Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل تتابع عن كثب موقف إدارة بايدن من السعودية وتأثيره على المنطقة

- الناصرة ـ «القدس العربي»:

تبــدي جهــات غير رســمية فــي إســرائيل قلقها على الســعودية في ظــل الموقف الســلبي لــإدارة الأمريكية الجديدة حيالهــا، تزامنا مع توتر غير خفــي بين الرئيس بايدن وبــن رئيس حكومــة الاحتلال بنيامــن نتنياهو الذي ســبق وانحاز للحزب الجمهوري وأدار ظهره للحزب الديمقراطي.

ويعتبر القنصل الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة أن تقريرها حول اغتيال الصحافي جمال خاشقجي مؤشر إلى تغيير موقفها من السعودية.

ويرى بينكاس في مقال نشــرته صحيفــة "هآرتس" إن عناويــن الصحافة العالمية في الأيــام الأخيرة حول علاقة الولايات المتحدة والســعودي­ة متناقضــة. ويقول إنه من جهة، تم الادعاء بصورة دراماتيكيـ­ـة أن الولايات المتحدة تعتبر ولي العهد الســعودي، محمد بن ســلمان، المسؤول المباشــر عن قتل الصحافــي جمال خاشــقجي، ومن جهة اخرى، نشــرت عناوين مخيبة للآمال عــن " تقرير لم يأت بجديد".

ويتســاءل كيف يمكــن حــل التناقض بــن العناوين والتحليلات؟ عن ذلــك يتابع بينــكاس "يفترضون أنه لا يوجد حقا أي تناقض وأن الزاويتين صحيحتان. من ينظر إلى التقرير على أنه لائحة اتهام تستند إلى دلائل وشهادات في محاكمة قتل، وينظر إلى الرئيس الامريكي بايدن كعضو فــي هيئة محلفين، خاب أمله، ومن ينظــر إلى الوثيقة على أنهــا بيان جيوسياســي وتحذير للســعودية على صعيد العلاقات بــن الدولتين وضربة للســعودية على الصعيد الاقليمي، يمكن أن يســتنتج بأن لهذا التقرير وزنا وأهمية كبيرة".

ويــرى أيضا أنــه يمكن توقــع غموض فــي المعارضة الســعودية لاســتئناف الاتفاق النووي مع إيران وإعادة انضمــام الولايات المتحــدة إلى الاتفاق بشــروط معينة، معتبرا أن العلاقات بين الولايات المتحدة والســعودي­ة غير قوية مثلما كانت. ويضيف ضمن إشــارته إلى تراجع مكانة الســعودية "صحيح أن الســعودية تعتبر حليفة مهمة في الشرق الأوســط، وبالتأكيد في السياق الإيراني، لكن زمن سطوع الســعودية في عهد بوش الأب وبوش الابن، الذي كان فيه الأمير بندر بن ســعود يدخل إلــى البيت الأبيض ويخرج منه كما يريد، انتهى".

ويستذكر بينكاس أن بايدن اعتبر في حملته الانتخابية الســعودية دولة منبوذة، ليست لها أي أهمية إيجابية وقد كان يقصد ســجل حقوق الإنســان والمواطن فيها وعملية قتل خاشقجي وغيرها. ويقول إنه "في الوسط كانت إدارة ترامب: في عهــده أغدقت عليها صفقات الســاح ومحمد بن ســلمان وصف، بمساعدة حلفاء في وســائل الاعلام، بأوصــاف الولد المحبب لتومــاس جيفرســون وابراهام لنكولــن: اصلاحي، مجــدد، ليبرالي، يبشــر بعالم عربي جديد، شــجاع وجريء. هذا ما يريد بايــدن تغييره الآن. هو لا يحطــم الأدوات، لكنه لا يتردد في نشــر، حتى لو لم يكن هناك تحديــث دراماتيكي في البينــات. ربما لا يوجد في اليوم الأخير بيان قاطع مــن البيت الأبيض على فرض عقوبة شــخصية وعقوبات أمريكية على محمد بن سلمان، لكن توجد هنا دلائل تشير إلى بدء ما اعتبره بايدن "إعادة موازنة" للعلاقات".

موقف غير متشدد

ويوضــح بينــكاس "يقــول التقرير الأمريكــي في هذا الســياق إن ولي العهد السعودي أمر وصادق وكان يعرف عن قتل الصحافي خاشــقجي، ولكن هــذه حقائق معروفة مصدرها المخابــرا­ت التركيــة، تحولت إلى لائحــة اتهام علنية ضد بن ســلمان والسعودية من قبل الرئيس التركي اردوغان". كذلك يشــير إلى أنه إضافة إلــى ذلك، التقرير

لا يقدم "مسدســا مدخنا" ولا يدعم بالبينــات القول بأن بن ســلمان حقا عرف مســبقا عن نية القتل وتقطيع جثة خاشقجي، معتبرا أن غياب هذه البينات سهّل على بايدن عدم اتخاذ خطوة شــخصية متشدّدة ضد بن سلمان وأن يهز العلاقات الهشــة بين الدولتين. وبرأيــه يفوّت بايدن هنا فرصة القيــام بأمرين: تثبيت الســعودية في مكانها الجديد في ســلم الأولويات الأمريكية ومعاقبة بن سلمان واســتخدام الضغط عليــه من أجل تخفيــف قمع حقوق الإنسان داخلها.

ويعتقد بينــكاس أن أي ضــرر في العلاقــات لم يكن ليحدث أصلا، وأن الادعاء بأن الســعودية حيوية كوزن مضاد ضد إيران ينسى حقيقة بسيطة وهي أن السعودية هي التي تحتاج الولايــات المتحدة وليس العكس. ويتابع "لذلك، بايدن كان يمكن أن يكون اكثر تشــددا ضد شخص أمر بقتل صحافي ســعودي عمل في" واشــنطن بوست"، وبعد ذلــك هدد بيــزوس، صاحب الصحيفــة الذي دعم بايدن، وهدد شــركة أمازون التي تشــغل أكثر من مليون موظف في الولايات المتحدة ".

بين الرياض وأنقرة

وبرأي بينــكاس فإن قوة التقريــر الأمريكي تتمثل في بعدين: علاقات الولايات المتحدة مع السعودية وتأثيرها على المنطقــة. ويرى أنه يجب عــدم التقليل من خطورته فــي كل ما يتعلق بالعلاقة بــن الدولتين. ويقول إن محمد بن ســلمان هو ضيف غير مرغوب فيه في البيت الأبيض والولايــا­ت المتحدة ســتتحدث معه حول مــا هو حيوي وملح، لكن عزله، إلى جانب أوروبا، يمكن أن يثير معارضة داخلية.

ولا يستبعد الدبلوماسـ­ـي الإسرائيلي أن تتضرر مكانة محمد بن سلمان ولفترة طويلة، أو ربما أنه سيعدل نفسه ويتساوق مع الولايات المتحدة بصورة كاملة في السنوات الأربع المقبلة. ويعتبر أن البعد الجيوسياسي هو المهم هنا، أولا، الولايات المتحدة أوضحت أن الدفاع عن الســعودية يخضع مــن الآن إلى شــبكة اعتبارات أمريكيــة. ويقول

إنه في هذا الســياق فإن تصريح بايدن فــي خطابه قبل أسبوعين حول توقف واشنطن عن دعم الحرب السعودية في اليمن هو تصريح مهم.

وثانيــا، يوجد فــي هــذا ايضا دعــم معــن لتركيا، العــدوة الكبيرة للســعودية في الســنوات الأخيرة، في طريق تحســن العلاقة بين واشــنطن وأنقرة. وفي البعد الجيوسياسـ­ـي يقول بينكاس أيضا: ثالثــا، الجزء الأهم هو إيران إذ ليس من الواضح بعد مســار عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وشــروطه والجدول الزمني الذي ســيتم فيه. ويضيف "لكن نشــر التقرير اســتهدف تخفيف انتقادات الســعودية وإيجاد محفز سلبي لتمويل حملة علاقات عامــة وعمل لوبي في الكونغرس ضد عودة أمريكا إلى الاتفاق. التقرير يوضح أيضا للسعوديين: "أنتم لن تجروا الولايــات المتحدة إلى حرب ضــد إيران خلافا لرغبتها، أو ضد مصالحها أو جدولهــا الزمني". ويخلص بينكاس للقول "ربما لن تتم مصادرة تأشــيرة بن سلمان الدبلوماسـ­ـية لزيارة الولايات المتحدة وربما أن التقرير لا يشكل لائحة اتهام قاتلة من ناحيته، لكن من المشكوك فيه أن يكون قد استخف به".

التطهرية والأخلاقية ليستا بديلا عن السياسة الخارجية

وفي سياق الرؤية الإسرائيلي­ة غير الرسمية للتوجهات الخارجيــة لــإدارة الأمريكية الجديدة يحــاول محاضر إسرائيلي في العلوم السياســية توجيه سياسات بايدن ويزعــم أن علــى الإدارة الأمريكيــ­ة الفهم بــأن المواقف الأخلاقيــ­ة والتطهريــ­ة لا يمكنهــا اســتبدال السياســة الخارجية، أو مصالح الدول".

ويقول البروفيســ­ور ايال زيســر بلهجــة لا تخلو من السخرية إنه بعد كل شيء، فإن الشرق الأوسط كالمرجل: الإيرانيون يشــحذون الســيوف، وفي محاولة واضحة لاختبــار الإدارة الأمريكية بادروا بـــ "هجمات ارهابية "ضد جنــود الولايات المتحدة في العــراق. ويتابع "مع ان الهجوم على سفينة نقل بملكية إسرائيلية في مياه الخليج الفارســي كفيل بأن يشهد على ارتفاع درجة في الجسارة،

وبالأساس في تصميم الإيرانيين. ولكن لا تقلقوا… يتبين أنه ليســت إيران هي التــي توجد في بؤرة الاســتهدا­ف الأمريكية بل السعودية بالذات، صديقة واشنطن. بالفعل، في الأســابيع الأخيرة توجــه إدارة بايــدن الضربة تلو الضربة إلى رأس الســعوديي­ن، كل واحدة منها أكثر إيلاما وأهمية من سابقتها" .

الحوثيون في اليمن

ويشير بداية لشــطب واشنطن الحوثيين في اليمن من قائمــة "منظمات الإرهــاب"، أولئك الذيــن يديرون حرب اســتنزاف ناجحة، بمســاعدة إيرانية، ضد السعودية. ويرى أن الأمريكيين يأملون على ما يبدو في شــراء قلوب الحوثيــن وقطعهم عن إيران، وفي وقــت لاحق تجاهلوا ملك الســعودية إلى أن نال المكالمة الهاتفية المنشــودة من بايدن". ولكن الآن جاءت الضربة الأكثر إيلاما برأي زيسر وهي نشــر التقرير الاســتخبا­راتي الأمريكي الذي يرجح تورط بن ســلمان في قتــل الصحافي جمال خاشــقجي. واســتذكر إعلان واشــنطن رغبتها بفرض عقوبات على مسؤولين كبار في أجهزة الأمن والاستخبار­ات السعودية ممن يحيطون ببن سلمان.

اباحة دم السعودية

ويحذر الباحث الإســرائي­لي أنه في الشــرق الأوسط تفســر الخطــوات الأمريكية كتنكــر للعائلــة المالكة في السعودية. ويستذكر تبني واشنطن سياسة نقدية حيال شــاه إيران أيضا ومســاهمته­م بدورهم في سقوطه وفي صعود آيات الله. ويعرب زيســر عن قلقه على السعودية بقولــه "ينبغــي الأمل ان العائلــة المالكة في الســعودية ســتتمكن من مواجهة التحدي وألا تكرر خطأ الشاه الذي اعتمد على الولايات المتحدة ان تساعده عند الضائقة".

ويمضي في توجيــه الانتقادات للسياســة الأمريكية ويدعي ان الوهم بالنسبة لإصلاح العالم في كل ما يتعلق بالشرق الأوســط فشل فشــا ذريعا قبل عقد. ويقول إن الربيــع العربي، الذي علق الأمريكيــ­ون عليه آمالا عظام، انتهــى نهاية بشــعة. كذلك يدعــو الباحث الإســرائي­لي واشنطن للتفكير بالبدائل الماثلة أمامهم، أي إذا كان ينبغي تفضيــل الســعودية، الحليفة القديمــة ومحاولة إصلاح ســلوكها من خلال حوار ســري وثاقب أم اختيار إيران، العدو اللدود لكل ما تمثله أمريكا.

سخرية من اردوغان

ويصعد انتقاده للمواقف الأمريكية بالقول إن السعودية "على ما يبدو" اغتالت صحافيا معارضا لها، ويقول إن هذا الأمر نفســه فعله عدد غير قليل من الانظمة في العالم، من أصدقاء واشــنطن ومن معارضيها. ويتابع "وبالمناســ­بة، فإن الأمريكيين ايضا ســاهموا في أمــور كهذه في الماضي غير البعيد. إن خطأهم الوحيد في أن اردوغان أمسك بهم متلبسين وهو محب كبير للديمقراطي­ة بحد ذاتها. ويخلص زيســر للقول " من يريد صداقة الولايــات المتحدة ينبغي أن يفهم حساســية الإدارة الأمريكية، المنصتة للرأي العام والإعلام. ولكن عندما تخرج هذه الإدارة "لإصلاح العالم" وفي واقع الأمر "لتدمير العالم القديم"، فإن عليها ان تأخذ النتائج بالحسبان" .

في طريقه للاتفاق مع طهران بايدن يحتاج السعودية

ويتقاطع مع زيســر زميله الباحث في شؤون الشرق الأوســط الصحافــي الدكتور تســفي بار إيــل الذي لا يستبعد أن الملك سلمان أيضا علم مسبقا بجريمة اغتيال خاشــقجي، ولكنه ينبه بالقول إنه عندما تنشر الإدارة الأمريكية استنتاجات تستند إلى "احتمالية عالية جدا" وإلى إدراك المكانة السياسية لمحمد بن سلمان دون طرح أي دليل اســتخبارا­تي مثل تســجيلات أو مراســات، وطالما أنها غير مســتعدة لكشــف كل المعلومات، يكون من الصعب تقديم محمد بن سلمان للمحاكمة على تنفيذ عملية قتل.

وهذا كما يبدو أيضا هو الســبب فــي أن الرئيس جو بايدن قرر عدم فرض عقوبات شــخصية على بن سلمان، بل فقط على من هم حســب المعلومات، شاركوا فعليا في القتل وبالإشراف المباشــر عليه، مثل مساعد بن سلمان وأمين أسراره، ســعود القحطاني، الذي كان رئيس هيئة الاتصالات في زمن عملية القتل. وبرأي بار إيل فقد تسبب القتــل بأزمة عميقة فــي العلاقات بين الســعودية وبين الجمهور الأمريكي والكونغــر­س، لكنه لم يضر بعلاقات المملكة بالرئيس الســابق دونالد ترامب، الذي منع نشر تقرير المخابرات وواصل حماية بن ســلمان. ويســتذكر أنه بســبب القتل وتورط السعودية في الحرب في اليمن فرض الكونغرس الحظر على بيع الســاح للســعودية، الذي تجاوزه ترامب ايضــا بعد أن أعلن بأن الامر يتعلق بشــؤون الامن القومي وفرض الفيتو على القرار. منوها انه في الوقت نفسه امتنع ترامب عن دعوة بن سلمان إلى البيت الأبيض مدة ســنتين وهي خطوة لم تشوش علاقة حميمة مع بن ســلمان، خاصة عبر صهــر ترامب، جاريد كوشنر".

ويقدر بأنه في هذه الأثناء التحالف غير الرســمي بين الســعودية واتحاد الإمارات وإســرائيل ضد إيران يعتبر عاملا مزعجا في واشــنطن. وإذا نجحت واشــنطن في أن تحيد على الأقل أحد هذه الرؤوس والتقليل بذلك من وزن معارضة الاتفاق النووي مع إيران، عندها لا تكون مطالبة بالرد على اتهامها بركل حلفائها واحتضان إيران، مثلما تم اتهام الرئيس باراك اوباما في حينه.

ويخلص للقول إن السعودية تظهر اليوم كدولة "سهلة" أكثر، من أجل استخدام الضغوط الأمريكية عليهاـ ومن هنا تأتي الحاجة إلى عدم تطبيق القانون على بن ســلمان أو على المملكة.

 ??  ?? محمد بن سلمان
محمد بن سلمان
 ??  ?? جو بايدن
جو بايدن

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom