Al-Quds Al-Arabi

تحالف حماس ... دحلان يثير التساؤلات

- *كاتب فلسطيني

ثمــة تحالــف غيــر معلن يتشــكل تدريجياً فــي قطاع غزة، بين حركــة حماس التي تحكم القطاع، وتيار القيادي المنشــق والمفصول من حركة فتح محمد دحلان، وقد تجلى ذلك بعودة عــدد من عناصر ورموز هذا التيار إلى القطاع، بمن فيهم بعضُ مــن صدرت بحقهم أحكام قضائية على خلفية انتهاكات سابقة.

بعض العائديــن إلى القطاع كانــت قد صدرت بحقهــم أحكام بالإعــدام، وبعضهــم كان مطلوباً لأجهزة أمن حمــاس، والمفاجأة أنهم دخلوا القطاع من بوابة الــــVIP() وليس فقــط، من دون أي مساءلة أو مراجعة، ما يعني أن ملفاتهم تم إغلاقها وطي صفحتها، أو على الأقل تم تجاوزها لأســباب سياسية وفصائلية، فيما تُبرر حماس ذلك برغبتها الانفتاح على الجميع وتحقيق المصالحة ومحاولة إنهاء الانقســام الداخلي، وتقول إن القطاع أصبح مفتوحــاً لــكل فلســطيني على اختــاف انتمائه وتوجهاته.

واقع الحال، أن الانقســام الفلســطين­ي حاصل بين حركتي حماس، التي تحكــم قطاع غزة، وفتح التي تحكــم الضفة الغربيــة، وبالتالــي فإن أي مصالحة ناجحة، تســتوجب وجود هذين الطرفين بالضرورة، هــذا طبعاً مع عــدم التقليل من أهمية الفصائل والقــوى الأخرى، وضــرورة حضورها ومشــاركته­ا فــي أي مصالحــة لتشــمل المكونات السياســية كافة، وفــي المقابل فــإن التقارب بين أي مــن المتخاصمــ­ن )فتح أو حمــاس( مع طرف ثالث، لا يعني بالضــرورة الاقتراب من المصالحة، وإنهاء الانقســام السياســي. ما حــدث في قطاع غزة في الســنوات الأخيرة هو أن الباب فُتح على مصراعيه لتيار دحلان في حركة فتح، وهذا التيار يُمثل انشــقاقاً داخل حركة فتح، التي تحكم الضفة الغربية وتهيمن على الســلطة الفلســطين­ية منذ تأسيســها، أي أنه ليس فصيلاً سياســياً أو حزباً مســتقلاً، ظهر علــى قاعدة الاختلاف السياســي الطبيعي في الــرؤى والبرامج، كمــا أن الأهم من ذلك أنه ممول ومحســوب على دول فــي المنطقة، تتناقض بشــكل مباشــر مع حركة حماس، وتدعم المشاريع المضادة لحماس والحركة الإسلامية، وهو ما يفتح باب الكثير من الأســئلة عن ســر التقارب بين الطرفين، اللذين يتناقضان منطقياً وسياســياً وأيديولوجي­ا؟

ورغم ذلــك فالتقارب بين حمــاس ودحلان، أو التحالــف التدريجي غيــر المعلن بينهمــا، لا يثير الأســئلة في ذاته فقط، وإنما في توقيته أيضاً، فقد تصاعدت وتيرته بعد صدور المرســوم الرئاســي بإجراء الانتخابات الفلســطين­ية، وإعلان كل من حماس ودحــان ترحيبهما بإجــراء الانتخابات، كما أنه يأتي متزامنــاً مع جهود المصالحة الحقيقية بين فتح وحمــاس، وبلغ ذروته مؤخراً بعودة عدد من رموز هذا التيار المنشق وقادته إلى القطاع بعد أكثر من 15 عاماً على الغياب. ما يحدث هو أن تيار دحلان بدأ يتســلل تدريجياً إلى المشهد السياسي الفلسطيني، ويســتحوذ على مكان له، ويريد هذا التيــار أن يحل بديــاً عن الرئيــس عباس )فتح الأم( وبديــا عن حماس التي تحكــم غزة، ويرى هذا التيــار أن الانتخابات العامــة المقبلة، خاصة التشريعية في مايو المقبل قد تكون فرصته التي لن تتكرر في العودة إلى المشهد السياسي، والحصول على الشرعية اللازمة وطرح نفسه بديلاً. تأتي هذه التحركات المحمومة لتيار دحلان بعد أن كان موقع «ميدل إيســت آي » البريطاني الذي يرأس تحريره الصحافي المعروف ديفيد هيرســت قد نشر في عام 2016 تقريــراً يقول إن «ثمة خطــة لدى ثلاث دول عربية وبموافقة إسرائيلية من أجل تنصيب دحلان بديلاً لعباس على رأس الســلطة الفلســطين­ية،» والمفارقــ­ة أن هذه الدول العربيــة الثلاث هي التي ضغطت وتضغط من أجل إجراء الانتخابات حالياً. كما أن السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان قال أواخر عام 2020 أن «واشنطن تدرس استبدال عباس بدحــان». الغريــب في كل هــذه المقاربة هو اســتمرار حماس في التقــارب أو التحالف مع دحلان، على الرغم من كل هذه المعطيات التي تؤكد على أمرين مهمين:

أولاً: التقــارب مع دحلان يُشــكل خطــراً على المستقبل السياسي لحركة حماس، كونه محسوبا على قوى دولية تتناقض معها وتريده بديلاً عنها، ومخرجاً لحكمها في غزة.

ثانياً: هذا التقارب يؤدي إلى تعميق الانقســام الداخلــي ويجعــل الوصــول إلــى المصالحــة الفلســطين­ية أبعد وأكثر تعقيداً وصعوبة، إذ كيف سيتصالح الرئيس عباس مع الحركة التي تتحالف مع خصومه؟

وإضافة إلى هذا وذاك فإن مشاركة تيار دحلان في الانتخابات المقبلة سيعني بالضرورة أن حركة فتح ذاهبة إلى مزيد من التفتيت والانقســا­م، وأن فصيلاً فلســطينياً جديداً في طريقــه إلى الظهور، وأنَّ هذا الفصيل ســيحصل على الشرعية اللازمة عبــر التمثيل في المجلــس التشــريعي، وربما في مؤسسات أخرى.. والســؤال المهم هنا: ما مصلحة حماس في كل هذا؟

مشاركة تيار دحلان في الانتخابات المقبلة سيعني بالضرورة أن حركة فتح ذاهبة إلى مزيد من التفتيت والانقسام

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom