Al-Quds Al-Arabi

لا تحمّلوا أبو مازن وحده المسؤولية... فكلكم مذنبون

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

سأســير عكس التيار وسأغرد خارج السرب وســأقول ما لن يتجرأ على قوله الكثيــرون.. وأعلن وبــكل صراحة أنني لست مع ترشح الأخ الأسير القائد مروان البرغوثي للرئاسة. ليس لسبب شخصي، بل لأنني حقا أعزه وأكن له كل الاحترام والتقدير والمودة، وأتمنى له التحرر الســريع من أسره، الذي مرّ عليه حتى الان نحو19 عاما.

هذا الموقف مــن وجهة نظري يصب في مصلحة الأخ مروان )أبو القسام( من أجل أن يحافظ على شخصية القائد الميداني والشــعبي، ومحرك الجماهير، ولا أحب له أن يورط نفســه ويغرقها في المستنقع السياســي الفلسطيني الحالي. وأتمنى عليــه ألا يقع وهو ذو العقل الرزين ضحية الخلافات والمطامح الشخصية، لا السياسية، ومحاولات الاستغلال، للصعود على كتفيه نحو ما يعجزون عن تحقيقه، من دون اســمه ورصيده الوطني. إن الكثيرين يســتخدمون اسمه من دون وجه حق، ويتســترون وراءه ليقولوه ما لم يقله ولا يتجرأون هم على قوله.

والســبب الثاني أن الأخ ابو القســام، في حال فوزه، وفي حال أفرجــت دولة الاحتلال عنه بضغــوط دولية، كما يطمح وهذا كله من باب التمنيات، فإنه سيحتاج إلى فترة طويلة من التأهيل.. فلا الوضع السياسي ولا الوطن يسمحان بالانتظار. أضــف إلى ذلــك أن الكثيــر من السياســيي­ن الفلســطين­يين ســيتوارون وراءه واستغلال اســمه للتعبير عن معارضتهم للرئيــس أبومازن. هذا لا يعني أنني ضد ترشــح آخرين لهذا المنصــب، ولا أتمنى أن ينتهي الوضع في انتخابات الرئاســة فــي 31 يوليو بفوز مرشــح بعينه بالتزكيــة.. فهذا الوضع لا يخدم «الديمقراطي­ة» الفلسطينية. هذا ينقلنا إلى دعوات الأخ ناصــر القدوة الأخيرة، في ندوة على الزوم للتغيير الشــامل في المؤسســات الفلســطين­ية، وعلى رأســها منظمة التحرير الفلســطين­ية. وأضيف إلى ما قاله القــدوة، أن الإصلاح كما يدعو له البعض لم يعد كافيا.. فهذه المنظمة التي علاها الصدأ على مدى ســنوات طويلــة، وتجاوزت مرحلــة الإصلاح، لن تتغير أحوالها بإضافة بضع عشرات من أعضاء حركة حماس، أو غيرها من الفصائل الفلســطين­ية الأخرى لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومجلســيها الوطني والمركزي، لأن ذلك من شــأنه أن يبقي الأمــور على ما هي عليــه، ولن يأتي بجديد، بل سيزيد الطين بلة. هذا أولاً

وثانياً: نحن مع النتيجة التي توصل إليها أخيرا الأخ ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والزميل في المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، والرفيق السابق في المجلس الإداري للاتحاد العام لطلبة فلســطين، في سبعينيات القرن الماضي، وهي أن النظام السياســي الفلسطيني يجب تغييره، وليــس إصلاحه، لأنه مــن الصعب إصلاح جــزء بمعزل عن الأجزاء الأخرى، ولابد من وجود رؤية متكاملة لهذا التغيير.

وثالثــا أضــم صوتي إلى صــوت ناصر، بــل أطالب ليس بالتغيير فحســب، بل نفض هذا الجســم المترهل والمتهاوي، ولكــن الخلاف مــع ناصر وهو ابــن المؤسســة، ودخلها منذ صغره من أوســع أبوابها، وهو الاتحاد العام لطلبة فلسطين، أن التغييــر لا يأتي بالتمنيــا­ت ولا بالدعوات عبر شاشــات التلفزيــو­ن، إنمــا بالفعل والعمل الشــاق والــدؤوب.. ولو كنــت مكانه لأثبت للجميــع أنني قدوة اســما وفعلا، لإعطاء بعض مــن المصداقية لدعوتــي وتمردي، الذي جــاء متأخرا قليلا، ولــو كنت مكانه لقدت حملة التغيير بنفســي، وأعلنت اســتقالتي من جميع مناصبي في اللجنة المركزية لحركة فتح وعضوية المجلســن الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، وبقية مسؤولياتي، باعتباري من الرعيل الأول بعد رعيل المؤسسين الذي أوصلنا إلى هذا الطريق المسدود. وهو عضو في المجلس الوطني الفلســطين­ي منــذ أكثر من أربعين عاما. وبالمناســ­بة فإن أبومــازن ليس العقبة فــي طريق التغييــر، فلا تحملوه المسؤولية، ولا تلقوا على عاتقه كل المصائب السياسية، فالكل مذنب وتتحملون المســؤولي­ة نفسها. فهو واحد من كل وحركة فتح من تمنحه القوة وتعطيه الغطاء التنظيمي والشــرعية.. والكل عاجز عن فعل شــيء ســوى الدعوات والمطالبات، ولا أدري كيف يطالب مسؤول وقائد آخرين بالتغيير.

رابعا ثمة مشــكلة أن الأخ ناصر لم يقدم برنامجا سياسيا واضحا، ولا رؤية شــاملة للخروج من هذا المأزق المستعصي، مكتفيا بالقول إنه لا يرى حلا عبر السبل العسكرية، كما لا يرى الحل فــي التفاوض، إنما في إيجاد البديل الثالث، وأســلوب نضالــي وتعبئــة حقيقية تعتمد علــى الناس بالاســتجا­بة لحاجاتهم، ومواجهة الاســتعما­ر الاســتيطا­ني، مشــيرا إلى أنه بذلك نفرض الحل السياســي! كلام عام فضفاض.. فلا هو أوضح البديل الثالث ولا «الأســلوب النضالــي» ولم يتطرق إلــى كيفية التعبئة الحقيقة ولا وســائل مواجهة الاســتعما­ر الاســتيطا­ني، الذي تغول في الأشــهر الأخيرة لغياب الردع الفلسطيني الرسمي، وأصبح يهدد المزارع والفلاح الفلسطيني في قوته وحياته. وفــي موضوع جماعة محمد دحلان فإنه لم يكن حاسما، ولم يشر إليها كمجموعة منشقة ملفوظة من فتح ورئيســها مطرود من اللجنة المركزية لفتــح. وقال كلاما عاما «بكل وضوح وصراحة هذه المجموعة لا تســتطيع «الآن» (ولا بعدين( أن تشكل حالة سياسية مقبولة ومحترمة لدى الشعب الفلسطيني، على الرغم من المساعدات التي يتم تقديمها لأبناء شعبنا .»

وأخيــرا نقــول فشــلتم... وأنت يــا أخ ناصــر واحد من المسؤولين عن ذلك الفشــل على مدى عقود «في بناء الإنسان الفلســطين­ي » رغم قناعتي بأن الإنســان الفلســطين­ي صامد كالبنيان الشامخ ولا يحتاج إلى إعادة بناء، وهو دوما معطاء وعلى أهبة الاســتعدا­د، وأن من يحتاج إلــى إعادة البناء هو مؤسساته وقياداته على جميع المســتويا­ت. والمشكلة الأكبر أن الأخ ناصــر لا يشــعر بأنه جزء من المشــكلة ومن القيادة، التي تسببت بها. والمشــكلة الثانية أنه يرى في نفسه منقذا، وهو الذي، وعلى مدى عقود، تعامل بسلبية وسخرية وفوقية إزاء مــا يجري من حوله. ولكن لا بد مــن القول إنه لعب دورا إيجابيا في الدبلوماسـ­ـية الفلســطين­ية، عندما كان المندوب الدائــم للمنظمة في الأمم المتحدة وعندما شــغل منصب وزير الخارجية.

وأختتم للدعابة فقــط، بما ختم به القــدوة حديثه قائلا: «عندما كنت شــابا كنت فخوراً بأنني فلســطيني في الاتحاد العام لطلبة فلســطين، نؤمن بالحرية وحــق الاختلاف، لكن ما نراه اليوم ليس فلســطينيا». وأذكّر أخانا ناصر الذي كان عضوا في اللجنــة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلســطين، برحلته الشــهيرة إلى بريطانيا برفقة عزام الأحمد عام 1977 بزعم محاولة رأب الانشقاق في فرع الاتحاد في المملكة المتحدة وأيرلندا، الذي تســبب بــه زميلنا رئيس اللجنــة التنفيذية للاتحاد صخر بسيسو، بسبب الخلافات السياسية وبرنامج النقاط العشر، وغيرها من التغييرات السياسية التي شهدتها الســاحة الفلســطين­ية في حينه داخل حركة فتــح ومنظمة التحرير، وكنت في حينها رئيســا للفــرع وعضوا في المجلس الإداري. فقــد حضر صخر بسيســو وهو لا يــزال حيا يرزق، بنية مسبقة لإبعادنا عن قيادة الاتحاد عن طريق شقه، بحجة الإشــراف على الانتخابات.. وأذكر أنني كنــت أترأس مؤتمر الفرع الذي كان منعقدا في مدينة برادفورد في شمال بريطانيا، عندما أُحضر صخر إلــى قاعة المؤتمر الذي كان يشــارك فيه نحو 400 عضو. ومن دون مقدمات، وبعد نحو أقل من ســاعة وبترتيب مســبق، كما علمنا لاحقا، قرر أقل من خمسين عضوا الانسحاب لأسباب دستورية حسب زعمهم، من قاعة المؤتمر، وانضــم إليهم صخر بسيســو معلنــا عدم قانونيــة المؤتمر ومخرجاته. وبعدها بأشــهر حضر ناصر وعزام إلى بريطانيا تحت رايــة رأب الصدع، والحقيقــة أن زيارتهما لــم تكن إلا لتثبيت وترسيخ الانشقاق وإقصائنا عن قيادة الاتحاد باسم الشرعية، وتخريب وإضعاف الاتحاد الذي كان يشهد له بأنه كان من أقوى الاتحادات الطلابية العربية في المملكة المتحدة، وكان يحظى بشــبكة واســعة مــن العلاقات مــع الاتحادات الطلابية، والحركات والأحزاب السياسية المحلية والأجنبية.. والغرض غير المعلن منع التغيير.

ودارت الأيــام ليخرج علينــا ناصر وهو فــي نهاية العقد الســابع من عمره ليطالب بالتغيير الــذي كنا ننادي به، رغم صغر ســننا أيامها، في القيادة نفسها «التي صانها الله من أي تغيير على مدى العقود الخمس الماضية حتى تحجرت.»

الفلسطيني صامد ولا يحتاج إعادة بناء، وهو معطاء وعلى أهبة الاستعداد، ومن يحتاج إعادة البناء مؤسساته وقياداته على جميع المستويات

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom