Al-Quds Al-Arabi

بإدمانها الهدوء تجاه ممارسات طهران ... هل ستخرج إسرائيل من اللعبة الإيرانية بخفي حنين؟

- اللواء احتياط رون تيرا

■ فشــلت حكومات إســرائيل في العقد الأخير في مواجهة تحديات الأمن الأساسية الثلاثة: المشــروع النووي الإيراني، وتسلح حزب الله بســاح دقيق، وتموضع إيران في المجالات المهددة لإســرائيل. وليس في اختبار النتيجة وحده نجد أن إيــران هي التي تصمم الواقع، بل إن حكومة إسرائيل لم تطرح اســتراتيج­ية حقيقية لوقف جهود النووي، والدقة والتموضع.

لقــد بنيت الاســترات­يجية الإيرانيــ­ة للتقدم في المشــروع النووي بخطوات صغيرة ومقنونة وممتدة )بمعنى أن سياقات تطوير مشابهة جرت فــي عدد متزايد مــن المواقع( وتبــث قوة رادعة تتجــاوز قوتها الحقيقيــة. وكان التوقيت المثالــي للهجوم على المشــروع النووي في بداية العقد السابق، وكان ينبغي لهدف الهجمات أن يكون تغيير الآلية وتحدي الاســترات­يجية الإيرانية. وكانت إيران ستضطر إلى الاختيار بين اســتمرار التقدم بخطوات صغيرة ومحاولة الانطلاق نحو النووي والأزمة الحــادة والفورية مع القوى العظمى. لــم تكن لإيران في حينه قدرة رد، وكانت صورتها الرادعة ســتتضرر، وكانت ستتشــكل أوراق مســاومة جديدة للقوى العظمى. وكان تمدد البرنامج النووي في حينه لا يزال متدنياً نسبياً.

غير أن حكومة إسرائيل هددت، ولكنها امتنعت عن الهجوم. وحركت التهديدات الإسرائيلي­ة إدارة أوباما لأخذ الملكية على الموضوع الإيراني، وهكذا ســد الطريق على تهديد الهجوم؛ وذلك لأنه كان سيقوض جهود الولايات المتحدة الدبلوماسـ­ـية بشكل مباشر. قاطعت حكومة إسرائيل الدبلوماسـ­ـية الأمريكيــ­ة بصبيانية، ولــم تؤثر علــى المفاوضات مع إيران. وعندما تبلور الاتفاق، ســافر نتنياهــو على عجل لإلقاء خطاب في الكونغرس محاولاً منعه، ولكنه جهد فشــل بل وقوض العلاقات مع الإدارة ومع الحزب الديمقراطي؛ وما زالت إسرائيل تدفع ثمن خطأ حتى اليوم في العلاقات مع إدارة بايدن.

ضغط نتنياهو علــى إدارة ترامب إلغاء الاتفــاق النووي، ولكن لم تعرض استراتيجية بديلة للاتفاق. أما الزمن الذي جلس فيه ترامب في البيت الأبيض، حتى بعد إلغاء الاتفاق، فلم يستغل بنجاعة لتحقيق أي هدف. إيران اليوم قريبة من النووي أكثر من أي وقت مضى. إضافة إلى ذلك، لم يعرض نتنياهو اســتراتيج­ية محدثة تستهدف حماية المصالح الحيوية الإســرائي­لية في ظروف ترغب فيها الولايات المتحدة في اتفاق ليس جيداً لإسرائيل.

تطلعت إيران و»حزب الله» لاســتغلال الحرب الأهلية في ســوريا لتسليح الحزب بســاح متطور، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة. تتطلع إيران لتطوير قدرة توجيه ضربة نوعية إلى جبهة إســرائيل الداخلية المدنية والعسكرية، وذلك من المسافة القريبة لإسرائيل. ورداً على ذلك، شــرعت إســرائيل، وفقاً لتقارير أجنبية، بسلســلة هجمات موضعية في ســوريا ومجالات أخرى. تكيفت إيران و»حزب الله» مع الهجمات، وغيرتا طريقة تسليح «حزب الله» بســاح دقيق، من نقله عبر سوريا إلى الإنتاج والتحويل على الأراضي اللبنانية. هددت حكومة إســرائيل مــرة أخرى، ولكنهــا امتنعت عن الهجــوم في لبنــان. وأصبح «حزب الله» اليوم يحوز مئات الصواريخ الدقيقة ويواصل مســاعيه للإنتاج والتحويــل. فضلاً عن ذلــك، لم تعرض الحكومة اســتراتيج­ية محدثة تســتهدف منع جهود «حزب الله» المستقبلية في التسلح، بمعنى أنه من الصعب رؤية ما ســيوقف منظمة الإرهاب من التسلح بمئات أخرى، بل وربما آلاف الصواريخ الدقيقة.

إن المعركــة بــن الحروب التــي تديرها إســرائيل تســتهدف منع التموضع الإيرانــي في المجالات التي تهدد مصالح إســرائيل الحيوية. ومع أن إســرائيل تبتهج لنجــاح هجماتها التكتيكــي، فهي تتجاهل أن هذه الهجمات لا تحيد إيران عن مســارها على المستوى الاستراتيج­ي. ومع مرور الأيام تصبح إيران هي مصممة الواقع في أجزاء من ســوريا والعراق، وبجوار مسالك الملاحة الإسرائيلي­ة. وفي كل يوم يمر، تخصب إيران المزيد من اليورانيوم، ويتســلح «حزب الله» بمزيد من الصواريخ الدقيقة. وهناك مــن يدعي بأن إحدى فضائل حكومات العقد الأخير هي الامتناع عن المخاطرات والمغامرات. ولكن إدمان الهدوء في المدى القصير يؤدي سيبعد إسرائيل عن ألا تكون لاعباً جدياً في اللعبة الإيرانية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom