Al-Quds Al-Arabi

وسط انتقادات شعبية و«أزهرية»: السيسي يدعو لحذف آيات قرآنية من المناهج التعليمية... لـ«تجديد الخطاب الديني»

- تسفي برئيل

■ عاصفة كبيــرة ثارت هذا الشــهر في مصر عقب توجيهــات الرئيس عبد الفتاح السيســي لإلغاء آيات من القرآن الكــريم والأحاديث من الكتب المدرســية. هذا الرئيس الذي يدفع قدماً بفكرة «تجديد الخطاب الديني» في مصر منذ ســنوات، أوضح بأن هذه الآيات قد يفسرها المعلمون بصورة غير مقبولة، ويروجون لأفكار متطرفــة. يريد حصر تعليم القرآن والأحاديث في حصص الدين فقط وعدم استخدامها في حصص التاريخ واللغة والجغرافيا.

علماء الشــريعة ورجال مؤسسة الأزهر، المســؤولة عن فحص المناهج التعليمية والثقافة والإعلام، في كل ما يتعلق بالشــؤون الدينية وملاءمتها مع الشريعة، يعارضون هذه التعليمات بشدة ويحاربون ضد ما تم اعتباره «أجندة السيسي» لتغيير مكانة الدين. وحسب أقوالهم، يسعى الرئيس إلى تقويــض الوضع الراهن بين النظام والدين، الذي كان في فترة الرئيس أنور الســادات والرئيس حســني مبارك. ويعتبر تعليم الديــن مصدراً للإرهاب وتهديداً للدولة.

السيســي شــخص مؤمن، لكن عندمــا يتعلق الأمر بمحاربــة التطرف الديني، خاصة الذي يمثله -حســب رأيه- الإخوان المسلمون، فهو لا ينوي التنازل. وإذا اقتضت الحاجة، فإنه ســيهاجم رئيس الأزهر ومؤسســاته، لأنهم لا يكيفون أنفسهم مع تعليماته.

جــرى في لجنة الدفاع والأمــن القومي في البرلمان، هذا الشــهر، نقاش خاص حــول التعليمــا­ت الجديدة، أوضح فيــه نائب وزيــر التعليم، رضا حجازي، بأنه اعتباراً من الســنة القادمة ســيدخل كتاب جديد إلى المنهاج التعليمــي يطرح الوجه الليبرالي للدين ويؤكد على ما هو موحد بين الأديان ويحث على التســامح. أثار هذا النقاش انتقاداً عاماً ســواء ضد إجرائه في لجنة الأمن القومــي وليس في لجنة التعليم في البرلمان المفوضة بمناقشــة مناهج التعليــم، أو ضد مضمون التوجيهات. «الهــدف هنا هو تفريغ الكتب التعليميــ­ة من المضمون الديني»، هكذا اتهم الدكتور محمود عطية، الذي كان عضــواً في لجنة التعليم، الرئيس. وأضاف بــأن «العلاقة بين المحتوى ولغة القرآن تخلق كلاً واحــداً». أي أن من يتعلم اللغة العربية لا يمكنه أن يفصلها عن الآيات القرآنية.

أما ســامة عبد القوي، المدير العام لوزارة الأوقاف الســابق، فقد ذهب بعيداً في انتقاده. ففي مقابلة أجراها مع موقع «عربي 21» أوضح بأنه «علينا الحذر من أجنــدة تغيير الهويــة المصرية، التي هي الهوية الإســامية. من الواضح أن الرئيس ضد الإسلام منذ بدأ التحدث عما يسمى تطوير الخطاب الديني وتجنيد جميع وســائل الإعــام لديه لمهاجمة الأزهر ومن يترأســه

والدين الإسلامي».

«تطهير» الكتب التعليمية ليس طلباً جديداً، فمنذ العام 2015 أمر الرئيس السيسي بشطب تعبيرات وأجزاء بل وكتب كاملة من المنهاج التعليمي؛ لأنها اعتبرت مشجعة على العنف والتطرف الديني. ما زالت مصر تذكر كيف قامت بثينة كشــك، المديرة الســابقة لوزارة التعليم في محافظة الجيزة، بإحراق كتب أصدرها الإخوان المســلمون في 2015م، وأعلنت: «يشرفني إحراق كتب الإخوان المســلمين». أقيلت كشــك من عملها في حينه، ولكن لم تتلاش خطة تطهير الكتب.

فكرة تجديد الخطــاب الديني ترافق مصر منذ أجيال. كتب المفكر المصري الكبير طه حســن في 1938 بأنه يجــب على الدولة الإشــراف على المنهاج التعليمي في المدارس الأساســية والثانوية في مؤسسات الأزهر. «هذه بيئة محافظة تمثل الفترة الســابقة ونمط التفكير القــديم أكثر مما تعكس الفترة الحديثة ونمــط التفكير الجديد... وثمــة موضوع آخر يجــب الانتباه إليه وتعديله، وهو نمــط تفكير الأزهر القديم الذي يصعّب على الجيل الحالي من خريجي الأزهر هضم القومية وحب الوطن بمعناه الأوروبي الجديد»، (كتاب «مســتقبل الثقافة في مصر».) طه حســن، الذي كان مرشحاً لـ 14 مرة لنيل جائزة نوبل للآداب، وشغل منصب وزير التعليم في مصر، تصادم هو نفسه مع الأزهر، وســحبت منه إجازته التي حصل عليها من الأزهر بسبب الانتقاد الشديد الذي كتبه ضد الأزهر وأسلوب التعليم ومنهاج التعليم فيه.

السيسي غير ملحد أو من أتباع القومية المتنورة والليبرالي­ة التي تفصل بين الديــن والدولة بصورة متعصبة. يدير معركة سياســية وعســكرية لا هوادة فيها ضد الحركات الدينية، بالأساس حركة الإخوان المسلمين، بدرجة لا تقــل عما يفعله من تنكيل ضــد منتقديه العلمانيين. ولكنــه يعترف بقوة الدين وتأثيره في الجمهور المصري، الذي رفع الإخوان المســلمين والحركات السلفية إلى الســلطة في 2011. يحاول الرئيس التمييز بين الدين والإيمان بشكل عام، والحركات الإسلامية السياسية. ولكنه ينجح أكثر من أسلافه في صبغ الدين بألوان الإرهاب، إلى درجة أن اشــتبه بالنصوص التي تتضمنها كتب الجغرافيا واللغة واعتبرها رسائل خفية لمن يؤيدون الإخوان المسلمين الذين يعتبرون منظمة إرهابية.

ما يقلق السيسي الآن هو جلوس من كان نائب أوباما في البيت الأبيض، الذي أيد ثورة الربيع العربي وشجع الإخوان المسلمين، بل واعتبر فوزهم في الانتخابات دليلاً على تجدد الديمقراطي­ة. والأكثر خطورة من ذلك، بالنسبة للسيســي، هو تردد أوباما قبل اعترافه به حاكماً شرعياً لمصر، بعد أن سيطر على الحكم بالقوة في 2013 وعزل محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom