Al-Quds Al-Arabi

الأردن وطريق «مأسسة الأمن الاجتماعي»: مفاجآت محتملة برسم «الإصلاح الهيكلي» وتجاوز سؤال «الكلفة» قريباً

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

المقاربــا­ت في مســألة إعادة الهيكلــة لمنظومة وشــبكة الأمن الأردنية ليســت متباعدة وليست نادرة، لكنهــا حتى اللحظة تبقى فــي جوار رؤية ملكية، بعــض تفاصيلها لا تزال تحت الغطاء، وإن كان هدفها الإعلاء من شــأن فلسفة مأسسة «الأمن الاجتماعي» والحرص على تحويــل مفهوم الأمن عبر الاحتراف والتخصص إلى شبكة أمان.

تتســارع هــذه العملية على نحــو واضح في المشــهد الأردني. لا يمكــن طبعاً تجاهــل الأهمية القصوى للرســالة التي وجهها بالخصوص الملك عبد الله الثاني لمدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني، والتي تضمنت مقترحات اختراقية بارزة على صعيد الإصلاح الهيكلي، ولا تزال تلك الرسالة تثير من النقاشات والهواجس ما لا يتم التعرض له علناً خلف ستارة الدولة وكواليس الإدارة العليا، وإن كان الانطباع صلباً وقوياً بأن مؤسسة القصر تحتفظ بمفاجــآت إصلاحية حميــت وتم تأمينها حتى الآن على الأرجح من التسريب.

قبــل ذلك، يمكن القول بأن شــغف مركز القرار الأردني بمنظومة هيكلة وفعالة في مســتوى الأمن والاختصــا­ص والاحتراف بدأ عملياً منذ عام 2008 وليس جديداً، وبالتالي ليس من السهل القول بأنه مرتبط بأحداث وتقلبات سياســية لا في عمان ولا في الإقليم ولا حتى في الولايات المتحدة الأمريكية.

آنذاك انتهت تقنيات اســتخدام قوات عسكرية لفرض الأمن في المدن والمحافظــ­ات بصرف النظر عن صنف الاضطراب بعدما تولدت المقترحات ذات الصلة بقوات الدرك الوطنية، والتي تعتبر بمفهوم الفلاتر الأمنية والفواصل بين الأجهزة والمؤسسات الأداة الأمثل عندما تزداد خشونة حالة الاضطراب في الداخل.

تكفلــت قوات الدرك بواجبها الخشــن وبالحد الأدنى من الخســائر، وبقيت في إطار الاحتراف، وأعفــت الدولة من ظهور قوات عســكرية وســط المدنيــن، ودخلت في واقع المربــع الأمني في إطار

جاهزيــة محترفة لمواجهة النوعيات الخشــنة من الاضطراب أو الاعتداء علــى القانون، بما في ذلك توجيه رســائل مرسومة ومحددة بعنوان الحفاظ على هيبة الدولة.

مــع الوقت تدل الســجلات التراثية على تطور مفهوم قوات الــدرك، ثم برز في بدايات مشــروع إعادة الهيكلة خط الإنتاج الثاني بمشــروع الدمج الطموح، والذي ولــد الآن وأصبــح واقعاً، حيث تحولت 3 أجهــزة أمنية بفروعها، هي الدفاع المدني والــدرك والشــرطة، إلــى جهاز واحــد، مما نتج عنه تخفيف زحام الجنــرالا­ت وخفض الكثير من النفقات.

فــي كل حــال، تلك كانــت خطــوات منهجية ســبقت الحديث عن المنظومة الأمنية الاستخباري­ة وواجباتهــ­ا، وتلحق بها رســالة الملــك للجنرال حسني.

وهي رسالة تكتسب بصمة مؤثرة ومهمة ليس فقط لأنها تأمر بالتســريع في إعادة الهيكلة، ولكن أيضــاً لأنها تأمر ضمنياً بتدشــن مرحلة الإصلاح السياســي، وهو إصلاح يثــق الوزيــر والنائب الســابق والخبير الــذي يترأس اليــوم المجلس الاقتصادي الاجتماعي الدكتــور محمد الحلايقة، بأنه ليس معزولاً، ولا يمكنه أن يكون، عن الإصلاح الاقتصادي والإداري.

مقاربة الحلايقة على هامش نقاش مع «القدس العربــي» تعتبر التســريع فــي وتيــرة إصلاح هيكلــي للمنظومة الأمنية خطــوة فعالة ومنتجة، وتصبح منتجة أكثــر وبصورة أعمق إذا ما رافقتها اســتجابات جدية من المؤسســات تظهــر حرفية الالتزام، وإذا ما رافقتهــا بالتوازي عملية إصلاح وطني أفقية ثبت بأن الجميع يحتاجها اليوم.

لكن الســؤال الذي يطرحه المراقبــو­ن: ما هي الخطــوة التاليــة بعد رســالة التســريع بهيكلة المنظومة الأمنية؟

ســؤال مهــم، وإن بقــي مرحلياً بــا جواب لكنه مرتبــط بمقاربة أميل إلى الشــكوك بوجود وظيفــة لخطــاب الإصــاح، بمعنــى أن عــودة منطــوق ومضمــون المحتوى الوطنــي إلى العمل المدني بعد إبعاد النظــرة الأمنية الضيقة هو الملاذ الاســترات­يجي الوحيــد والعميــق الآن، على حد تعبير نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، الذي يؤمن بدوره -وكما فهمــت» القدس العربي» منه مؤخراً- بأن معادلة الإصلاح «صفرية» بمعنى إما تكــون أو لا تكون، فقد دفعت البلاد والقوى المدنية والنقابية والحزبية ثمنــاً جراء مجازفات مراوغة الإصلاح الحقيقي.

يرحــب الزعبي ومعه كثيــرون بمبادرات الملك الإصلاحية، ســواء في مســار مراجعة تشريعات الإصلاح السياســي أو إعــادة الهيكلــة الأمنية، لكن جذرية الســلوك وتهميش المسافة بين خطاب الحكومــة وما تفعله علــى أرض الواقع هو المعيار الــذي يقيس الالتزام على أســاس وجود مصلحة للجميع فــي الإصلاح الحقيقــي الآن، لا بل تفريغ المشكلات والتحديات والاحتقانا­ت عبره أيضاً.

هــذا نمط من الجدل أعقب المبــادرا­ت المرجعية الإصلاحية، لكنه جدل صحي برأي النقيب سمارة الزعبي، ومطلوب للتعافي ما دامت مصالح الدولة والثوابت الكبيرة خارج سياق النقاش أصلاً.

إلى أي حــد يمكن ترجمة النظريات إلى خرائط طريق؟

سؤال فني وبيروقراطي مطروح لا يمكن الرهان على فرضيات تخصه.

فــي الجعبة هنــا مشــاريع أفــكار ومقترحات يتــم تداولهــا خلــف الســتارة همســاً، بعضها يتحــدث عن هيكلة تنتهي بمنظومتين في المســألة الاستخبارا­تية، الأولى للخارج والثانية للداخل.

وبعضهــا الآخــر يقتــرح عــدم وجــود مبرر للاســتعجا­ل فــي تمديــد وتوســيع صلاحيات واختصاصات مديرية الأمن العام بشكلها الحالي.

وبعضهــا الثالث يفتــرض بــأن الحديث عن وزارة للأمــن الداخلي أو إدارة بهذا الاســم يمكنه أن يترافق مع ســيناريو قديم باســم إنشاء وزارة للدفاع، علماً بــأن الفرصة متاحة أيضــاً لدمج أو تأسيس تصورات لمؤسسات أمنية تنهي الاشتباك وترسم الاختصاصات بدقة وتحدد الأدوار.

كل تلك طبعــاً مقترحات قيــد التمحيص بعد الإقــرار خلف القــرار بتجاوز أو ضــرورة تجاوز سؤال الكلفة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom