Al-Quds Al-Arabi

أين «الاطمئنان الزائف» عندما يتغلغل في الأردن: «اللقاحات»...؟ كيف سمح لـ «السلالة الجديدة» بالدخول؟

- عمان - «القدس العربي» بسام البدارين:

«الأردن يتصــدر القائمــة بحجــم انتشــار الوبــاء نســبة لعــدد الســكان». تلــك يفترض أن تكــون معلومــة رقمية علميــة تداولها مئات الأردنيين، وبين المتداولين أطباء كبار وساســة وشخصيات عامة.

حصلــت عمليــة التــداول تلك عبــر منصات التواصل الاجتماعي، لكن بصورة غريبة بقيت المعلومة نفســها 3 أيــام على الأقــل دون أدنى اهتمــام حكومــي بالتعليق عليهــا أو بنفيها أو بإثباتها .

بمعنــى أن الرواية الســلبية تركت للمشــهد الوبائــي الأردنــي لكل الجهــات، فيمــا أغلقت الحكومة الميكرفون وصمتت دون أن يعني ذلك التسليم بصدقية هذه المعلومة التي تحولت إلى مصدر لترويج السلبية وســط الأردنيين، فيما تنشــغل الحكومة وأجهزتهــا ورموزها لأربعة أيام بقصة صغيرة جــداً عنوانها إقالة وزيرين بعــد اتهامهمــا بمخالفــة أوامـــر وتعليمـــا­ت الدفاع.

لا أحد يعلم بعد لماذا تترك المعلومة الســلبية لتســتقر عــدة أيــام قبــل أن تتحــرك المكينــة البيروقراط­ية الزاحفة ببطء شديد لإنتاج رواية أخرى عنوانها أن الأردن بالمرتبة 39 في العالم. الماكينــة لا تعمل أحياناً في الوقت المناســب... ذلــك انطباع نائب رئيس مجلــس النواب أحمد الصفدي، الــذي أعاد تذكير «القــدس العربي» بــأن الحاجة ملحــة جداً لشــفافية أكثر ودوماً بدلاً من الاسترسال في تلقي الروايات السلبية والســماح لهــا بالتحــول إلى وقائــع وحقائق وسط المجتمع.

يســأل الصفدي ما الذي يمنع المســؤول أو الموظف المختــص من المبادرة والــرد وتوضيح الحقائق؟

ســؤالٌ الإجابــة عليــه بمنتهــى الصعوبــة، فالأردن وبســبب مخــاوف التعثــر والأخطاء وسعي الوزراء للتواري وراء الكاميرا وسلاسل المراقبــة، لا يزال فــي مرحلة التشــخيص التي تحدث عنها الملك عبد الله الثاني شخصياً، مرة تحت عنوان غياب المبادرة عن المسؤولين الكبار وحتــى الصغار، وأخرى تحــت عنوان الخوف من اتخــاذ قرار، حيــث تراكم في المؤسســات التــي تراقــب أو تحاســب أو تتقمــص دور الحرص الوطني، ممــا زرع الخوف والذعر في كل حلقات القرار التنفيذ.

تلك طبعاً قصة مختلفة لها علاقة بآلية غريبة عنوانها مكافحة الفســاد وعزوف المســؤولي­ن البيروقراط­يين عن اتخاذ قرارات ميدانية خوفاً من التشــويه والتشــهير ومن حالــة غير دقيقة وغيــر قانونية قد تدفع بأي موظف لأن يتحول إلى متهم بكل بساطة.

مجــدداً، تلــك قصة أخــرى، لكــن الروايات الســلبية عندمــا يتعلــق الأمــر بأزمــة فيروس كورونا تستقر أكثر، وللأسف الشديد ما زالت الاعتبارات تتمركز -كما يؤكد القطب البرلماني خليــل عطيــة- علــى الحاجــة إلــى إجــراءات وقرارات ســريعة فــي الأزمــات التــي تتوالد، فعطية ينضم إلى المســتغرب­ين مــن أن قطاعات فــي التجــارة والصناعة لديها مطالب بســيطة جداً يمكن إنجازها بســاعة عمل واحدة لا أكثر، لكن الإجراءات لا تتخذ.

وضع غريب بيروقراطياً ومفكك، مما يؤدي إلى تحول أي معلومة سلبية تحديداً إلى رواية وعلى أساس أن الانطباع أقوى من الحقائق.

عمليــاً لا يقــف الأمــر عند موقــع الأردن في خريطة الوبــاء العالمي، فالحكومة لم تجب بعد على ســؤالين شــعبيين في غاية الحساســية، وهما: كيف ســمح لســالة الفيروس الجديدة بالتســلل وتحويــل البلاد إلــى مركــز إقليمي للوبــاء وعبــر 3 مســافرين فقــط عــادوا مــن بريطانيا قبل عدة أسابيع؟

الســؤال الثاني: ما الذي يحصل حقاً وفعلاً على صعيد ملف تأمين اللقاحات؟

الغريــب أن من ينبغي أن تكون لديهم أجوبة عن هذه الأســئلة في هــرم الســلطات ومواقع المســؤولي­ة يشــاركون بســطاء الأردنيــن في طرحهــا، فقد ســمعت «القــدس العربي» نفس الســؤال بلا جواب من عضو بــارز في مجلس الأعيــان خبرته عميقة في الغــذاء والدواء، هو الدكتور هايل عبيدات.

وســمِعته من قطب برلماني يعتبــر الدينامو الآن للجنة تأسســت حديثاً في مجلس النواب لمتابعة ملف كورونا وهو النائب عطية.

وزراء الحكومــة زاحفــون ولا يقدمــون شــروحات. والانطباع الســائد حتــى اللحظة يتجــه إلــى مســارين، الأول يؤشــر علــى أن الروايــات الســلبية تتغــذى وتســتقر بســبب صمــت المســؤولي­ن. والثاني له علاقة بســعي

غالبية الوزراء والمســؤول­ين الكبــار إلى النجاة بأنفســهم، لا بــل بعضهم بــدأ عمليــة مغادرة سفينة الحكومة خوفاً من احتمالات غرقها في سلوك بمنتهى الأنانية السياسية.

لا يقتصــر الأمــر طبعــاً علــى قصــة موقــع الأردن العالمــي فــي خريطــة الوباء نســبة إلى عدد الســكان، فأحــد كبار الباحثــن والمحللين أرســل لـAالقــدس العربــي» وثيقة تقــول بأن الأردن لا ذكــر له عندمــا يتعلق الأمر بالمؤشــر العالمي لتأمين اللقاحات. حصل ذلك مع الدولة الأردنية؟.. كيــف ومتى ولماذا تصــدرت أيضاً قائمــة تقــول بــأن وضــع الأردن صعــب جداً ويتفوق فقط على ســوريا واليمن عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي تحديداً.

وهــي مســألة ناضــل لطرحهــا منــذ العام الماضي رئيس غرفة تجــارة عمان ونقيب تجار المواد الغذائية أيضاً خليل الحاج توفيق، وتمت مواجهتــه بيروقراطيـ­ـاً طــوال الوقــت بالصد وعــدم الإصغــاء، مع أنــه حذر وعبــر «القدس العربي» عدة مرات مــن ضرورة الالتفات جدياً إلى مسألة الأمن الغذائي .

عضو بــارز في مجلس الأعيان يســأل أمام «القــدس العربــي»: كيــف نقبــل أن تتجاوزنا دولــة مثل بنغلاديش في ســلم الأمن الغذائي؟ وفي جلســات موازية بعيداً عــن الميكروفون­ات والكاميــر­ات، يتحدث رجــال دولة عن ضرورة الانتبــاه إلى ضرورة التخفيــف من «الاطمئنان الزائف » الذي أصبح بدوره ملازماً وفي مفارقة جديدة على الأردنيين لتصريحات المســؤولي­ن، حيث أزمة الأدوات مســتقرة وتتمــدد، وثقافة الإنــكار والنفــي متواصلــة وتســاندها ثقافة الادعاء بالانتصار على فيروس وتداعياته.

الأخطــر نخبويــاً وفــي أروقة المؤسســات اليوم أن منسوب ما يسمى بالاطمئنان الزائف يزيد ويتغلغل، وأن الروايات الســلبية تنتعش وتتغــذى وتتركهــا الحكومــة لأســباب غيــر واضحة.

 ??  ?? شرطي يحمل لافتة في شارع شبه مهجور في العاصمة الأردنية عمان
شرطي يحمل لافتة في شارع شبه مهجور في العاصمة الأردنية عمان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom