حزب الســلطة السيطرة على إســطنبول، الذي ترأســه أردوغان نفسه قبل انتقاله إلى السياسة القطرية.

بعد بضعة أشهر على فوز إمام أوغلو تم اعتقال كابتانولو وحكم عليها بالســجن عشــر ســنوات تقريباً بسبب دعمها

للإرهــاب وإهانــة الرئيس. اســتندت الدعــوى ضدها إلى تغريدات نشــرتها قبل سنوات في «تويتر». تنتظر كابتانولو الآن نتائج الاستئناف، بل وتنتظر الطريقة التي سيعالج بها بايدن قضيتها.

على الطرف الآخر للبحر المتوســط، حظي وزير الخارجية المصري، ســامح شــكري، بمكالمة هاتفية حادة مــن نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن الذي أوضح له بأن «حقوق الإنسان ستكون الموضوع الرئيســي في العلاقة بين الولايات المتحدة ومصــر». كانت المكالمة بعــد يوم على مصادقــة إدارة ترامب على بيع صواريخ بحر جو لمصر بمبلــغ 200 مليون دولار. وهي صفقة أثارت انتقاد واشــنطن لعــدم ربطها بإجراءات إصلاحات دســتورية وفعلية بالنســبة لحقوق الإنسان في مصر.

كان السيســي الزعيم الأول في الشرق الأوسط الذي هنأ بايدن بفوزه في الانتخابات. ولكنه أيضاً ســارع إلى تجنيد شــركة ضغط مركزيــة في واشــنطن هي «براون شــتاين، حياة، بربر وشــيرك» من أجل تحســن مكانة مصر وطمأنة الكونغرس، الذي اشترط تحويل 75 مليون دولار من ميزانية المســاعدا­ت لمصر التي تبلــغ 1.3 مليــار دولار بالإفراج عن السجناء السياسيين.

القانون الذي صادق عليه الكونغرس في الموضوع شــمل تغييراً دراماتيكياً مقارنة مع ســنوات ســابقة، ولم يســمح لــإدارة بإمكانية وجــوب تحويل الأمــوال للقاهرة بذريعة «شؤون أمن قومي». في وســائل إعلام أمريكية نشر أن مصر ســتدفع 65 ألف دولار في الشــهر لشــركة الضغط، لكنها لا تكتفي بذلك. رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري، طارق رضوان، بادر إلى سلســلة من النشاطات بهدف اقناع الكونغرس الأمريكي بأن يكف عــن الضغط على بلاده. وهو يخطط للقيام بسلســلة زيارات لأعضــاء كونغرس مصريين في واشنطن لإجراء مقابلات مع نظرائهم الأمريكيين ومع من يشكلون الرأي العام.

ملاحقة على أراضي الولايات المتحدة من المثير رؤية إذا كان رضوان سينجح في إقناع دون بيار وتوم مالينوفســ­كي، وهما المشرعان اللذان بادرا إلى تشكيل «كتلة حقوق الإنســان في مصر» في الكونغرس، التي هدفها معالجة وضع حقوق الإنسان في مصر، والضغط على الإدارة لاجــراء التغييرات التــي يؤيدها بايدن أيضاً. على تشــكيل هذه الكتلة، ردت القاهرة بغضب كبير وقالت إنها تســتهدف «تمكين جماعة إســامية عنيفة )الإخوان المسلمين الكاتب( من ممارســة لعبتها القديمة وتضليل الرأي العام بذريعة أنها ليســت ســوى منظمة حقوق مواطن مللدفع قدمــاً بأجندتها الجهادية .»

هذا رد معــروف للنظام المصير، ولكــن لا يمكنه أن يغطي على الضرر والتنكيل الــذي يمارس تجاه الصحافيين، وعلى الاعتقالات التعســفية لمــن ينتقدون النظــام وعلى ملاحقة نشــطاء حقوق الإنسان، حتى عندما يكون هؤلاء الأشخاص يحملون الجنســية الأمريكية أو يعيشــون فــي أمريكا. كان الهدف المناوب هو محمد ســلطان، الذي شــكل في واشنطن منظمة باســم «مبادرة الحريــة» والذي له علاقة مســتمرة مــع أعضاء كونغرس ويروج للقيام بنشــاط ضد قمع حقوق الإنســان في مصر. تلقى سلطان بسبب نشاطه مكالمة هاتفية تهديديــة، وتم اعتقال والــده ونقل إلى مــكان غير معروف، واعتُقل أبناء عمه وحقق معهم أيضاً. وحســب قوله، اقتحم رجال المخابرات المصرية بيت أبنــاء عائلته وقاموا بتخريب الأثاث وضربوهم وهددوا حياتهم.

إن ذنب ســلطان إضافة إلى نشــاطه التنظيمي، يكمن في الدعوى التــي قدمها ضد رئيــس الحكومة الســابق، حازم ببلاوي، الذي اتهمه بالمســؤول­ية عن التعذيب الذي تعرض له أثناء وجوده في الســجن في العام 2013. حســب قوله، الســجانون شــجعوه على الانتحــار، وضربــوه وعذبوه بالكهرباء وأبقوه فــي الزنزانة وحده مع جثــة متحللة. في العام 2015 تم إطلاق سراح سلطان وطرد من مصر. بعد ذلك، انتقل إلى الولايــات المتحدة وأكمل اللقب الثاني في الاقتصاد في جامعة أوهايو.

انتقــل ببلاوي أيضاً إلــى الولايات المتحــدة، إلى وظيفة رفيعة في صندوق النقد الدولي. قدم ســلطان الدعوى ضده في واشــنطن فــي حزيران الماضــي، ومنذ ذلــك الحين وهو

يعاني مــن الملاحقة. نفس هذه المعاملة حظــي بها أيضاً علي حسين مهدي، الذي نشــر فيلماً قصيراً مقلقاً عبر صفحته في «فيسبوك» تحدث فيه عن تنكيل شــديد بأبناء عائلته الذين يعيشــون في مصر، وعــن تحذيرات يمارســها ضده رجال مخابرات مصريون.

وعد السيسي أيضاً بسلسلة إصلاحات استهدفت تحسين وضع حقوق الإنسان. ولكن هذه الوعود، التي رافقها تشريع، ســبق وأعطيت في الماضي ولم تحدث أي تغييرات نوعية في العلاقات بين النظام في القاهــرة وخصومه ومن ينتقدونه. موضــة الإصلاحات التــي تثير وســائل الإعلام فــي تركيا والســعودي­ة ومصر لا تقنع الجمهور الذي مر بتجربة صعبة في هذه الدول. ولكن فيها ما يــدل على الفزع الذي يثيره هذا الموضوع الحســاس في أوســاط حكام اعتادوا على إغماض عيون الإدارة الأمريكية، لا ســيما بعد فترة ولاية ترامب الذي لم يعرف كيف يقوم بتهجئة مصطلح «حقوق إنسان.»

الرئيس بايدن يبدو حقاً بأنه يجلب معه بشــرى جديدة لنشــطاء حقوق الإنســان ومن تضرروا مــن الأنظمة. ولكن من الأفضل الانتظار ورؤية إلى أي درجة ســيكون مســتعداً للتضحيــة بمصالــح الولايــات المتحــدة الاســترات­يجية والسياســي­ة من أجل حقوق الإنســان في الدول العربية. في هذا السياق، ليس من نافل القول الإشــارة إلى أن بايدن في ذهابه إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، لا يلوح براية حقوق الإنسان أمام النظام الإيراني.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom