Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: في مواجهة بايدن للسعودية ... المصالح تغلبت على حقوق الإنسان وقيمه

- لندن - «القدس العربي»

قال مراســل صحيفــة «نيويــورك تايمز» بن هبــارد إن الولايــات المتحدة التــي اتهمت ولي العهد الســعودي محمد بن ســلمان بإصدار أمر لقتل الصحافي جمال خاشــقجي حذرة من قطع العلاقات مع شــريك عربي مهم. وقال إن الرئيس جوزيف بايدن في مواجهته مع السعودية يسير على خيط رفيع.

وأضاف أن الرئيــس بايدن وإدارته يتحدثان بشــكل أقل عن المصالح المحســوبة فــي التعامل مــع بقيــة العالــم وأكثر عــن حقوق الإنســان والديمقراط­يــة التي ســتقودهم. ولكــن تعامل الإدارة فــي الاســبوع الماضي مع نشــر التقرير الاســتخبا­راتي الذي توصل إلى نتيجة أن محمد بن ســلمان وافق علــى العملية التــي أدت لقتل الصحافي المعارض خاشــقجي، تفوقت المصالح الإستراتيج­ية على حقوق الإنسان.

وحاولــت الولايــات المتحــدة تحقيــق نوع من المحاســبة للجريمة وفرضــت عقوبات على مســؤول أمني ســابق والوحدة الســرية التي قتلت خاشــقجي. ولكنهــا واجهت مشــكلة في فرض عقوبات مباشــرة على الأميــر محمد وما قد تتســبب به من تدهور في العلاقات مع شريك عربي مهــم وبالضرورة إغضاب ملك المســتقبل. وهو ما دعا بايدن للحذر والحفاظ على العلاقات مع السعودية.

وقال بن هبــارد إن التوتر الذي رافق الإفراج عن التقييــم الأمني يــوم الجمعة بــدا واضحاً مــن خــال التطــورات الجديدة فــي العلاقات الأمريكية- الســعودية ومنذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض وقد يعقد الكيفية التي ســيتفاعل فيها البلدان ويتقدمان للأمام. وبالنسبة لبايدن فقد كانت الســعودية ودائماً لاعباً سيئاً وأن ولي العهد هو مغرور ووحشــي سمح له بالإفلات من الكثير من التحركات المدمرة.

وبالنسبة للسعوديين فقد اندهشوا من تركيز الولايــات المتحدة علــى حالات حقوق إنســان مثل حالــة جمال خاشــقجي الــذي قتله عملاء سعوديون في القنصلية السعودية في إسطنبول عــام 2018. ويخشــون مــن أن تكــون العلاقة الأمريكية - السعودية المثمرة ضحية للسياسات المحليــة الأمريكيــ­ة أو الرغبة الجديــدة للإدارة بالعودة إلى المفاوضات مع إيران.

محل للجدل

وأصبــح الأمير محمــد محلاً للجــدل خلال صعوده إلى السلطة منذ تولي والده الملك سلمان عرش السعودية عام 2015. ومدح السعوديون الأمير البالغ من العمر 35 عاماً وجهوده لتنويع الاقتصاد وتدجين الشرطة الدينية ورفع القيود عن المرأة. وأثنى المســؤولو­ن الأمريكيون على هذه التغييرات لكن صعود الأمير محمد رافقته أفعال جعلتهم يجفلــون: قتل المدنيين في اليمن بأســلحة أمريكية الصنع، اعتقال الناشــطين ورجال الدين وتهميش الأمــراء الذين عرفتهم أمريكا ووثقت بهم.

وتعامل التقييــم والعقوبات مــع معظم هذه التجاوزات: إنشــاء الأمير محمد لوحدة ســرية عرفت بقوة التدخل الســريع لملاحقة المعارضين في الداخل والخارج. وباستهدافه­ا للوحدة قالت وزيرة الخزانة جانيت يلــن إن الولايات «تقف متحدة مع الصحافيين والمعارضين السياســيي­ن فــي معارضتها لتهديدات العنف» و «ســتواصل الدفاع عــن حريــة التعبير التي تعتبر أســاس المجتمع الحر». ويقول بن هبارد إن ما عقّد القرار الأمريكي في كيفيــة التعامل مع ولــي العهد هو احتــكاره الكامل لمفاصل الدولة والســلطة التي منحها له والده الملك سلمان.

ويقول ديفيد راندل السفير الأمريكي السابق فــي الرياض إن الملــك البالغ من العمــر 85 عاماً والمريض فوض ســلطات ضخمة لابنه ليمنع أي معركة خطيرة على الخلافة بين الأمراء الشباب. وقال «قصر الملك الدائرة من خلال وضع شخص واحد في موقع المسؤولية وهندس عملية تهميش كل المنافسين» و»لا يوجد الآن شخص في المرتبة الثالثة .»

ومنذ تولي بايدن السلطة سرى في الرياض نوع من القلق والغضب، وبخاصة بعد انتقاده الســعودية وتوعده بجعلها «منبــوذة» وأنه سيعيد ضبط العلاقات الأمريكية - السعودية. وعلــق بايــدن صفقــات الســاح الأمريكــي للســعودية وتجنب التعامل مباشــرة مع ولي العهد وأقر رفع السرية عن التقرير الأمني بشأن مقتل خاشقجي.

«شيطنة ولي العهد»

ووصف الســعوديو­ن تحركات بايدن بأنها محاولة منه لكي يميّز نفســه عن سلفه دونالد ترامب الذي أقام علاقات قريبة مع الأمير محمد وعبر صهره جارد كوشنر. وقبل صدور التقرير السري اتهم المحللون الســعودية إدارة بايدن بأنها تقوم بتغيير التقرير من أجل شيطنة ولي العهد واســتخدام­ه للتقرب من إيران على أمل تحقيق اتفاقية معها بشــأن ملفها النووي. فيما رفض آخرون التقرير بأنه لا يقوم على أدلة.

وكتب مهندس ســعودي علــى تويتر قائلاً «لم أســتطع أن أمسك نفســي وأنا أقرأ التقرير الاســتخبا­راتي عــن جريمة مقتل خاشــقجي وتذكرت الســيدة العجوز فــي دعاية إعلانية وهي تصــرخ: أيــن اللحــم». وقــال إن على السعودية تنويع مشــترياته­ا العسكرية ونقل اســتثمارا­تها مــن الولايات المتحــدة و»أثبت الأمريكيون مــرة بعد الأخرى أنهم شــركاء لا يمكن الاعتماد عليهم .»

ويقول بن هبــارد إن التوتــر حصل طوال الشــراكة الأمريكية - الســعودية التي وضع أسسها الرئيس فرانكلين روزفلت في لقائه بعد الحرب العالمية الثانية مــع الملك عبد العزيز آل ســعود حيث وعد بالدفاع عن السعودية ضد المخاطر الأجنبية مقابل تدفق النفط الرخيص. وفي الوقــت الذي قامــت فيه الشــراكة على مصالح إستراتيجية إلا أن القيم كانت مختلفة. وكشــفت بعض تصرفــات الأميــر محمد عن التناقض هذا مثل إجبــاره رئيس وزراء لبنان على الاستقالة وســجنه مئات الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض بتهمة الفســاد عام 2017. لكن لم تزعج هذه الحركات أكثر من إنشــائه قوة التدخل السريع لملاحقة المعارضــن الســعوديي­ن: أولًا عبــر الإنترنت واختــراق هواتفهم ثم البحث عــن تصفيتهم جسديًا.

وفي السنوات الخمس التي مضت على صعود الملك ســلمان تمت ملاحقة ســبعة معارضين في الخارج ونقلهم إلى السعودية. وفي الوقت الذي تعاونــت فيه الولايــات المتحدة مع الســعودية في قضايا مكافحة الإرهــاب والأمور الأخرى إلا أن وحدة ملاحقة المعارضين ظلت ســراً وأدارها مســؤولان مقربان مــن محمد بن ســلمان وهما مستشــاره ســعود القحطانــي الــذي فرضت الولايــات المتحــدة العقوبــات عليه فــي 2018 وأحمد عســيري المســؤول الأمني السابق الذي عاقبتــه الولايات المتحدة يــوم الجمعة. وكانت هذه العملية هي التي انفجرت في وجه محمد بن سلمان يوم الجمعة.

سيطرة مطلقة

وقــد توصل التقييم الأمنــي الأمريكي إلى أن «دعــم الأمير محمد اســتخدام أســاليب العنف لإســكات المعارضــن فــي الخــارج» و «كانت لــه ســيطرة مطلقــة علــى العمليــات الأمنية والاســتخب­اراتية فــي الســعودية» بشــكل لا يترك مجالاً للشــك أن قتلة جمال خاشــقجي لم يتصرفــوا بناء علــى قرارهم ولكــن بأمر منه. ورفضت الســعودية التقرير «الســلبي والخطأ وغير المقبول» وأكدت على تصميمها للحفاظ على الشراكة التي أقامتها منذ وقت طويل مع أمريكا.

ولم يعلق الأمير علناً على التقرير وليس من الواضح كيف ســيؤثر على علاقاته المستقبلية مع الولايــات المتحدة. ولن يتــم الترحيب به هناك فــي أي وقت قريب، مــع أن هذا قد يتغير عندما يصبح ملكا بعد رحيــل والده. وتحدث المسؤولون الســعوديو­ن عن تنويع علاقاتهم الدولية وأن التدهور قد يتسرع في ظل بايدن. وقال رانــدل «لو دفع بايدن بعيــداً فقد يفتش الســعوديو­ن عن أماكن أخرى ولديهم خيارات الآن أكثر من أي وقت مضى.»

وتحسنت علاقات السعوديين مع روسيا في ظل الملك سلمان وينســق البلدان في سياسات النفط. وزادت العلاقات مع الصين التي تحولت لشــريك تجاري والتــي تتجنب انتقاد ســجل حقوق الإنســان في الســعودية. لكن المحللين الأمريكيــ­ن يــرون أن العلاقات بــن البلدين عميقة ولا يمكن التخلي عنها بســرعة. فقد قال برنــارد هيكل من جامعة برنســتون «لا شــك أن الســعوديي­ن سيرسلون إشــارات للولايات المتحــدة ويحوّطــون أنفســهم بوضع بعض البيــض في ســلة الصين وبيضــات أخرى في ســلة روســيا » «لكن لا أحد يمكنه الحلول محل أمريكا عندما يتعلق الأمر بالسعودية» ولا يمكن للســعوديي­ن البحث عن جهة أخــرى وبطريقة جدية.

 ??  ?? عناصر من القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وبسلاح أمريكي تصل إلى الدريهمي على بعد كيلومترات من مطار الحديدة الدولي
عناصر من القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وبسلاح أمريكي تصل إلى الدريهمي على بعد كيلومترات من مطار الحديدة الدولي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom