Al-Quds Al-Arabi

الضربة الأمريكية على الميليشيات العراقية... تحول استراتيجي أم عملية محدودة؟

- *كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

البيان الأمريكــي الصادر عن البنتاغون يوحي بشــكل واضــح أن الضربة الأمريكية على مواقع ميليشــيا «حزب الله» و»ســيد الشهداء» عند الحدود الســورية العراقية، كانــت ضربة محــدودة، ردا علــى اســتهداف قنصليتها في أربيل، وليســت تحولا اســتراتيج­يا في النهج الأمريكي ضد إيران وحلفائها في دمشق وبغداد.

ويؤكد المتحدث باســم البنتاغون كيربي هذه الخلاصة بقولــه «إن الانتقام الأمريكي كان يهدف إلى معاقبة مرتكبي الهجــوم الصاروخي، وليس لتصعيد الأعمــال العدائية، لقــد تصرفنا بطريقة متعمدة، تهدف إلــى تهدئة الوضــع العام في كل من شرق سوريا والعراق» وهذا ينسجم تماما مع الموقف الرسمي الأمريكي، الذي أعلنته الخارجية الأمريكية، عــن نيتها العــودة للمفاوضات حول الاتفــاق النــووي الإيراني مــع الأوروبيين، على أســاس اتفاقية 2015. ولعل تصريــح الخارجية الأمريكية الأخير، يصب في دعم التصور بالتراجع عن سياســة العقوبات الأمريكية، التــي لم تفلح بمواجهــة النفــوذ الإيرانــي في المنطقــة، إذ قال المتحدث باســم الخارجية الأمريكية قبل ساعات قليلة من الضربة الأمريكيــ­ة «إن إيران ووكلاءها أصبحــوا أكثر جرأة خــال الســنوات الماضية، وسياسة الضغط القصوى لم تحقق أهدافها.»

مــن اللافت أيضــا حرص واشــنطن على عدم إقحام الســاحة العراقيــة في ردها العســكري، فالمفترض أن يكون الرد الأمريكي على الميليشيات العراقية الموالية لإيران في العراق لا ســوريا، لأن هذه الميليشــي­ات عراقية، والعمليــة التي نفذتها الميليشــي­ات ضد القنصلية الأمريكيــ­ة في أربيل، تمت على أراض عراقية، ومع ذلك فإن الأمريكيين، اختاروا الرد على الميليشيات العراقية في سوريا، تجنبا لإحراج حكومة الكاظمي، وابتعادا عن مزيد مــن التصعيد والتوتــر داخل العــراق، ففي المرة السابقة عندما وجهت واشنطن ضربة لإيران بقتل ســليماني، أدت التطورات إلى توترات كبيرة بين الميليشــي­ات العراقية الشيعية وحكومة الكاظمي، وقــادت إلى تصويــت البرلمــان العراقــي، على وجوب إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما اعتبر حينها هزيمة دبلوماســي­ة لواشنطن في العراق، وهكذا فإن واشنطن ردت على طهران في العراق، وقتلت سليماني، ثم ردت على الميليشيات العراقية في ســوريا وقتلت 17 عراقيا من عناصر الفصائل في البوكمــال، وهذا يظهر الاختلاف بين إدارتي بايدن وترامب، في حجم التصعيد وطريقة الرد ومكانه وزمانه. وهذا ما يؤيده مورولي وهو مسؤول كبير سابق في سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون، إذ قال في تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز» إن الضربات المحدودة تهدف، على ما يبدو، للإشــارة إلى أن اســتخدام إيران للميليشــي­ات كــوكلاء لن يســمح لهــا بتجنب المســؤولي­ة عن مهاجمة الأمريكيين، لكنه يشــير أيضا إلى أن وقت الهجوم ومكانه كانا مهمين أيضًا «قرار الضرب في ســوريا بدلاً من العراق، كان لتجنب التسبب في مشــاكل للحكومة العراقية، وهي شــريك رئيسي في الجهود المســتمرة ضد داعش، كان من الذكاء الضرب في ســوريا وتجنب رد الفعل في العراق.» عدة مســؤولين أمريكيين ســابقين يعتقدون كذلك أن واشــنطن لن تتجــه نحو مزيد مــن التصعيد العســكري مع إيران ، ســوى المتعلق بقواعد الرد على عمليات اســتهداف منشآتها في العراق، وهو ما تصر عليه القــوى الموالية لإيــران في العراق كأســلوب للضغط على الأمريكيين للانسحاب من العراق، الهدف الذي أعلنه الإيرانيون وحلفاؤهم بعد مقتل سليماني، ويقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأســبق ويلكرســون فــي تصريحات متلفــزة لإحدى القنوات «إن عهد بايدن ســيكون دبلوماسيا لا عسكريا .»

التقارير الواردة من واشــنطن تشــير إلى أن بايدن اختــار «ردا مخففا» من بــن عدة خيارات عرضت عليه مــن وزارة الدفــاع الأمريكية، وهو مــا يدعم توجــه الإدارة الأمريكيــ­ة نحو تخفيف التصعيد مع الإيرانيين، وصــولا للعودة للاتفاق النووي معها، وهو المتوقع أن يتم خلال الشــهور المقبلــة، إن لم يقع حــدث اســتثنائي، لا يبدو أن طهران ســتقدم عليه، رغــم إصرارها على تحقيق هدف الانســحاب الأمريكي من العراق، بمواصلة الضغط من خلال استهداف المنشآت الأمريكية في العراق، ولا يبدو أن الامريكيــ­ن يريدون أكثر من توفير أجواء هادئة لإكمال ســحب الـ2500 جندي المتبقين في العراق، حتى لا يبدو الأمر وكأنه هزيمة لواشنطن، وســبق للإدارة الأمريكية أن أولت هذا العامل اهتماما، من ناحيــة حرصها على صورتها وهيبتهــا، وإن كانت تنوي الانســحاب فعلا فإنه يفضل أن يتم بعيدا عن تهديد وضغط عسكري قدر الإمكان، وهذا ما تذكره دراســة الجيش الأمريكي في العراق ومذكرات بول بريمر.

الأمريكيون اختاروا الرد على الميليشيات العراقية في سوريا، تجنبا لإحراج حكومة الكاظمي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom