Al-Quds Al-Arabi

تقرير حقوقي يكشف عن انتهاكات «الدعم السريع» في السودان

اعتقالات تعسفية استهدفت عشرات المدنيين

- لندن ـ «القدس العربي»:

دعت منظمــة «هيومن رايتــس ووتش'، أمس الإثنين، الحكومة الســوداني­ة لــردع قوات الدعم السريع، متهمة الأخيرة بتنفيذ اعتقالات تعسفية فــي العاصمة الخرطــوم خلال 2020 اســتهدفت عشرات المدنيين، بينهم نشــطاء سياسيون، من دون ســلطة قانونية، فضلاً عن مســؤوليته­ا عن قتل متظاهرين في أم درمان وكسلا.

وبينت المنظمــة، في تقرير نشــر على موقعها الإلكترونـ­ـي، أن المعتقلين احتجــزوا بمعزل عن العالــم الخارجي أو فــي ظروف تشــكل إخفاءً قسريا، داعية الســلطات لاتخاذ خطوات عاجلة لضمــان توقف قــوات الدعم الســريع عن العمل خارج القانــون، والإفــراج الفوري عــن جميع المحتجزين المدنيين.

وأوضحــت «رايتس ووتش» أنهــا وثقت عدة اعتقــالات غير قانونيــة للمدنيين فــي 2020 في الخرطوم من قبل قوات الدعم الســريع، المسؤولة عن انتهاكات جســيمة ضد المدنيين فــي دارفور ومناطق نــزاع أخرى، بين ســبتمبر/أيلول 2020 وفبراير/شباط 2021، كما قابلت أربعة محتجزين سابقين، وشخصين من أقارب المعتقلين، ومحاميا في قضايا احتجــزت فيها قوات الدعم الســريع مدنيين بشكل غير قانوني.

ونقلت عن معتقلين ســابقين قولهم إن «قوات الأمــن احتجزتهم بمعــزل عن العالــم الخارجي ومنعتهم من الاتصــال بمحامين وعائلاتهم طوال فترة احتجازهم، التي تراوحت بين أسبوع وأكثر من شــهر». كما نقلــت عن محتجزيــن قولهما إن «حراس قوات الدعم الســريع أساؤوا معاملتهما بدنيا».

وأكدت أن القوات المسلحة السودانية، بما فيها قوات الدعم السريع، ليست لديها سلطة قانونية لاحتجاز المدنيين أو القيام بمهام إنفاذ القانون، ما يجعل احتجاز المدنيين غير قانوني.

وزادت أنه بعــد وفاة بهاء الديــن نوري )45 عاما( فــي الخرطوم في ديســمبر/كانون الأول، أثناء احتجازه لدى قوات الدعم الســريع، أصدر النائب العام فــي 21 يناير/كانــون الثاني 2021 تعليمات تحصر صراحة سلطات اعتقال واحتجاز المدنيين في الشرطة والنيابة العامة، قائلا بشكل صريــح إن أي احتجاز من قبل قــوى أخرى غير قانوني، لكنها اســتدركت أنها لم تتمكن من تأكيد الخطوات التــي اتخذها النائب العام، إن وجدت، لضمــان إنفاذ شــروط التعليمــا­ت، مثل تفتيش مواقع الاحتجاز غير القانونية.

اختطاف وقتل

ونقلــت المنظمة عن محمد نوري، شــقيق بهاء الديــن نوري، قولــه إن الشــهود رأوه يتعرض للاختطاف على أيدي مسلحين بملابس مدنية في جنــوب الخرطوم في 16 ديســمبر/كانون الأول، ثم بعد خمســة أيام، تلقت الأسرة مكالمة تخبرهم أن بهاء الدين توفي وأن جثته كانت في مشــرحة مستشفى في أم درمان.

وقال شــقيقه: «ذهب قريب آخر إلى المشرحة ورأى كدمــات ظاهرة على جســد بهــاء الدين، وضغط علينا مدير المشرحة لاستلام الجثة وقبول تقرير التشريح الذي يشير إلى وفاة نوري بسبب المرض، لكننا رفضنا .»

وحسب التقرير، في 27 ديسمبر/ كانون الأول، أجرى أخصائيو الطب الشــرعي تشــريحا ثانيا

للجثة بناء على تعليمات من النائب العام، ووثّق تقرير التشــريح الثاني إصابات، منها نزيف في الدماغ نــاتج عن صدمة بأداة غيــر حادة، والتي تتفق مع الضرب، والتي أدت إلى وفاة بهاء الدين نوري، فــي اليوم نفســه اعترفت قــوات الدعم السريع في بيان بوفاة بهاء الدين أثناء احتجازه من قبل مخابراتها، وأنها أســقطت الحصانة عن المســؤولي­ن المعنيين وســلمتهم إلى النائب العام، كما أمر النائب العام باعتقال مدير المشرحة، بتهم منها عرقلة سير العدالة المتعلقة بهذه القضية، ولم يُعلَن عن أسماء ورتب المعتقلين.

نوري أوضح أنه «بالنسبة لنا، ينبغي ألا تكون القضيــة ضد من عــذب أخي فحســب، بل يجب محاســبة جميــع المتورطين بمن فيهــم من أصدر الأوامر وساعدوا وساهموا في وفاة أخي.»

وقابلــت «رايتس ووتــش» أربعــة معتقلين ســابقين احتجزتهم قوات الدعم السريع بطريقة غير قانونية في 2020 قالوا إن القوات احتجزتهم في موقعين في شرق الخرطوم، لا يعتبر أي منهما موقع احتجاز قانونــي أو معترفا به، وهما عبارة عن مكاتب ومســاحات معيشــة أكثر مــن كونها زنزانات، ويُعتقد أن أحــد الموقعين تابع لما تصفه قوات الدعم الســريع بفرع المخابــرا­ت، ويقع في منطقة المنشية السكنية والثاني في مجمع الرياض في المركز الرئيسي السابق لوحدة عمليات «جهاز الأمن والمخابــر­ات الوطني». ثلاثــة من المعتقلين قالوا إن محتجزيهم عرّفوا عن أنفســهم على أنهم ينتمون إلى فرع مخابرات قوات الدعم السريع.

أصفاد ضيقة

وأوضح رجــان منهم أن مســلحين مجهولين يرتدون بزّات عسكرية أوقفوهما في 22 أغسطس/ آب 2020 وأخذوهمــا إلى مبنــى مخابرات قوات الدعم السريع في المنشــية، ثم نقلوهما لاحقا إلى الرياض. أمضى كلاهما حوالى الأسبوع في عهدة قوات الدعم الســريع قبــل أن يُنقلــوا إلى عهدة الشــرطة. وُجهت إليهما تهم تتعلــق بالإرهاب، ولكن أفْرِج عنهما بكفالة.

أحد المعتقلــن، وعمره 25 عاما، أشــار إلى أن جنود قوات الدعم الســريع كبلوا يديه بينما كان يتلقــى العلاج في الوحــدة الطبيــة للقوات في الخرطوم بحــري، وقال: «أمر ضابــط من قوات الدعم الســريع جنوده بتكبيلنــا وتوثيقنا بينما كنا نتلقى العلاج، حتى أنهم كبلوا وأوثقوا معتقلا لديه مشــاكل في القلب وهو موصــول إلى جهاز مراقبــة القلب، تركونا مكبّلين فــي زنزانة لمدة 24 ساعة، كانت غرفة باردة، اشتكينا إلى الحرس أن الأصفاد ضيقة جدا، لكنهم لم يهتموا.»

وأضــاف أن عائلتــه تحدثــت إلى الشــرطة

والنيابة العامة للحصول على معلومات عن مكانه لكنهم لم يتلقوا أي معلومات.

معتقل سابق عمره 33 عاما، بين كذلك أن قوات الدعم الســريع رفضت كشــف أســباب اعتقاله. وأضاف أن القوات منعته من الوصول إلى محام. وأمضــى ثمانية أيام فــي الموقعين فــي الرياض والمنشــية قبــل نقله إلى ســجن الهــدى التابع للحكومة المركزية.

وحســب تقرير المنظمــة، فــي 2020 اعتقلت قوات الدعم السريع أشــخاصا مرتبطين بموسى هلال، وهو قائد ميليشــيا من دارفور وقائد سابق للجنجويد متورط بجرائم خطيرة في دارفور بين 2002 و2005، ومعتقــل منــذ 2017، ويواجه تهما أمام محكمة عســكرية متعلقة بالنزاع المسلح في دارفور.

«خائن»

وأوضح أن قوات الدعم الســريع اعتقلت عبد المالك موســى صالح )27 عاما( أحد أقرباء هلال، مرتين في 2020. فــي مارس/آذار، اعتقلته القوات واحتجزته لمــدة 33 يومــا في طابق ســفلي في المنشــية، قال إنه في يوم إطلاق سراحه نُقِل إلى مجمع الرياض، حيث أخضعه جنود قوات الدعم الســريع للضرب والركل لمدة 30 دقيقة، وشرح : «في البدء، لم يخبروني )قوات الدعم الســريع( بســبب توقيفي. ثم أخبرنــي ضابطان في ما بعد أنني خائن لأننــي انتقدت على فيســبوك قوات الدعم الســريع وقيادتها. كما تجاهلــوا طلباتي بالحصــول على محام أو أخذي إلى الشــرطة في حال كانت لديهم قضية ضدي.»

واعتقلتــه القوات مجــددا فــي يوليو/ تموز واحتجزته في طابق ســفلي في الرياض لمدة 14 يوما. ولم تُوَجه إليه أي تهم.

ووفق «رايتس ووتش» قوات الدعم الســريع اســتخدمت القوة المفرطة ضــد المتظاهرين في أم درمان فــي 30 يونيو/ حزيــران 2019، حين قُتل سبعة متظاهرين، كما إنها مسؤولة عن قتل خمسة متظاهرين في مدينة كسلا في شرق السودان في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

ردع الدعم السريع

وقالت ليتسيا بادر، مديرة القرن الأفريقي في المنظمة: «على الحكومة الانتقالية في الســودان ردع قوات الدعم الســريع، التي تكتسب مزيدا من السلطة دون أي أساس قانوني.»

وزادت أنه «من غير المقبــول مطلقا أن تحتجز القــوات العســكرية المدنيين بدل تســليمهم إلى الســلطات المدنيــة أو إطلاق ســراحهم إذا تعذّر

ذلك».

وأضافت: «إذا كانت الحكومة الانتقالية ملتزمة بالقطيعة مع ماضي البــاد الحافل بالانتهاكا­ت، فعليها ضمان أن يكون عمل قوات الدعم الســريع ضمن القانون. على الســلطات أن تقول بوضوح إن عناصر وضباط الأمن ســيخضعون للمساءلة بموجب القانون إن خالفوه».

ضرورة التحقيق

وطالبــت المنظمــة الســلطات «بالتحقيق في مصداقية الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والإخفاء القسري، وغيرها من الانتهاكات أثناء الاحتجاز، بما فيها وفاة أحد المحتجزين. إذا لزم الأمر، يمكن للســلطات المدنية متابعة أي دليل ذي مصداقية على ارتكاب معتقلين سابقين مخالفات جنائية وفقا للقانون.

ودعتها أيضاً إلــى التحقيق في جميع التقارير المتعلقــة بالاحتجاز التعســفي للمدنيين من قبل قــوات مثل قــوات الدعم الســريع، ومحاســبة المســؤولي­ن، وتســريع عملية إصلاح قطاع الأمن الضرورية على النحو المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية للحكومة الانتقالية».

وذكرت أنه بموجــب «الوثيقة الدســتوري­ة» الانتقالية السودانية، صُنّفت قوات الدعم السريع قوةً عســكرية نظامية، وقادت هذه القوات حملة قمع عنيفة ضد المتظاهريـ­ـن في 3 يونيو/حزيران 2019 فــي أحياء الخرطوم بالإضافــة إلى بحري وأم درمان المجاورتين، خلفت 120 قتيلا على الأقل ومئات الجرحى. وبينــت أن الحكومة الانتقالية واصلــت اســتخدام قــوات الدعم الســريع في السيطرة على الحشود وفرض الأمن.

وبينــت أن علــى الحكومــة الانتقالية المضي قدمــا في الخطط المنصــوص عليها فــي الوثيقة الدســتوري­ة لإنشــاء مفوضية وطنيــة لحقوق الإنسان تتماشــى مع المعايير الدولية. ويجب أن يشــمل تفويض هذه اللجنة الوصول إلى مرافق قوات الدعم السريع وســلطة الإبلاغ العلني عن النتائج والانتهــا­كات. بالإضافة إلــى ذلك، على الحكومة السماح للمنظمات الدولية ذات الصلة، بما فيها «مفوضية الأمم المتحدة الســامية لحقوق الإنسان» بالوصول إلى جميع مرافق قوات الدعم السريع، والتصديق دون تحفظات على «الاتفاقية الدوليــة لحماية جميع الأشــخاص من الاختفاء القســري» و«اتفاقيــة الأمم المتحــدة لمناهضــة التعذيب».

وحســب «رايتــس ووتــش» «كي يكــون أي حرمان من الحرية مشــروعا، يجــب أن يتم على أســس ووفقا لإجراء منصوص عليه في القانون المحلي يتوافق مع أحــكام القانون الدولي لحقوق الإنســان، ويجب أن تكــون ســلطات التوقيف دقيقة، وواضحــة، ومعروفــة للجمهور، ويجب أيضــاً أن يضمن القانون حظــر الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والحرمان السري من الحرية في جميع الظروف، إذ لا يمكن احتجاز الأشخاص بشــكل قانوني إلا في أماكــن احتجاز معترف بها رسميا».

وذكرت المنظمة أنه خلال عهد عمر البشــير في الســودان، بين 1989 و2019، كانت الاعتقال غير القانوني ممارســة منتشــرة من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وأدت تعديلات قانون الأمن القومي في يوليو/تمــوز 2020 إلى إزالة صلاحية التوقيف والاعتقــا­ل من الجهــاز الأمني وإعادة تسميته ليصبح «جهاز المخابرات العامة».

 ??  ?? وقفة احتجاجية في السودان للمطالبة بكشف قتلة بهاء الدين نوري
وقفة احتجاجية في السودان للمطالبة بكشف قتلة بهاء الدين نوري

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom