Al-Quds Al-Arabi

شمال سوريا: مجلس عسكري مرتقب لفصائل إدلب بمشاركة «هيئة تحرير الشام» و«الجبهة الوطنية للتحرير»: هل ستُحل عقدة «النصرة»؟

- دمشق – «القدس العربي» من هبة محمد:

عــاد ملــف إعــادة هيكلــة القوى العســكرية المســيطرة، وإنهاء الحالــة الفصائلية في محافظة إدلب ومحيطها شــمال غربي ســوريا، إلى واجهة الاحداث من جديد، لصالح بلورة مشروع «المجلس العســكري » وتأطير القوى العســكرية ضمن إطار تنظيمي، وتحويــل الفصائل لألوية يبلغ عددها 34 لواءً، وهــو ما كان قد طرح قبل نحــو أكثر من عام كمخرج وحل عقدة «هيئة تحرير الشام.»

وفي رأي خبراء ومراقبين فإن المشروع يأتي في ســياق العمل على ســحب ورقة ضغط بيد روسيا تتمثل في إصرار موســكو على اســتمرار مكافحة الإرهاب في إدلب، لكن لا يعنــي هذا بالضّرورة أن التذرّع بســيطرة التنظيمات الإرهابية على إدلب، ســينتهي، بل قد تطلق موســكو هــذه الصفة على المجلس العســكري الوليد وتتعاطــى معه كغطاء لاستمرار تنظيم «هيئة تحرير الشام.»

مصدر مســؤول من الجبهــة الوطنية للتحرير، المقربة من أنقــرة، أكد لـ«القــدس العربي» وجود تنسيق عسكري واسع بين الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام في إطار التحضيرات لدمج الفصائل، وبيّــن أن «غرفــة عمليات الفتح المبــن التي تضم هيئــة تحرير الشــام والجبهة الوطنيــة للتحرير موجودة وهي خير دليل على التعاون والتنســيق بين الطرفين .»

ويثير الحديث عن صهر الفصائل العاملة شمال غربي سوريا «المعتدلة والمصنفة أمنياً» ضمن بوتقة مجلس عسكري موحد، أسئلة وجدلاً واسعاً يتعلق بتفاصيل هذا المشــروع، لاســيما أن الهيئة مصنفة على قوائم الإرهاب، ولا يمكن دمج جســم إرهابي مــع جيش مصنف على أنه معتــدل، إذ يرى خبراء وعســكريون أنه «يجب الانتظار حتى إزالة اســم الهيئــة من لائحــة الإرهاب حتــى لا تصبح حجة لروســيا بضرب كامل الجيش الوطنــي باعتباره مندمجاً مع منظمة إرهابية.»

مدير مركز جسور للدراســات والأبحاث محمد ســرميني قــال إن ثمة جهــوداً ميدانيــة من أجل صياغة المشهد في إدلب، وتحدث الخبير لـ «القدس العربي» عــن «المعلومات التي رشــحت من جولة أســتانة 15 والتي تفيد بأن الجانب التركي حاول الدفع باتجــاه وقف دائم لإطلاق النــار في منطقة إدلب، وتحويلها إلى منطقة نفوذ متفاهم عليها على غرار مناطق عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.»

وأضــاف «حســب التصريحــا­ت التي صدرت عن وفد المعارضة الســورية الذي شــارك في شهر فبراير /شباط 2021 في «أستانة 15» والتي أشارت إلى اســتمرار وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بالتوازي مع الحراك السياســي مــن أجل تحقيق استدامة لوقف إطلاق النار، ثمة جهود ميدانية من أجل صياغة المشهد .»

ورجح المتحدث أن هيكل القوى العســكرية في محافظــة إدلب فــي طريقه للتبــدّل، وذلك لصالح بلــورة مشــروع «المجلــس العســكري» الذي تم طرحه ســابقاً لحل معضلة «هيئة تحرير الشــام .» ووفقــاً للمصــدر الواســع الاطلاع، فإنــه يتم في الوقت الحالي استكمال الترتيبات لتحويل فصائل محافظة إدلب لألوية عسكرية يبلغ عددها 34 لواءً، تتبع بشكل مباشر للمجلس العسكري الذي يقوده مندوبون عن هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير. وقــال، غالباً فإن الخطوة التي ســتتبع هيكلة الفصائل ضمن المجلس العســكري ستتمثل في تعيين وزير دفاع في حكومة الإنقاذ التي يجري العمل على تحويلها إلى سلطة تنفيذية بشكل كامل وفعلــي، وتصبح تبعية المجلس العســكري لوزير الدفاع بشكل مباشر.

هواجس تجاه الدور الروسي

ومن الواضح في رأي مدير مركز جسور أن هناك قراراً بإنهاء الحالــة الفصائلية في محافظة إدلب، والعمل علــى تأطير القوى العســكرية ضمن إطار تنظيمي، والاســتفا­دة من هذا الإطــار على صعيد زيادة الفاعلية العســكرية، وفي الميدان السياسي لجهة ســحب ورقة ضغــط بيد روســيا تتمثل في إصرار موســكو على اســتمرار مكافحــة الإرهاب في إدلــب، لكن لا يعني هذا بالضّــرورة أن التذرّع بســيطرة التنظيمات الإرهابية علــى إدلب، بل قد تطلق هــذه الصفة على المجلس العســكري الوليد وتتعاطى معــه كغطاء لاســتمرار تنظيــم «هيئة تحرير الشــام» وذلــك للحفاظ علــى ورقة ضغط يمكن اســتخدامه­ا في أي لحظــة لتبرير التحركات العسكرية. وكانت الدول الضامنة لمسار مفاوضات «أستانة» العسكرية حول ســوريا، روسيا وتركيا وإيــران، قد توافقت على تمديــد اتفاق التهدئة في منطقة إدلب، مشــددة على ضرورة مواصلة جميع الاتفاقات المتعلقة بالتهدئــة. وتضم غرفة عمليات «الفتح المبين» التي أسست في صيف العام الفائت، كلاً من «هيئــة تحرير الشــام» و«الجبهة الوطنية للتحريــر» المنضويــة ضمــن «الجيــش الوطني الســوري» حيث أعلنت وقتئذ «تحرير الشام» في بيان صدر عن جناحها العسكري في 26 من حزيران 2020 أنه يمنع إنشاء أي غرفة عمليات أو تشكيل أي فصيل عسكري تحت طائلة المحاسبة، بحيث تصبح جميع النشاطات العســكرية بإدارة غرفة عمليات «الفتح المبين» ونص البيان أن كل من أراد المساهمة في المجال العســكري «فالأبواب مشــرعة له ليقوم بذلك عبر غرفة عمليات الفتح المبين».

ومنعت هيئة تحرير الشــام تشــكيل أي فصيل أو غرفة عمليات في مناطق ســيطرتها شمال غربي ســوريا، وحصرت الأعمــال العســكرية في غرفة عمليات «الفتح المبين».

وحول مشــروع المجلس العســكري الموحد في إدلب، يقول الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي إنّ هيئة تحرير الشام تعوّل فعلاً على نجاح خطوة المجلس العسكري في إدلب لدعم مساعيها للتخلص من مشكلة التصنيف على قوائم الإرهاب. ومع ذلك، تواجه الهيئة عــدّة تحديات أبرزها تجاوز احتمال إعادة تصنيف المجلس العســكري من قبل مجلس الأمن الدولي بضغط من روسيا والصين، والعلاقة مع التنظيمات الجهادية المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، إضافة إلى العلاقة مع المقاتلين الأجانب.

وحــول العناصــر الأجنبية لــدى هيئة تحرير الشام، لا يبدو، في رأي المتحدث لـ«القدس العربي» أن بنيــة المجلــس العســكري ســتقصي المقاتلين الأجانــب في صفــوف الهيئة أو الجبهــة الوطنية للتحرير، فيما يُمكن الاعتقاد بأنه سيتم استبعادهم عن المراكز القيادية وعن الظهور الإعلامي.

أمــا فيما يخص التصنيف الدولــي، قال عاصي قــد يتم اللجوء إلى آلية تعيــق الإجراءات التقنية أمام المجتمع الدولي من قبيل تقديم شخصيات غير موضوعة على القوائم الســوداء ســواء في قيادة المجلس أو الألوية التابعة لــه، لكن مع إبقاء القرار الفعلي خاضعاً لهيمنة الشخصيات الأساسية مثل أبي محمد الجولاني وغيره.

«ثلاثي أستانة»

وفــي 17 فبراير /شــباط 2021 أصــدرت تركيا وروســيا وإيران بياناً ثلاثياً فــي ختام الجولة 15 من مباحثات مســار أستانة التي انعقدت على مدار يومين في مدينة سوتشــي الروســية، كرّر البنود والعبارات التي تضمنتها الجولات الســابقة على نحو واضــح. وأكّد البيــان الختامي علــى التزام الــدول الضامنة بعمــل اللجنة الدســتوري­ة. ومع ذلك، لا يبدو أنّه تم التوصّــل لصيغة اتفاق يضمن تحقيق تقدّم ملموس بمســار الإصلاح الدستوري، ولا حتــى تحديد موعد لانعقاد الجولة السادســة، وهي مسؤولية سيتولى المبعوث الأممي القيام بها بعد إجراء مباحثات مع الوفود المشــاركة والدول الضامنة.

لكن وفد المعارضة وتركيــا أيضاً حريصان على عدم استئناف الجولة السادســة دون العمل وفق منهجية محددة تتناول تلخيص المداولات، وتحديد جدول الأعمال بشــكل واضح، وتوســيع الجدول الزمني.

وكان واضحــاً أن البيــان الختامي قــد اكتفى بالتأكيــد على ضــرورة تنفيذ جميــع التفاهمات المتعلّقــة بإدلب، ما يعنــي اســتمرار التهدئة لـ 6 أشــهر إضافية بموجب ما تنصّ عليه مذكرة خفض التصعيد أو حتى انعقاد جولة أســتانة -16 والتي تم تحديدها بمنتصف عــام 2021، كما يعني إحالة ملف وقف إطلاق النار للمباحثات الثنائية الجارية بين تركيا وروسيا.

 ??  ?? عنصر من «تحرير الشام» يطلق قذيفة في اتجاه قوات النظام شمال سوريا )أرشيفية(
عنصر من «تحرير الشام» يطلق قذيفة في اتجاه قوات النظام شمال سوريا )أرشيفية(

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom