Al-Quds Al-Arabi

المغرب: الأغلبية والمعارضة تنجحان في عزل «العدالة والتنمية» قائد الائتلاف الحكومي

- الرباط ـ «القدس العربي» من الطاهر الطويل:

أجمعت أحــزاب الأغلبية والمعارضة في المغرب علــى محاصرة نفــوذ حزب «العدالــة والتنمية » قائــد الائتلاف الحكومــي، وفوتت عليه مُســبقًا فرصــة تصــدّر نتائــج الانتخابات التشــريعي­ة للمــرة الثالثة، بعدما نجحت فــي تمرير التعديل المقترح في مشــروع قانون الاقتراع، والمتمثل في احتســاب القاســم الانتخابي على أســاس عدد المواطنين المسجّلين في القوائم الانتخابية، وليس على أساس عدد المشــاركي­ن في التصويت، وهذه الصيغــة التي كانت معتمدة طيلة الاســتحقا­قات التشريعية الســابقة، يصرّ حزب رئيس الحكومة ســعد الدين العثماني على التمسك بها وحده في معركة غير متكافئة.

فخلال اجتمــاع للجنة الداخلية فــي البرلمان، مســاء الأربعاء، صوّت 29 نائبًا لصالح التعديل، مقابل اعتراض 12 نائبًا ينتمون إلى فريق «العدالة والتنمية» الذي وجد نفســه وحيــدًا في مواجهة الإجماع الحزبي. فهل ســينفذ الحزب الإســامي «تهديــده» بالتصويــت ضد القانــون التنظيمي لمجلس النواب؟ فقد ســبق لســليمان العمراني، نائب الأمــن العام، أن أعلــن أن فريقَي حزبه في مجلســي النواب والمستشاري­ن ســيصوتان ضد مشــروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، مؤكدًا رفض حزبه المساس بالقاسم الانتخابي.

مستقبل الديمقراطي­ة في المغرب

وترى أمينة مــاء العينين، النائبــة البرلمانية والقيادية في حزب العدالــة والتنمية، أن اعتماد القاســم الانتخابي على أساس المسجلين «عصف بــكل المكتســبا­ت الديمقراطي­ة الهشــة التي نجح المغرب في ترســيخها». وكتبت فــي تدوينة على «فيســبوك» أن قراءة هذا المتغير «الخطير بربطه بحســابات الخريطة الانتخابية، أو بهزم العدالة والتنمية انتخابياً، هو تحريف للنقاش.»

وأكدت أن نقاش القاســم الانتخابي يُعتبر في العمق «نقاشًا سياسيًا، يهم مستقبل الديمقراطي­ة

ومعنى العملية الانتخابية بغض النظر عن الفائز في الانتخابات». كما اعتبرت أن القاسم الانتخابي المقترح «لا يخلق تقاطبًا من وجهة نظري بين من مع العدالة والتنمية، ومن ضدها، وإنما يخلق تقاطبًا بين من مع الديمقراطي­ة، ومن ضدها» واستطردت قائلة: «قــد ينهزم العدالــة والتنمية وقد ينتصر، وقد يتجاوز وضعه الداخلي المأزوم، وقد لا يفعل، لكن الأكيد أنه ســيصعب في المستقبل تدارك خطأ قاتل، يمس بمبادئ الديمقراطي­ة الكبرى».

وتعتقد حنــان رحاب )النائبــة البرلمانية عن حزب «الاتحاد الاشــتراك­ي للقوات الشــعبية») أن احتساب القاســم الانتخابي على أساس عدد المســجلين لا عدد المصوتين سيســاهم في إحداث مجموعــة مــن التغييــرا­ت الإيجابيــ­ة مرحليًا ومستقبليًا، إذ سيؤمّن تمثيلية للأحزاب المتوسطة أولاً وللأحــزاب الصغرى أيضًا في إطــار المقاعد المتنافــس عليها، وهي -بخلاف ما يراه البعضرقم مهــم فــي الديمقراطي­ات، لأنهــا تلعب أدوار الترجيح والاقتراح، وتضمن الحد الأدنى من توفر شــرط التعددية، وقد أثبتــت النتائج الانتخابية في عديد مــن الدول الأوروبية صعــودًا انتخابيًا للأحزاب الصغيرة أو الجديدة، ولذلك لا يجب أن يكون نمط الاقتراع عاملًا في اندثارها.

وأضافــت في تدوينــة على «فيســبوك»: «لن يؤثر هــذا النمط علــى تحديد الحــزب المتصدر للانتخابات، فذاك الذي يمكــن أن يتصدرها عبر نمط يتبنى احتساب القاسم على أساس المصوتين هو نفســه الذي ســيفوز بهــا على أســاس عدد المســجلين. نعم، قد يفقد مقاعــد، لكنها لن تكون مؤثرة على تصدره الانتخابات، كما لن تكون ذات تأثير لافت في رسم التحالفات البعدية المؤدية إلى إفراز أغلبية حكومية».

واســتطردت قائلة: «قد يرفع هــذا النمط من نســبة التصويت، إما بفعل تحــرك الأحزاب نحو البحث عن أصوات أكثــر لتأمين تلك النتائج التي كانــت تحصل عليهــا بمجهود أقل، أو بســبب أن فئة من المقاطعين بســبب اللامبالاة أو لأي ســبب من الأســباب قد تقتنع بجدوى المشــاركة حماية من جعل أصواتها غير المعبر بســبب الامتناع عن التصويت تذهب لصالح لوائح في عملية التوزيع هي لا تريد أن تمثلها».في حين يرى نبيل شــيخي

أمينة ماء العينين )رئيــس فريق «العدالــة والتنميــة» في مجلس المستشارين( أن القاســم الانتخابي ليس مسألة تقنيــة، وأوضح في مقال منشــور فــي صحيفة «أخبار اليوم» المغربيــة أنه «عندما طُرح موضوع احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين فــي اللوائــح الانتخابية، لم أصــدق يومًا أن من اقترحوه جادون في مســعاهم، إلى أن تم تقديمه من قبل فرق الأغلبية والمعارضة باســتثناء فريق العدالة والتنمية. عدم تصديقي ارتبط أساسًا من جهة بكون هذا المقترح الهجين سيشــكل اختراعًا غريبًــا تفتقت عنهــا عبقرية هؤلاء التــي لم تأبه بأن ما تم اقتراحه يشــكل نشــازًا وانقلابًا على ما تعارفت عليه تجــارب الأنظمة الانتخابية العالمية في هذا المجال. كما ارتبط عــدم تصديقي من جهة أخرى أنه في اللحظة الحاســمة ســيحضر العقل وستتدخل الحكمة من مستويات مختلفة، ولن يقع التمادي في مسار سيسهم في تقويض ما راكمناه ضمن مسار تجربتنا الديمقراطي­ة الفتية».

وتابــع قائــاً: «من حقنــا أن نتســاءل إذا تم الإصرار على هذه الحماقة المحكومة بنزعة مزهوة باكتشــاف موهوم وغير آبهة بمآلات هذا المسعى الذي نتحــدى من هم ماضون فيــه أن يقدموا لنا

نموذجًا واحدًا لدولة عبر العالم اعتمدت أو سبق أن اعتمــدت احتســاب القاســم الانتخابي بهذه الكيفية التي تضرب في العمق المبادئ الدستورية المرتبطة بأســس تعبير الأمة عن إرادتها. وتضمن المقال التساؤلات التالية:

«هــل ســيبقى معنى للمشــاركة فــي تنافس انتخابي لا يعطي قيمة لمــا تبذله الأحزاب الجادة مــن جهود من أجل كســب ثقة المواطنــن، ما دام سيتم التســوية بينها وبين أحزاب أخرى لم تبذل نفس الجهد ولم تحظ لــدى المواطن بدرجة الثقة نفســها؟ ألا تكفيكــم المفارقة الصارخة لإســقاط تطبيق هذا القاسم على إحدى الدوائر الانتخابية وفق نتائج الانتخابات النيابية الســابقة والتي سيســتوي فيها الحزب الذي حصل على أزيد من ثمانين ألف صــوت مع الذي حصل علــى أقل من ثلاثة آلاف صوت؟

هل ستبقى للمواطن ثقة في العملية الانتخابية ما دامت تســوّي بــن صوته وصوت مــن قاطع الانتخابــ­ات ولم يكلف نفســه عنــاء التمحيص والاختيــا­ر بين المرشــحين واســتكان فــي بيته متفرجًا؟هل ســيحق لنا بعد ذلــك أن نتحدث عن الانتخابات كمحطــة للتعبير الحــر والنزيه عن

إرادة الأمة، مــا دام هذا التعبير ســيتم الالتفاف عليه مــن خلال الســطو علــى الإرادة الحقيقية للمواطنين عبر تمييعها باحتساب الكتلة المعتبرة ممن يقاطعون الانتخابات؟

هل ســتبقى لنا القدرة، في ظل هــذا الاقتراح الهجــن، للدفــاع عــن تجربتنــا الديمقراطي­ــة والحديــث عن تميزهــا أمام المنتديــا­ت والمحافل الدوليــة، والإقناع بنمط اقتراع شــارد لا مثيل له عبر العالم وتحكمت فيه هواجس أضحت معلومة لــدى الجميع، وســيصبح لا محالة مــادة للتندر ســتمس بصورة المغرب وســتنال مما راكمته من مكتســبات منذ الخطاب الملكي فــي 9 مارس 2011 ومنذ التصويت على الدستور في السنة نفسها؟

وأضاف المستشــار البرلماني : «المســألة ليست تقنيــة بســيطة وليســت متعلقــة بمــن هو مع هــذا الاقتراح ومن ضده، وليســت أيضًا ســهلة بالشــكل الذي يتصوره مهندسو هذا الاصطفاف العجيب الغريب. ما يقــع يحتاج إلى قدر كبير من الوضوح والصراحة في توصيفه، والذي يشــكل مع الأســف انحرافًا خطيرًا ظاهره اختلاف حول القاســم الانتخابي ومضمونــه الحقيقي انقلاب على الديمقراطي­ة وســعي واضح للالتفاف القبلي على الإرادة الشــعبية، ويعكس في الجوهر مدى عجز البعض عــن الاحتكام إلــى قواعد التنافس الديمقراطي وفق القواعد المتعارف عليها عالميًا.

وأوضح أن «الســؤال الكبير الذي يلزم طرحه اليوم بمناســبة هذا الســقوط المريــع هو من مع الديمقراطي­ة ومن مع الإمســاك بمعول الشــروع في تقويض مــا راكمته بلادنا علــى طريق البناء الديمقراطي». وختم بيانــه بالقول: «يكفي حزب العدالة والتنمية فخــرًا أن موقفه بهذا الخصوص كان واضحًا منــذ اليوم الأول من خــال مذكرته الانتخابية، وازداد وضوحًــا عندما رفض رئيس الحكومة تضمين هذه الخطيئة في مشروع القانون التنظيمي الذي رفع إلى المجلس الوزاري، وتكرس هــذا الوضوح عندما أعلن الحــزب عن أن فريقَيه بغرفتــي البرلمــان غيــر مســتعدين لتزكية هذا العبث .»

كما كتب الصحافي والمحلل السياسي مصطفى الفن تدوينة جاء فيها: «من حق الأحزاب الصغرى أن «تناضــل» من أجل اعتماد القاســم الانتخابي على أســاس عدد المســجلين وليس على أســاس المصوتين. كل هذا مفهوم ومتفهم، لأن هذا القاســم سيســمح لهذه الأحزاب الصغــرى بتكوين فريق برلماني وربما بالحضور الشــكلي والرمزي داخل البرلمان.

أكثر من هــذا، فالأحزاب الصغــرى لا تكره أن يكون القاســم الانتخابي ليس على أســاس عدد المســجلين فقط؛ بل إنها لا تكره أن يكون القاســم الانتخابي على أساس عدد ســكان المغرب وربما على أســاس عدد سكان شــمال إفريقيا أجمعين. وهذا «حقها» حتى وإن كان حقًا أريد به باطل وهو «هزم» فاعل سياســي بعينه» في إشارة إلى حزب «العدالة والتنمية .»

المؤسسات الدستورية

ويرى الصحافي المذكور أن تكلفة هذا الاختيار «باهظة» وتتمثل ـ باعتقاده ـ في «إفراغ الدستور ومعه كل المؤسسات الدســتوري­ة المنتخبة من أي مضمون ديمقراطي». وأعاد التذكير بأن أول حزب سياسي طرح ســيرة هذه «البدعة» غير الحسنة المتعلقة بالقاســم الانتخابي هو «حــزب القوات الشــعبية: الاتحاد الاشــتراك­ي » وأضــاف قائلًا: «لكنني لم ولن أفهــم أن «تنخرط» حتى الأحزاب الكبرى في الدفاع عن اعتماد القاســم الانتخابي على الرغم من أنها ســتفقد مع هذا الإجراء بضعة مقاعــد برلمانيــة قد تكون حاســمة في تشــكيل الحكومة .»

وفســر ذلك بالإشــارة إلى أن طموح أي حزب سياســي هو أن يتصدر المشــهد السياســي، وأن يكتسح الانتخابات، وأن يشكل حكومة منسجمة بأقل عدد من الأحزاب.

وتســاءل: «لكن ماذا يعني أن نرى في المغرب كيف أن أحزابًا كبرى تدافع بـ»روح قتالية عالية» عن الأحزاب الصغرى، عوض أن تدافع عن نفسها وعن تحصين عدد مقاعدها البرلمانية؟ ليجيب: هذا له معنى واحد لا ثاني له، وهو أننا نبعث برســالة ســلبية عنوانها العريض هو أن بعض الأحزاب، ســواء كبرى أو صغرى، مازالــت ربما غير قادرة على صناعة قراراتها في القضايا الحساسة بدون نزول «الوحي».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom