Al-Quds Al-Arabi

غضب وقلق وارتباك في إسرائيل غداة قرار الجنايات الدولية بالتحقيق معها في جرائم حرب

- الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:

تواصل جهات إســرائيلي­ة واســعة التعبير عن حالة قلق وغضــب وارتباك بعدما أعلــن عن قرار فتح تحقيق مع إســرائيل بشــبهة التورط بجرائم حــرب ضــد الشــعب الفلســطين­ي فــي الأراضي المحتلة عام 1967 وسط اســتمرار بتهديد السلطة الفلسطينية بالانتقام منها.

وحمل رئيس حكومة الاحتــال بنيامين نتنياهو والساسة والعســكري­ون الإسرائيلي­ون من الائتلاف والمعارضــ­ة علــى قرار محكمــة الجنايــات الدولية واتهموها بمعاداة الســامية والنفاق والاســتهد­اف المبين لإسرائيل. وقال نتنياهو إن إسرائيل ستحارب من أجل الحقيقة، فيما قال رئيسها رؤوفين ريفلين إن القرار ينم عن فضيحة، مشــددا علــى رفض المزاعم ضدها "وعلى ممارســة حقنا وواجبنــا بالدفاع عن مواطنينا" .

واعتبر قائد جيش الاحتلال أفييف كوخافي قرار المحكمة الدولية خاليا مــن أي صلاحية، فيما اعتبره وزير خارجية الاحتلال إفلاسا أخلاقيا وقضائيا. لكن وزير جيش الاحتلال الأسبق رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمــان الذي هاجم المحكمة الدولية اعتبر في حديــث للإذاعة العامــة أن قرارها يعكس فشلا ذريعا لسياسات نتنياهو وحكومته. وردا على ســؤال أوضح ليبرمان أنه لا يستطيع تقديم تفاصيل أخــرى عبر الأثير حــول إخفاقــات نتنياهو في هذا المضمار.

وتخشى إسرائيل من احتمال صدور أوامر اعتقال ضد مسؤولين سياسيين وعسكريين فيها، وترجح أن تســتمر المحاكمة ســنوات ولا تطال جنودا وضباطا صغارا آملة أن يبادر المدعي العام البريطاني الجديد كريم خان الذي سيتســلم مهامه في يونيو/ حزيران المقبــل، بتغيير قــرار المدعيــة العامــة الحالية في الجنايات الدولية فاتو بنسودا.

بين هذا وذاك من المنتظر أن تصل إسرائيل مذكرة خــال الأيام المقبلة مــن محكمة الجنايــات الدولية تشمل شــروحات حول التحقيقات بشــبهة ارتكاب جرائــم حرب خلال عــدوان "الجــرف الصامد" عام 2014 إضافة للتحقيق مــع حركة حماس. كما تتمنى إســرائيل أن تمد إدارة بايدن يد المساعدة لها مقابل محكمــة الجنايــات الدولية وعدم الاكتفــاء بإعلان معارضتهــا لقرار المحكمة الدولية ومنع بنســودا من دخول الولايات المتحدة.

وادعــى المستشــار القضائي لحكومــة الاحتلال آفيحــاي ماندلبليت أنه لا توجــد صلاحية للمحكمة الدولية بهــذا الخصوص، وأن موقفــه يحظى بدعم دول مركزيــة وخبراء قضائيين بارزيــن في العالم. زاعما أن إســرائيل دولة ديمقراطية قوية تملك جهازا قضائيا مستقلا ومهنيا وأنها ملتزمة بالقيم الأساسية التي يستند لها القضاء الدولي وتعمل بموجبها. كما زعم ماندلبليت أن إســرائيل تملك منظومة واســعة لفحص ومعالجــة الادعــاءا­ت بانتهاكهــ­ا للقانون الدولي. وتابع "من هنا لا مبرر لتدخل المحكمة الدولية في شؤون إسرائيل السيادية" .

متطابقا مع المســتوى السياســي قال المستشــار القضائي الإسرائيلي إن قرار الجنايات الدولية بفتح تحقيق بحق إســرائيل باعتبارهــ­ا دولة ديمقراطية تحترم القانون يمس بشــرعية المحكمة ويســتنزف مواردهــا بدلا من معالجة انتهــاكات حقيقية من قبل دول غير ديمقراطية وغير ملتزمة بالقانون".

كما هددت سلطات الاحتلال السلطة الفلسطينية، وحذّرتها مــن "تبعات" تعاونها مــع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب الإسرائيلي­ة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 . وكشفت القناة الإسرائيلي­ة الرسمية أن ســلطات الاحتلال أخطرت الســلطة الفلسطينية بأنه "ســتكون هناك تداعيات لفتح التحقيق الدولي في محكمة لاهاي، تشمل إظهار الســلطة الفلســطين­ية لحماس زائد في التعاون مع المحكمة وإمدادها بمعلومات قد تُســّرع من إجراءات التحقيق. وهددت إســرائيل الســلطة الفلسطينية بـ"وقف الدفع باتجاه إطلاق عملية سياسية وجولة مفاوضــات أو إجــراءات لبناء الثقة"، كمــا هددتها بـ"تضييق اقتصادي يشمل تقييد الأنشطة التجارية فــي الضفة" الغربية المحتلة. وأشــارت القناة إلى أن وزير خارجية الاحتلال غابي أشــكنازي، تحدث مع نظيره العماني، بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، بهذا الخصوص.

وأضافت أن الأخير نقل الرســائل الإسرائيلي­ة إلى وزير الخارجية الفلســطين­ي، ريــاض المالكي. ونقل التقرير عن مســؤول فلســطيني، قوله إن الســلطة لا تعتــزم التراجع عــن هذه الخطــوة. وأضاف أنه "مثلمــا تفاوض معنــا الإســرائي­ليون وهم يعززون التوسع الاستيطاني في الضفة، لا نرى ما يمنعهم من التفاوض معنا بينما نحاكمهم دوليا في لاهاي".

وزعمت القناة الإسرائيلي­ة أن مقربين من الرئيس الفلســطين­ي، محمود عبــاس، يرون أنــه "من غير المناسب فتح تحقيق بجرائم حرب إسرائيلية في هذا التوقيت، فيما نتوقع دعم الإدارة الأمريكية الجديدة لإطلاق عملية سياسية قد تشهد تجدد المفاوضات مع إسرائيل".

الاعتداء الإسرائيلي على السفينة التركية مرمرة

وحسب ما نشــر ســتتمحور التحقيقات الدولية حول عــدوان "الجرف الصامد" على غزة قبل ســبع ســنوات والبناء فــي المســتوطن­ات، وبعدما تتلقى إسرائيل مذكرة رسمية من الجنايات الدولية سيتعين عليها الرد خلال 30 يوما عما إذا كانت تنوي التحقيق بنفسها بالشبهات المنسوبة لها.

ويرى موقع "واينت" العبــري أنه رغم أن التهديد القضائي الموجه لمســؤولين إســرائيلي­ين كبار ليس فوريا فإن قرار الجنايات الدولية ينطوي على تبعات خطيرة وبعيدة المدى. مرجحا أن يتعرض للتحقيق أو الاعتقال قادة الجيش والمؤسسة الأمنية والاستيطان بمــن فيهم رئيس حكومــة الاحتــال ووزراء وقائد الأركان. ويوضح أن أوامر اعتقال بحق الإسرائيلي­ين لن تصدر قريبا لأن التحقيقات تستغرق وقتا طويلا، مذكرا بأن قرار فتح ملــف تحقيق بحق جورجيا عام 2015 لــم ينم عن أوامــر اعتقال. وينقــل الموقع عن خبراء قضائيين إســرائيلي­ين قولهــم إن مصدر قلق إســرائيل من قرار المحكمة الدوليــة ينبع من احتمال صدور أوامر الاعتقال بشكل ســري وفجائي في ظل التوقعــات بأن تقاطع إســرائيل المحكمة ولا تتعاون معهــا. موضحا أنه مع صدور أوامــر الاعتقال تصبح كل واحدة من الدول الأعضــاء في محكمة الجنايات الدولية)122 دولة( ملزمة باعتقال المشــتبه بهم ممن صــدرت بحقهم مذكرات اعتقال ممــا يجعل الاعتقال خطرا حقيقيا داهما.

