Al-Quds Al-Arabi

الإعلام السوري بعد الثورة

- رياض معسعس ٭ ٭ كاتب سوري

لم ينعم الإعلام الســوري بالحرية نســبيا إلا في ثلاث فترات قصيــرة كانت تحت حكــم ديمقراطــي،)1946‪-1954( )1949-‬ ‪.)1963-1961( )1958‬ الصحافة الســورية تحت الســلطنة العثمانيــ­ة كانت تخضع «للفرمانــا­ت الهمايونيـ­ـة» التــي تحد مــن حريتهــا، ومعالجتها لوضع السلطنة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص.

مراقبة الرسائل

ولــم يكــن الانتــداب الفرنســي بأفضــل حــالا الــذي خلــف العثمانيين على حكم ســوريا، أما الفترات المتبقية فكانت سوريا تحت حكم العســكر وأحكام الطــوارئ. ورغم ذلــك كانت هناك فرصة للتنفس بين فترتي اختناق. لكن منذ انقلاب حافظ الأسد لم تحظ الصحافة الســورية بفترة تنفس واحدة، بل بدأت حقبة الاختنــاق الإعلامي التام. خاصة وأن ســوريا قد وضعت تحت قانــون الطــوارئ منذ انقلاب حــزب البعث فــي )8 آذار/مارس 1963 وبقي ساري المفعول لغاية 20 نيسان/ ابريل 2011 أي بعد شهر من الثورة تقريبا(.

وتنص المادة الرابعة من القانون«مراقبة الرسائل والمخابرات

أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشــرات والملفات والرسوم والمطبوعــ­ات والإذاعــا­ت وجميــع وســائل التعبيــر والدعايــة والإعلان قبل نشــرها وضبطها ومصادرتهــ­ا وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.»

وبحكم هذا القانون كانت كل وســائل الإعلام، ودور النشر، والمطابــع تحــت مراقبــة الدولة مباشــرة مــا أدى إلى انســداد إعلامي، وغياب عدد كبير من الصحف بعد مصادرتها، وانتشار الشــائعات في ظل عدم نشــر الحقيقــة، والتوجه إلى وســائل الإعــام الخارجيــة، وخاصــة الغربيــة منهــا كـ )بي بي ســي، وفويس اوف أمريــكا، ومونت كارلو، والحــرة. والجزيرة فيما بعد(. ورغم بروز بعض القنوات التلفزيوني­ة والإذاعية الخاصة )الشــام، دنيا، سما..(إلا أنها لم تخرج عن المضمار المرسوم لها، ومطرقــة قانــون الطوارئ التــي يمكن أن تفعل بــأي لحظة ضد أي وســيلة إعلامية. فكانت الصحف )البعث، الثورة، تشــرين( تخرج يوميا بالمانشيت نفســه تقريبا، مع صورة الأسد المرافقة للعنوان العريض حول نشــاطاته مهما كانــت. وحتى بعد إلغاء قانون الطوارئ لم يسمح لأي وسيلة إعلامية معارضة بالظهور.

)ولســخرية تاريــخ الإعــام الســوري أن صحــف وقنوات المعارضة التي صدرت خارج ســوريا بدأها شــقيق الأسد رفعت الأســد فأصدر مجلة الفرســان، وصحيفة الشــام فــي باريس، اللتــن كانتــا تروجان للمصطلــح السياســي:«التضامقراط­ية» اللتــن توقفتا عن الصدور ســريعا، وقنــاة «إي إن إن» في لندن بعد أن طرده شــقيقه من سوريا بعد أن حاول الانقلاب عليه في العام 1984.)

وفي عهد الوريث بشــار الذي وعد بالانفتاح الإعلامي حاول الرسام الكبير علي فرزت إصدار صحيفة «الدومري» الساخرة، التي سرعان ما تم إغلاقها من قبل السلطة.

المواقع الإلكتروني­ة

مع انتشــار المواقع الإلكتروني­ة، والسوشيال ميديا، بدأ عصر الإعلام الموجه والمســيطر يفقد مكانته، فظهرت مواقع معارضة كموقــع )زمان الوصل( وموقــع )أورينت التابــع لقناة أورينت المعارضة(.

مع انطلاقة الثورة لعب إعلام النظام دورا كبيرا في التضليل، والتحريــف، والتشــويه، فاعتبــر الثــورة أنهــا مؤامــرة دولية للإســام المتطرف والإرهابي، وقام بعمليــات اغتيال لعدد كبير من الصحافيين الذين جهروا بأصوات معارضة، أو العاملين في قنوات أجنبية تغطي الأحداث السورية.

مــع التغريبة الســورية الكبرى بعــد المجازر المريعــة، والدمار الممنهج للبنى الســورية من قبل النظام، لجــأ مئات الصحافيين الســوريين للخــارج، وبــدأ عصــر جديد مــن الإعلام الســوري المعــارض المهاجــر، فانطلقــت صحف من اســطنبول كـــ )عنب بلدي، صدى الشام، تمدن، سوريتنا( وإذاعات عديدة كـ«وطن» و«صــوت راية» وإذاعة «نــوروز» و«آرتا» التي تبــث من الداخل السوري باللغة الكردية والعربية. وإذاعة «ألوان» و«سوريالي» عبر النت. وإذاعة«الكل» و«روزانا» التي تبث من باريس.

)بلــغ عدد الإذاعــات حوالي خمســن إذاعة توقــف معظمها لأســباب ماليــة ولوجســتية(. بالنســبة للقنــوات التلفزيوني­ة انطلقت مؤخرا قناة «سوريا» من إسطنبول في العام 2018.

على صعيد آخر، انتشــرت المواقع الإلكتروني­ــة بكثافة كبيرة كـ«ســوريا نت» و«كلنا شــركاء» وســواهما التــي بقي معظمها يعمل ضمن حيز ضيق، وأختفى الكثير منها.

كما انطلــق مؤخرا موقع «الســوري اليــوم» كتجربة جديدة يقوم عليها تجمع من الصحافيين الســوريين في الخارج بشكل تطوعي للخروج من سلطة المال والسياسية.

هــذه الوســائل الإعلامية المختلفــة تلقت الدعم مــن منظمات دولية، ولم تتلق أي دعم من المجلس الوطني والســابق، أو حتى مــن الإئتلاف الوطني، وإلى الآن لم يســتطع أن ينشــئ وســيلة إعلامية تعبر عن صوت الثورة الســورية بعد عشــر سنوات من انطلاقها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom