رسائل أمريكية «ذكية وقوية» في أربعة اتجاهات من سوريا
فــي أول خطوة عســكرية في ســوريا منذ تولــي جو بايــدن الرئاســة الأمريكية، شــن ســاح الجو الأمريكــي ليلة الجمعــة، غارات على موقع عســكري تابع لميليشيات مدعومة من إيران في البوكمال شــرق سوريا، موقعاً أكثر من 20 قتيلاً وجريحاً.
يأتــي ذلك بمعزل عن أي تنســيق مســبق مع القــوى الدوليــة المتواجــدة علــى الرقعة الســورية، وهو مــا ترجمه خبــراء ومحللون علــى أنــه رســالة تحمــل دلالات سياســية، وتشــير إلــى عــدم تــردد الإدارة الامريكيــة الجديــدة فــي اســتخدام القــوة في ســوريا والإصــرار علــى حمايــة جنودهــا وكبــح التجــاوزات الإيرانيــة. واعتبــر العديــد مــن المحللين أن الضربات رســائل «ذكية وقوية» فــي أربعــة اتجاهات إلى دمشــق وموســكو وبغداد وطهران.
إدانة روسية
وأعلــن البنتاغــون أن الغــارات الأخيــرة، نفذت اســتناداً إلى معلومات اســتخباراتية وفرهــا الجانــب العراقــي، ضــد جماعــات مســلحة تدعمها إيران في شرق ســوريا رداً على الهجمات الأخيرة ضد موظفين أمريكيين في العراق.
وقالت وزارة الدفاع الامريكية «البنتاغون» أنّ مقاتلاتهــا شــنّت غــارات علــى منشــآت عســكرية تابعــة للميليشــيات الإيرانيــة في ســوريا، وذلك ردّاً على هجمــات صاروخية استهدفت قاعدة امريكية في العراق.
المتحــدث باســم البنتاغون جــون كيربي، قال: بتوجيه من الرئيس بايدن، شنّت القوات العســكرية الأمريكية في وقت سابق من هذا المســاء غارات جوية على البنية التحتية التي تســتخدمها الجماعــات المســلّحة المدعومــة من إيران في شــرق ســوريا. وقد أعطي الأمر بتنفيــذ هــذه الضربــات ردًا علــى الهجمات الأخيرة ضدّ أفراد القــوات الأمريكية وقوات التحالــف فــي العــراق، وعلــى التهديــدات المستمرة الموجّهة لهؤلاء الأفراد.
وقــال وزير الخارجية الروســي، الجمعة، إن الولايات المتحدة لم تبلغ موســكو بخطتها شــن غارات جديدة على شرق سوريا إلا قبل دقائــق معدودة من تنفيــذ الهجوم. وأوضح ســيرغي لافــروف، أثنــاء مؤتمــر صحافــي مشــترك عقده في موســكو، أن العســكريين الروس تلقــوا إخطارا من الجانــب الأمريكي بشــأن الغارات الجديدة قبــل أربع أو خمس دقائــق فقط مــن شــنها، مضيفــا: «حتى إذا تحدثنا عــن إجــراءات منع وقوع الاشــتباك المعتادة في العلاقات بين العسكريين الروس والأمريكيــن فــإن مثــل هــذا الإخطــار الذي يأتي بالتزامــن مع تنفيذ الضربة لا يجلب أي منفعة». وأدان لافروف العملية بشدة.
وأدانــت خارجيــة النظــام الســوري «العدوان» الأمريكي على دير الزور واعتبرت أنه «يشــكل مؤشــراً ســلبياً على سياســات الإدارة الأمريكيــة الجديــدة والتــي يفتــرض بهــا أن تلتــزم الشــرعية الدوليــة لا شــريعة الغاب التي كانت تنتهجهــا الإدارة الأمريكية الســابقة للتعامــل مــع الأزمــات الإقليميــة والدولية في العالم.»
22 قتيلاً من حزب الله والحشد
وأضافت الوزارة «سوريا تطالب الولايات المتحــدة بتغييــر نهجهــا العدوانــي تجاهها والكف عــن تقديم الدعــم بأشــكاله المختلفة للتنظيمات الإرهابية التي تســتهدف ســوريا وشعبها والتوقف عن مواصلة الاستثمار في تلك التنظيمات».
فــي غضون ذلــك، ذكر «المرصد الســوري لحقــوق الإنســان» أن حصيلــة ضحايــا القصــف الأمريكــي الــذي طــاول مدينــة البوكمال الحدودية مــع العراق إلى 22 قتيلا علــى الأقــل معظمهــم مــن عناصــر «كتائب حــزب اللــه» العراقي والباقون من «الحشــد الشــعبي» مشــيراً إلى أن الحصيلة مرشحة للارتفاع. واستهدف القصف حسب مصادر المرصــد الســوري مواقع وشــحنة أســلحة لحظــة دخولها الأراضي الســورية قادمة من العراق عبر معبر عســكري قــرب معبر القائم الرئيسي ضمن منطقة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، مضيفاً أن الغارات الأمريكية أســفرت عن تدمير ثلاث شــاحنات للذخيرة بشكل كامل.
وقالت مصادر محليــة لـ «القدس العربي» إن الغــارات الأمريكية، اســتهدفت ليلة أمس معبــر «حســن علي» العســكري قــرب قرية «الهرّي» إذ يربط المعبر بين الأراضي السورية والعراقيــة وهو مخصص لعبور الشــاحنات العسكرية والأسلحة والذخائر.
الباحث لــدى المركز العربي في واشــنطن رضــوان زيــادة أبــدى اعتقــاده أن تكــون الضربــات الجويــة مدخــاً لإعــادة صياغة السياســة الأمريكيــة تجــاه ســوريا، معتبراً أنهــا «تحمــل الكثيــر مــن الــدلالات الرمزية والسياســية» وعــزا المتحــدث لـ«القــدس العربــي» الســبب إلــى أن «بايدن لــن يتردد في اســتخدام القــوة في ســوريا على عكس مــا روجت لــه إيــران والنظــام الســوري أن وقــت المفاوضات عاد وانتهى زمن الضربات الجويــة التــي كانت تســتهدف الميليشــيات الإيرانية في سوريا.»
ومن جهة ثانية «ربط بايدن بشــكل عملي بــن المفاوضــات مــع إيــران فــي برنامجها النــووي مــع دور أنشــطتها الخارجيــة، وبالنســبة للموقــف الروســي أراد بوتــن أن يرفــع ســقفه التفاوضي مــع إدارة بايدن الجديدة في سوريا، بحيث تدرك إدارة بايدن أن مصالــح روســيا العســكرية في ســوريا يجب ضمانها ويجب أن يتم التنســيق معها، هــذا بانتظــار المراجعــة النهائية للسيـــاسة الأمريكيــة فــي ســوريا وإعــان الســـياسة الجـــديدة التي نأمـــل لها أن تعلن عـن تركيز على الانتقال الســـياسي وربط القضاء على التنظيمات الإرهـــابية بالانـــتقال السـياسي في سـوريا .»
وفــي حــن تبــدو الضربــات الامريكيــة الأخيرة أول عملية عسكريّة لـ إدارة «بايدين» رأى الخبيــر العســكري والاســتراتيجي د.فايز الدويري أن الرئيــس «بايدين» اختار هــذا الخيــار الأقل ضــرراً من بــن الخيارات التــي قدمت له بحيــث يبقي على حالة شــبه الاستقرار وعدم التصعيد.
فالضربــات الأمريكيــة، بمثابــة رســالة لإيــران، بــرأي الدويــري حيــث قــال محلية
لـ«القدس العربي» «في الوقت نفســه أرســل بادين رســالة لطهران والميليشــيات المرتبطة بها أن الولايات المتحدة الأمريكية مصرة على حمايــة جنودها وجنــود الناتــو وحلفائها، وعلى إيران أن تسيطر على ميليشياتها وهي مسؤولة عن تجاوزات تلك الميليشيات».
كمــا أن واشــنطن اختــارت وفــق للخبير العســكري «مــكان الهجوم في ســوريا لعدم إحــراج الحكومــة العراقيــة وعــدم تصعيــد الخلاف بينها وبين الحشد الشعبي».
وحول عدم إبلاغ موسكو بهذه الضربات، اعتبــر الدويــري أن الســبب يعــود إلــى أن «المنطقــة التي نفــذت بها العمليــة هي خارج مسؤولية روسيا وضمن المظلة الأمريكية».
تأييد بريطاني
وغــداة الضربات الأمريكيــة قال لافروف الجمعــة، إن تواجــد القــوات الأمريكيــة في ســوريا غيــر شــرعي ويتناقــض مــع جميع أعراف القانون الدولي، بما فيها قرار مجلس الأمــن الدولــي رقم 2254 الخاص بالتســوية السورية. وأكد الوزير أن العسكريين الروس والأمريكيين لا يزالون على اتصال دائم ضمن آلية منع وقوع الاشــتباك، مشدداً في الوقت نفســه علــى الأهميــة القصــوى لاســتئناف الاتصــالات علــى المســتوى السياســي والدبلوماسي بين موسكو وواشنطن بشأن سوريا.
تزامنــاً، أعلن وزيــر الخارجية البريطاني دومينيــك راب ، أن بــاده «تؤيــد الضربــات الجويــة الأمريكيــة فــي ســوريا «وكتــب «راب» عبــر «تويتــر» المملكــة المتحــدة تدعــم الــرد الأمريكي المســتهدف ضــد مجموعات الميليشــيات التــي تهاجــم قواعــد التحالــف في محاولــة لزعزعة اســتقرار المنطقة. نحن ندرك التهديد الذي تشكله الميليشيا ونشارك الولايات المتحدة في هدف العمل مع الشركاء لتهدئة الموقف».