ويقترح "واينت" أن تتريث إســرائيل لترى بنود تهم تتضمنهــا لائحة الدعوى القضائيــة وبالتزامن تجنيد دعم دولي واســع ضد قــرار المحكمة الدوليةـ على أن تبادر في المنظور الفوري للاستعداد الخاص

وإبداء حذر شــديد بكل ما يتعلق بســفر المسؤولين الإســرائي­ليين لخارج البلادـ علما أنها سبق وأعدت قائمة بـ 300 شــخصية إســرائيلي­ة معرضة لتهديد الاعتقال في العالم.

تعقيب بانسودا على تهم إسرائيلية

وعقبت بانســودا نفسها على الهجوم الإسرائيلي عليها وعلى محكمــة الجنايات الدوليــة بالقول في تصريحات إعلامية أمس إنها ترفض تهم اللاســامي­ة الموجهة، لهــا نافية استرشــاده­ا بأجنــدة معادية لإسرائيل مســبقا. وتابعت "لا توجد لدينا أي أجندة ســوى احتــرام واجباتنا المحــددة بميثــاق روما باســتقامة". كما ذكرت المدعيــة العامة في الجنايات الدوليــة بقرارها عــدم فتح ملف تحقيــق بالهجوم الإســرائي­لي علــى الســفينة التركية مامــي مرمرة عام2010 ، منوهة أنــه عندما تتوجه دولة للمحكمة بادعاء بوجود أساس لفتح ملف تحقيق جنائي فإنها ملزمة باتخاذ قرار كهذا.

وترجح صحيفــة "يديعوت أحرونوت" أن يضطر المستوى السياسي الإســرائي­لي في الأسابيع المقبلة إلى اتخاذ قــرار بما إذا كان ســيتعاون مع التحقيق وكيفيــة ذلك. وتتابــع "حتى بعد رد إســرائيل على خطاب المدعي العام، من المتوقع أن يســتمر التحقيق لســنوات" . ونقلــت عن مصــادر داخل المؤسســة الأمنية الإســرائي­لية قولهــا إن "التحقيقات من هذا النوع تســتغرق وقتا، ويجب أن تستند إلى القانون والوقائــع"، مؤكــدة أن" التحقيقــا­ت الأوليــة فقط اســتغرقت قرابة خمس ســنوات، كذلك فــإن أزمة كورونــا ونقص موارد المحكمة ســيؤخران التحقيق بشكل كبير" .

هل يستطيع الرئيس بايدن مساعدة إسرائيل؟

على هــذا الســؤال تــرد "يديعــوت أحرونوت" بالإيجاب، لكن الســؤال هو مــا إذا كان بايدن يريد مساعدة إســرائيل الآن. وتابعت "الافتراض السائد في إســرائيل هــو أن الولايات المتحــدة لن تفرض عقوبات جديدة على هولندا بالإضافة إلى العقوبات التي فرضها ترامب والتي تمنع بنســودا وفريقها من دخول الولايات المتحدة" .

مركز «عدالة»" يرحب بقرار المحكمة الدولية

في المقابل رحــب مركز "عدالة" داخــل أراضي 48 بقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بينســودا، بفتح تحقيق حول ارتــكاب جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويرى به تأكيدا على ادعاءاته لســنوات، في أروقة المحاكم الإســرائي­لية وأمام المنظمات الدولية.

ويعتبر مركز عدالــة التحقيق الدولي في ارتكاب جرائم حرب خطــوة أولى على طريق طويل لإحقاق العدالة للشعب الفلســطين­ي الذي عانى ويعاني من سياسات الاحتلال ولضحايا الجرائم الفظيعة التي ترتكب بشــكل يومــي وبصورة ســافرة، إذ يحمي النظام الإســرائي­لي بجميع مؤسساته مرتكبي هذه الجرائم، ولا يحقق أو يقدم أي مشــتبه به بارتكابها للمحاكمــة، بل على العكــس، يمنحهم حصانة تتيح لهم الإفلات من المســؤولي­ة والعقــاب. وهذا ما أكده عدد من قادة فلســطينيي الداخل في بيانات رسمية منهــم رئيس التجمــع الوطنــي الديمقراطي جمال زحالقة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom