Al-Quds Al-Arabi

بابا الفاتيكان: لقائي بالسيستاني «سما بروحي» وصُدمت من «الوحشية التي لا تصدق» في الموصل

«هيئة علماء المسلمين» اعتبرت زيارته العراق «دعما واستمرارا لنظام الموت والقهر والاستعباد»

- بغداد ـ «القدس العربي»:

أطلق بابــا الفاتيكان فرنســيس أمس الإثنين وهو على متن الطائرة التي تقله في رحلة العودة من العراق لرومــا، تصريحات حول زيارته لبلاد الرافدين، فيمــا اعترضت هيئة علماء المســلمين على الزيارة معتبرة أنها جاءت في «ســياق دعم واستمرار نظام الموت والقهر والاستعباد» حسب تعبيرها.

وذكر البابــا بأنه قرر بعد الكثيــر من الصلاة والتفكر أن يــزور العراق على الرغــم من زيادة حالات بكورونا، وأشــار إلى أن الرب سيحمي من أتوا لرؤيته من الإصابة بالفيروس.

وقال متحدثا إلى الصحافيين على متن الطائرة التي تقله فــي رحلة العودة إنه يــدرك أن بعض الكاثوليــ­ك المحافظين ســيرون لقــاءه بآية الله العظمى علي السيستاني «يبعد خطوة واحدة من الهرطقة» لكن أحيانا تكون المخاطرة ضرورية في العلاقات بين الأديان.

وأضاف فرنســيس )84 عاما( أن أولى زياراته الخارجية في 16 شــهرا أجهدته أكثر من زياراته السابقة.

«ولدت من جديد»

لكنــه قال إنه شــعر أنه «ولد مــن جديد» بعد «الشــعور كما لو أنني كنت سجين» قيود فيروس كورونــا. وأضــاف أن «84 عامــا لا تأتــي دون معوقات» وإنه لا يمكنه القول ما إذا كان سيحد من زياراته في المستقبل.

وفي حين تُوضــع الكمامات الواقيــة ويُراعى التباعد الاجتماعي في بعض اجتماعات البابا في الأماكــن المغلقة، حيث تكون المشــاركة محدودة، حضر آلاف معظمهم شبان قداسا في ملعب أربيل ليل الأحد دون الالتزام بهذه القواعد.

وكثيــرا ما حــث البابــا الناس علــى احترام توجيهات الســلطات المحلية، وقال الفاتيكان قبل الزيارة إنه على ثقة من أن المســؤولي­ن العراقيين سيتمكنون من جعل المواطنين يلتزمون بالقواعد.

وســأله صحافي عمــا إذا كان قلقا من احتمال تعرض من أتوا لزيارته للإصابة بل والموت، فقال البابــا «أدرس الرحلات على مهــل. وهذا )تهديد الفيروس( من الأمور التي جعلتني أفكر )وأقول( ربما، ربما )أقوم بها)».

وأضاف «فكرت بشــأنها كثيــرا وكذلك صليت كثيرا. وفي النهاية اتخذت القرار بحرية. نبع من داخلي وقلت )الرب( الذي يسمح لي باتخاذ قرار على هذا النحو سيشمل الناس برعايته».

ومضى يقول «وهكذا اتخذت القرار بعد الصلاة

والوعي بالمخاطر».

من أهم فعاليات زيــارة البابا لقاؤه في مدينة النجف يوم الســبت بالسيستاني )90 عاما( أحد أكثر الشــخصيات الشــيعية تأثيرا فــي العراق وخارجه.

وقال عن الاجتماع «في بعــض الأحيان كل ما عليك هو أن تخاطر».

وأضاف «هناك بعض المنتقدين الذين يقولون إن البابــا ليس شــجاعا لكنه متهــور وإنه يفعل أشياء تخالف العقيدة الكاثوليكي­ة وتبعد خطوة واحدة من الهرطقة».

ومنذ توليه البابوية، ينتقد المحافظون انفتاحه على العالم الإسلامي عبر أمور منها توقيعه وثيقة مشتركة عام 2019 بشأن الأخوة بين الأديان خلال زيارة لأبو ظبي. وكانــت تلك أول زيارة يقوم بها أحد بابوات الفاتيكان لشبه الجزيرة العربية.

وقال فرنسيس «ثمة مخاطر لكن تلك القرارات تتخــذ دائما خــال الصــاة» مضيفــا أنه وجد السيســتان­ي «حكيمــا عظيما ورجــا من رجال الرب» وأن الاجتماع «سما بروحي».

وســمع فرنســيس صباح أمس الأحد سكانا مســلمين ومســيحيين في مدينة الموصل المدمرة يحكــون عن حياتهــم تحت حكم تنظيــم الدولة الإسلامية الذي احتل المدينة من 2014 إلى 2017.

وقــال للصحافيــن إن زيــارة الموصل، حيث جلس وســط أنقاض المباني والكنائس القديمة، تركته مصدومــا من «الوحشــية التي لا تصدق» التي شهدتها المنطقة.

وأضاف أنه يريد بشــدة زيارة لبنان في أسرع وقــت ممكن لإظهــار التضامــن مع أتبــاع جميع الأديان الذين يعانون هناك.

فضلاً عن تصريحاته غرد البابا واصفاً نســاء العــراق بالشــجاعا­ت اللواتــي يواصلن إعطاء الحياة بالرغم من الانتهاكات والجراحات.

وزاد «أود أن أشــكر من عمق قلبي كل النســاء وخاصة نساء العراق النساء الشجاعات اللواتي يواصلن إعطــاء الحياة بالرغم مــن الانتهاكات والجراحات، فلتحترم النســاء وليمنحن الحرية ليحظين بالاهتمام ويمنحن الفرص».

رسالة تضامن

في الســياق، اعتبر رئيــس الجمهورية برهم صالــح، أمس زيــارة البابا فرنســيس أنها تُمثل رســالة تضامن إنســانية كبيرة مع العراق الذي انهكته عقود من العنف والنزاعات.

وقال فــي «تغريــدة» له بعــد توديــع البابا في مطــار بغداد الدولــي، «ودعّنا قداســة البابا فرنســيس، بعد أن حل ضيفاً عزيــزاً لثلاثة ايام

مضيئة في بغداد والنجف وأور ونينوى وأربيل» واصفا الزيارة أنها «تُمثل رسالة تضامن إنسانية كبيــرة مع بلدنا الــذي انهكته عقــود من العنف والنزاعات».

في الأثناء، أكدت الســفارة العراقية في دولة الفاتيكان، أن زيارة البابا فرنســيس، ستزيد من التعاون الدولي مع العراق في مختلف المستويات والأصعدة.

ونقلــت الوكالــة الحكوميــة عــن الســفير، رحمن فرحــان العامري، قوله إن «زيــارة البابا فرنسيس بحد ذاتها هي رســالة إخوّة وتضامن مــع الشــعب العراقي بكافــة مكوناتــه الدينية والمذهبية والعرقية، لما أصابهم بســبب الحروب العبثية الدامية ومآسيها والإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره ومسمياته».

وأضاف، أن «رســالة البابــا التضامنية تحت عنوان )كلّنا إخوة( تجعلنــا أن نعيد التفكير في الهدف الأساســي لهذه الزيارة والنتائج المنطقية لها، لتحفيز جميــع العراقيين من أجل التشــبث بــأرض آبائهم وأجدادهــم والتمســك بإيمانهم الراسخ بالأنبياء والرسل».

وتابــع: «فضلا عن توحيــد الصفوف من أجل إعــادة إنعاش العــراق وعلى كافة المســتويا­ت الأمنيــة والاقتصادي­ــة والخدميــة والاجتماعي­ة وغيرها» مشــيراً إلى أن «هناك أصــداء إيجابية واســعة وخاصة علــى المســتوى الإعلامي لهذه الزيــارة، وهذا ما نشــاهده من خــال القنوات التلفزيوني­ة الدولية التي تبث هذه الزيارة بطريقة مفصلة وفي بعض الأحيان أيضاً بثاً مباشراً. ذلك ســيؤثر إيجابياً ويزيد من آفاق التعاون الدولي مع العراق على جميع المستويات».

في الأثناء علقت إيران على زيارة بابا الفاتيكان «التاريخية» إلى العراق ولقائه السيستاني.

وقــال المتحــدث باســم وزارة الخارجيــة الإيرانية، خطيب زاده، في مؤتمر صحافي، أمس إن «الزيــارة كانــت إيجابية جدة وهي بنفســها زيــارة مهمة» مضيفــا أن «العــراق يتمتع بالأمن والاســتقر­ار اللازم لهــذه الزيــارة ببركة فتوى المرجعية الرشــيدة ودماء الشــعب العراقي في سبيل أمنهم واستقرارهم».

وأشــار إلى أن «لقاء البابا فرنســيس مع آية الله العظمى الســيد السيستاني يدل على الحوار بين الأديان وليس لها رســالة إلا الحوار والسلام والمحبة بين الحضارات والأديــان ضدا للخطاب العنيف».

وقال إن «المرجعية العليا في تصريحاتها بهذا اللقاء أكــدت على أمور مهمة منها الحقوق الدولية ورفع العقوبات ضد الشــعوب وضرورة التركيز على رفــع آلام الشــعوب وتحقيق عالــم أفضل

والاهتمام بحقوق الشــعب الفلسطيني وهي كلها مطالب ذات أهمية كبيرة.»

لكن هيئة علماء المســلمين، اعتبــرت أن زيارة بابا الفاتيكان للعراق لم ولن تقدم للعراقيين شيئًا وجاءت في ســياق دعم واســتمرار نظام الموت والقهر والاستعباد

وأصــدرت الأمانة العامــة في الهيئــة علماء بيانًا نشــرته على صفحتها في «فيسبوك» أمس، أكدت فيــه أن «هذه الزيارة كانــت )حملة( مهمة من حملات )العلاقات العامة( الدولية؛ لترســيخ الأوضاع الشاذة في العراق، وإضفاء المشروعية اللازمة علــى النظام السياســي العنصري فيه، القائم على مخالفة قواعد الســام العالمي والسلم المجتمعي، التي تجعلها )دولة الفاتيكان( في سلم أولويات علاقاتها الدوليــة، وتصبغ بها خطابها السياسي .»

وسجلت الهيئة في بيانها ملاحظاتها على هذه الزيارة؛ «فهي لــم تنتقد -ولــو بتحفظ- نظام المحاصصة الطائفية والعرقيــة القائم في البلاد، والمتســبب بتفتيت نســيج المجتمع العراقي؛ بل كانت زيارتــه داعمــة للحكومة، والميليشــ­يات الســاندة لها، التي تعيث بأمن البلاد وتهدد أمن المنطقــة جميعًا، وتعد أكبر أوجــه الإرهاب الذي عمل على تهجير العراقيين، ومنهم )المسيحيون .»)

ولم تنصف الزيارة، حســب البيان «الضحايا العراقيــن جميعًــا، وإنمــا كانــت انتقائية في محطاتها ورســائلها وخطابها، وهو ما أكده البابا بنفسه في عدة أماكن، ولا سيما وهو يخطب على أنقاض مدينة الموصل المدمــرة، التي يرقد تحتها -حتى اللحظة- كثير من العراقيين بسبب الحرب عليها، التي كان خطابه عنها انتقائيًا كما هو حال خطابه في هذه الزيارة؛ حيث لم يجرؤ وقتها على إدانة الدمار الشامل للمدينة وقتل أبنائها على يد القوات الدولية والحكومية والميليشيا­وية، مكتفيًا

بإدانة جرائــم القتل قبل غــزو المدينة وتدميرها فقط».

واعتبــرت أن «البابــا كــرّم القتلة مــن قادة الميليشيات والحشــد ورعاة العملية السياسية، والتقى بهم، وأظهرهم بمظهر القادة الذين طالبهم بالقضاء على الفساد فقط، بعد أن أنعم على بعض من ثبت قيامهــم بـ -جرائم حــرب وجرائم ضد الإنســاني­ة- منهم بالعطايا؛ وهو أمر يرسخ واقع الانفلات الأمني والقتل المستمر، ويتعارض تمامًا مع دعوته إلى «إنهاء ظاهرة انتشــار السلاح بين أيدي جماعات خارج سيطرة الدولة»».

وأشارت إلى «التجاهل التام في الزيارة لمطالب الشــعب العراقي بالتغيير، وعدم الالتفات لحركة الاحتجاج الشــعبي ومطالب )شــباب تشرين( بتحقيق حياة حرّة كريمة؛ إذ لم يدن أو يســتنكر آلة القمع والقتل التي تســتهدفهم؛ بل لم يتعرض لذكرهم بتاتًا».

 ??  ?? بابا الفاتيكان خلال حديثه في الطائرة التي أقلته من بغداد إلى روما
بابا الفاتيكان خلال حديثه في الطائرة التي أقلته من بغداد إلى روما

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom