Al-Quds Al-Arabi

المغرب: هل يدفع القنب الهندي «العدالة والتنمية» للانقسام؟

- ■ ٭ كاتب وباحث مغربي

تعــرض العدالــة والتنميــة في ولاية ســعد الدين العثمانــي لتحديات سياســية وتنظيميــة خطيرة، ما إن يســلم من واحدة حتى تنــذر التي تليهــا بإمكان حدوث انقسام داخلي، لكنه اســتطاع في كل التحديات السابقة، أن يحافظ على وحدته التنظيمية بالرغم من أنه لم يستطع أن ينهي الأزمة داخله.

محطة الولاية الثالثة للأستاذ عبد الإله بن كيران شكلت تحديا خطيرا، كاد الحزب أن ينقســم إلى شطرين، لولا أن بن كيران الأمين العام السابق، وهو المعني بهذا الموضوع، خرج مــن دائرة التقاطب، وترك المجلــس الوطني )برلمان الحزب( يعمــل الآليــة الديمقراطي­ة الداخلية، بالحســم بالتصويت، ومع ذلك، انتهى النقاش حول الولاية الثالثة، ولم ينته الخلاف الداخلــي، لأن هذا الموضوع، لم يكن في الجوهر ســوى صدى لخلاف في التقدير السياسي داخل الحزب، وانخفاض مؤشر الثقة الداخلية، وبروز مخاوف من الاختراق وفقدان استقلالية القرار الحزبي.

في محطــة المؤتمر، كاد الشــرخ أن يأخذ مــدى أعمق، وكاد الحزب أن يسير في خطين العثماني قبيل التصويت، بأن المؤتمر إن لم يصوت له، فإنه سيســتخلص الدروس الضروريــة، فبعث بذلك برســالة سياســية إلى الحزب يهددهم فيها بأنه ســيترك منصبه كرئيس حكومة، إن لم يصوت له المؤتمر.

الأســتاذ مصطفى الرميد اعتــرف، أن الدور الذي قام به ابن كيران كان حاســما في الخروج من هذا الاستحقاق التنظيمي بوحدة الصف، وأنه لولاه، لحصل المحظور.

مع محطة القانــون الإطار )القانون الذي أقر فرنســة التعليــم( أخذ الخــاف منحى قياديــا، فانتقل من خلاف فريق نيابي مع القيادة، إلى شرخ قيادي )القيادة السابقة والقيــادة الحالية( بعد خرجة الأســتاذ بــن كيران على الفيسبوك ومطالبته نواب الفريق بالتصويت ضد فرنسة التعليم.

لم يتم في هذه المحطــة إعمال الآليــة الديمقراطي­ة من خلال الرجوع للمجلس الوطني، وإنما اســتعملت الأمانة العامة ســلطتها على الفريق، وشــغلت حجــة الانضباط التنظيمي لتلزمه بقرارها.

مع محطــة التطبيع، تفجر الخلاف الداخلي بدرجة غير مسبوقة، بســبب ضعف القيادة في تدبير الحدث، وأيضا في التواصل السياســي. فالأستاذ ســعد الدين العثماني أصدر تعبيرات متناقضة، ووردت عنه ردود أفعال مترددة، بســبب عدم قدرته على إنتاج موقف سياســي وتواصلي يقيم المســافة بين موقعه كرئيس الحكومة، وموقعه كأمين عام للحزب.

بن كيران مــرة أخرى، قام بالــدور، وأثبت قدرته على الإقناع، بطرحه لفكرة تفهم موقف الدولة، والتزام الحكومة به، مع احتفاظ الحزب بموقفه الثابت من التطبيع.

هدأت العاصفة قليلا، ثم جاءت تصريحات عزيز رباح، عضو الأمانة العامة وزير الطاقة والمعادن، التي اســتفزت الداخل الحزبي، وذلك لما صرح بجاهزيته لزيارة إسرائيل، إذا اقتضت أجنــدة الدولة ذلك، فأعــاد إدخال الحزب في الجدل الذي حســمه ابن كيــران، فاتهم ومن ســايره في القيادة بالهرولة إلى التطبيــع، وتوريط الحزب في مأزق التناقض مع ورقته المذهبية.

هجوم ابــن كيران القاســي عليه، وإعــادة توضيحه للموقف مــن التطبيع، أعاد الهدوء مرة أخرى، وأخرج هذا الملف نسبيا من دائرة الجدل المهدد لوحدة الحزب.

لكــن مع ملــف الترخيص باســتعمال القنــب الهندي لأغراض طبية، يبدو أن الشــرخ القيادي بلــغ مداه، فقد عرف الحــزب في أقل مــن يومين اســتقالتي­ن وازنتين من قياديين في الأمانة العامــة، مع تلويح عبد الإله ابن كيران بالاستقالة من الحزب، إن صوت لهذا القانون.

اســتقالة الرميد تحتفظ بخصوصيتهــ­ا، فالرجل عللها بوضعه الصحي، ثــم أعاد التأكيد عقــب إجرائه العملية الجراحية، وبعد الجدل الذي ثار حول أســبابها الحقيقية، بأن إحساســه بالعجز عن أداء مهمته بســبب صحي هو الذي أملى عليه هذه الاســتقال­ة، لكــن مع ذلك، فالمعطيات تؤشــر بأن العلاقة بينه وبــن العثماني، ليســت ودية، فلطالمــا قاطع المجلــس الحكومي، وقاطع لقــاءات الأمانة العامة، بسبب عدم التشاور والتنسيق معه.

التأويل الأقرب إلى الصواب أن الحالة الصحية للرميد عــززت قناعته بضــرورة مغادرة حكومــة العثماني لولا تدخل الملك ومراجعته في ذلك.

اســتقالة الأزمي وتلويح بن كيران بمغادرة الحزب إن صوت الحزب لقانون القنب الهندي، ليســت شيئا عاديا، فهي تشــكل تحديا غير مســبوق، كونها هذه المرة، تشهد علــى انحــراف موثق لا يمكــن التغطية عليه بأي شــكل من الأشــكال، فمن جهة، لقد ســبق للأمانة العامة للحزب أن أصــدرت موقفا قويــا في هذا الموضوع ســنة 2015، لما قدم حزب قريب من الســلطة مقترح قانــون بالترخيص باســتعمال القنب الهندي لأغراض طبيــة، ولم يحدث أي شيء يغير موقف الحزب في هذا الموضوع، بل إن المشروع الذي قدمته وزارة الداخلية، لا يختلف في شيء عما طرحه في السابق حزب الأصالة والمعاصرة، إن لم يكن أسوأ منه، لاسيما المادة السابعة عشــرة التي تفتح المجال لاستعمال القنب الهندي لأهداف ترفيهية بجرعة محددة، فهذه المادة تفتح المجال لإنتاج مواد تحتوي على نسبة من مادة رباعي هيدروكاناب­ينول )تقلعنالنسـ­ـبةالمحددة­بنص تنظيمي.

ومــن جهة مقابلة، فقــد تعاملت قيادة الحــزب مع هذا الموضوع بنحو متــردد أو ملتبس، فظهرت في صورة عدم العارف بوجود مشــروع قانون، ثــم اضطرت بعد حديث ناشــطة فيســبوكية عن وجــوده إلى عقد يوم دراســي مســتعجل، وعقدت لقــاء قياديا لمناقشــة الموضوع دون الحســم فيه، وفضلــت أن تأخذ مزيدا من الوقت، وســط

مخاوف مــن أن لا يكون الوقت في صالح الحــزب، وأن يتعقد الملــف، ويصبح مــن الصعب الحسم فيه.

ذكاء ابــن كيــران السياســي، جعله يقســم تلويحه بالاستقالة إلى مستويين، الأول هدد فيه بتجميد العضوية إن صوتــت الأمانة العامــة على القانــون، والثاني، لوح فيه بالاســتقا­لة من الحزب نهائيا إن صــوت الفريق على القانون.

البعض قرأ في موقفه انتحارا سياسيا، والبعض الآخر، طرح إمكانية تراجعه عن الاستقالة، والأقرب إلى الصواب أنه قــرأ توجهات الأمانة العامة، وربمــا تأكد له عدم تغير موقفها عما كانت عليه في الســابق، وأن هناك شيئا مريبا وراء تأجيل الحسم فيه، يمكن أن يفتح مساحة الشك حول استقلالية القرار السياسي، ولذلك بقدر ما يراهن العثماني على الوقت، يشكك بن كيران في التأخير وعدم الحسم.

خيارات العثماني محدودة، فالســعي لكســب الوقت ربما بحثا عــن اتضاح الصورة، أو لمراودة بعض القيادات لتغيير موقفهم، أو انتظــارا لحصول متغيرات تعقد الملف، وتظهــر معارضة القانون كما ولو كان معارضة للدولة، كل هذه الخيارات ستدفع في تســريع المحظور، أي الانقسام، وليس من المؤكد أن يكســب العثماني المعركة داخل الأمانة العامة فضلا عن كسبها مع الفريق.

خيار تأجيل مدارســة القانون فــي المجلس الحكومي، يمكن أن يكســبه بعــض الوقــت، لكن فــي كل الأحوال، سيكون مضطرا إلى حسم الأمانة العامة والفريق النيابي، مما ســيكون من المتعين معــه مواجهة كلفة هذا الحســم، إما مواجهة لأزمة شــرعيته داخل الحــزب، أو الدخول في احتكاك لا يريده مع السلطة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom