Al-Quds Al-Arabi

اتهامات متبادلة واستدعاء سفراء: هل تفجر الخلافات العلاقات التركية الإيرانية؟

ثالث أزمة دبلوماسية بين البلدين خلال أسابيع

- إسطنبول ـ «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

تبادلــت تركيــا وإيــران، الأحد، اســتدعاء الســفراء في طهران وأنقرة بعــد يوم من تبادل الاتهامــا­ت حول الدولة التي «تنتهك الســيادية العراقيــة» فــي أحــداث أزمة دبلوماســي­ة بين البلدين تعتبر الثالثة خلال أســابيع وتكشــف حجم الخلافات بين البلدين اللذين ســعيا طوال السنوات الماضية إلى تحييد الخلافات والتعاون في العديد من الملفات الثنائية والإقليمية.

الأزمــة الأخيرة التــي تفجرت علــى خلفية تصريحات للسفير الإيراني في بغداد انتقد فيها العمليات التركية في شمالي العراق ورد السفير التركــي الحاد عليــه، جاءت بعد أيــام فقط من أزمة أخرى جرى احتواؤها ســريعاً بعدما نفت الخارجية الإيرانية تصريحات منســوبة لوزير الخارجية جواد ظريــف انتقد فيها الدور التركي بسوريا والعراق.

وكان ظريــف قد وجه فــي لقــاء تلفزيوني انتقادات للدور التركي في ســوريا والعراق، ما أغضب الجهات الرســمية التركية، لا سيما وأنه جاء بالتزامن مع اتصال بين أردوغان وروحاني، قبل أن تصدر الخارجية الإيرانية بياناً قالت فيه إن الوزير لم يوجه انتقادات لتركيا.

وســبق ذلك تصاعد التوتر بين البلدين عقب اتهــام تركيــا المخابــرا­ت الإيرانيــ­ة باختطاف معــارض إيرانــي مــن إســطنبول والعمل مع شــبكات إجرامية على الأراضــي التركية، وذلك بعــد فترة وجيزة مــن أزمة أخــرى وصلت حد استدعاء الســفراء، وذلك على خلفية بيت شعر ألقــاه الرئيس التركي رجب طيــب أردوغان في احتفــالات النصر بأذربيجــا­ن واعتبرته إيران مساساً بوحدة أراضيها.

وعلى الرغــم من نجاح البلديــن في احتواء الأزمــات التي تزايــدت في الآونــة الأخيرة، إلا أن تزايدها بشــكل لافت يظهــر حجم الخلافات الحقيقية بين البلدين ويفتح الباب واســعاً أمام التكهنات حول مدى نجاح البلدين في الاستمرار بسياسة تحييد الخلافات والتركيز على التعاون في ملفات الاتفاق، لا ســيما العلاقــات الثنائية وتجنب الصــدام في ســوريا وحجــم التبادل التجاري ومصادر الطاقة، وغيرها من الملفات.

والتصريحــ­ات المتتاليــ­ة مــن المســؤولي­ن الإيرانيــ­ن التي توجه انتقادات حــادة لتركيا، تأتي في وقت يجدد فيه الرئيس التركي مطالباته من الإدارة الأمريكيــ­ة بضرورة رفع الحصار عن إيران، وهو ما ولد انتقــادات من الداخل التركي بضرورة تعامل أنقرة بشكل أكثر حزماً مع طهران بسبب توالي مواقفها المنتقدة لتركيا.

كمــا أن تصاعد الخلافات التركيــة الإيرانية، يأتــي في وقــت تشــير الكثير من التســريبا­ت إلى وجــود اتصــالات تركية ســعودية لإعادة ترتيــب العلاقات بين البلدين، وهــو ما قد يدفع أنقــرة بالفعل إلى التجاوب بشــكل أســرع مع هذه المساعي لتوجيه رســالة لطهران بأن لديها خيارات للرد على الانتقادات الإيرانية المتصاعدة للدور التركي في سوريا والعراق.

أزمة «السيادة العراقية»

نشر موقع رووداو التابع لإقليم شمال العراق، السبت، مقابلة أجراها مع سفير إيران في العراق، إيرج مســجدي، يوم 23 فبراير/ شــباط الحالي، وفــي المقابلة دعا مســجدي تركيا إلــى «مغادرة العراق واحترام أراضيه» قائلاً: «نرفض التدخل العســكري في العــراق، وينبغي علــى القوات التركية ألا تشــكل تهديــداً أو أن تنتهك الأراضي العراقية». وعبر تويتر، ســارع الســفير التركي لدى العراق فاتح يلدز، للرد على تصريح السفير الإيراني، قائلاً إن مسجدي هو آخر شخص يمكن أن يلقن أنقرة درساً في احترام حدود العراق.

والأحد، اســتدعت وزارة الخارجيــة التركية الســفير الإيراني في أنقرة محمــد فرازمند، على خلفية تصريح السفير الإيراني في بغداد، وذكرت مصادر دبلوماســي­ة تركية أن الخارجية التركية أبلغت الســفير الإيراني رفض أنقرة الشديد لهذه الاتهامات، وأنهــا «تنتظر من إيران دعم تركيا في مكافحتها للإرهاب وليس الوقوف ضدها.»

وعلــى الفــور، ردت الخارجيــة الإيرانيــ­ة باســتدعاء ســفير أنقرة لدى طهران على خلفية تصريحــات لوزيــر الداخلية التركي ســليمان صويلو، حــول انتشــار منظمة «بــي كا كا» في الأراضي الإيرانية، حيث أبلغت الخارجية السفير رفضها لتصريحات الوزير التركي، كما اعتبرت رد الســفير التركي بالعراق على تصريحات نظيره الإيراني بأنها «غير مبررة».

إلا أن إيــران حاولت، أمس الاثنــن، احتواء الأزمة، إذ أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ســعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحافي بطهران، الإثنــن، أن حكومتــي إيــران وتركيــا متفقتان بشــأن حماية وحــدة أراضي العراق وســيادته الوطنية. وأضاف أن تصريحات السفير الإيراني لدى العراق بحق أنقرة «قد أســيء فهمها، وتمت إزالــة هذا الوضع من خــال المباحثات بين تركيا وإيران».

أزمة ملاحقة المعارضين

كانت تركيا في الأشــهر الأخيرة ســاحة لعدة عمليات نفذتها المخابرات الإيرانية ضد معارضين على الأراضــي الإيرانية، كان أبرزهــا اختطاف معارض بارز من إســطنبول ونقله إلى الأراضي الإيرانية، وسبقها بأشــهر عملية اغتيال لمعارض آخر وسط إســطنبول، وهو ما أغضب السلطات التركية ودفعها لتنفيذ عمليات أمنية اســتهدفت شــبكات متهمة بالتعاون مع المخابرات الإيرانية وطالت الاعتقالات أيضاً دبلوماسياً إيرانياً.

والشــهر الماضي، قالت صحيفة «ديلي صباح» التركية المقربة من الحكومة، إن السلطات التركية اعتقلت موظف القنصلية الإيرانية في إسطنبول محمد رضا ناصــر زاده، بتهمة مســاعدة الرجل الذي دبــر اغتيال المعــارض الإيراني مســعود مولاوي فاردانجاني في عام 2019 في إسطنبول، قبل أن تنشــر الوكالة الرســمية مقاطــع فيديو لاعتقال الدبلوماسـ­ـي في مطار إسطنبول، «وهو يحاول الهروب من تركيا».

وكان فاردانجانـ­ـي قــد قتل فــي 14 نوفمبر/ تشــرين الثاني 2019 عندما أطلق عليه النار رجل يُدعــى عبد الوهاب كوجــاك، واعتقل محمد رضا ناصر زاده، الــذي كان يعمل في دائرة الســجل المدني في القنصلية، بقرار من المحكمة بعد شهادة قدمها سيافاش أبازاري شلمزاري للمحققين، وهو المشتبه به الذي ساعد إسفنجاني على الفرار إلى إيران بعد القتل.

وقبــل أســابيع، نفــذت المخابــرا­ت التركية عملية أمنية واســعة ضد شــبكة مخدرات تابعة لزعيم مافيا مرتبط بالمخابــر­ات الإيرانية، متهمة بالمســؤول­ية عن اختطــاف الناشــط الأحوازي حبيب شعب من إسطنبول ونقله إلى إيران. حيث جــرى اعتقال 11 شــخصاً مرتبطــن بالمخابرات الإيرانية متهمين بالمشــارك­ة بالعملية التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وفــي نهاية العــام الماضي، تفجــرت أزمة بين تركيا وإيران على خلفية بيت شعر ألقاه أردوغان في «احتفالات النصر » التي نظمت في باكو احتفالاً بانتصار الجيش الأذربيجان­ي في معركة قره باغ وطرد القوات الأرمينية من مناطق مختلفة ومنها الحدود الأذربيجان­ية مع إيران، حيث يعيش على الجانب الإيراني ملايــن المواطنين الإيرانيين من أصــول تركية/أذرية، وهو ما دفــع إيران لاعتبار كلمة أردوغــان دعوة انفصاليــة موجهة للداخل الإيراني ووصفتها بأنها «مساس بوحدة الأراضي الإيرانية».

وبــدأت الأزمة عندمــا انتقد ظريــف قصيدة أردوغان مستخدماً لغة وصفت بـ«القاسية وغير المسبوقة» في العلاقات بين البلدين، وكتب ظريف عبر تويتر: «لــم يجر إخطار الرئيــس أردوغان بأن ما أســاء ترديده في باكو يشير إلى الانفصال القســري للمناطــق... عــن الوطــن )الإيراني( الأم» كما اســتدعت الخارجية الإيرانية الســفير التركي في طهــران وأبلغته بــأن «حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والإمبراطو­ريات التوســعية قد انقضت.. لن تسمح إيران لأحد بالتدخل في وحدة

أراضيها .»

ورداً على الخطاب الإيراني المرتفع، اســتدعت الخارجية التركية الســفير الإيرانــي لدى أنقرة، معربة عن اســتيائها من «ادعاءات لا أساس لها، وجهتهــا طهران بحــق أردوغــان » ووصف فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاســة التركيــة، التصريحات الإيرانيــ­ة بـ«العدوانية» ضمن تراشــق رســمي وإعلامي غير مسبوق بين البلدين.

ولاحتواء الأزمة، جرى اتصال هاتفي بين وزير خارجية البلدين، قبل أن تعلن الســفارة التركية في طهران في بيان لها «إزالة سوء التفاهم.»

 ??  ?? أرشيفية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته تشاووش اوغلو في أنقرة
أرشيفية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته تشاووش اوغلو في أنقرة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom