Al-Quds Al-Arabi

«الغارديان»: حرب اليمن لن تنتهي قريباً ... جوع وكورونا ونزوح جديد من مأرب

-

قالت مراســلة شــؤون تركيا والشــرق الأوســط في صحيفــة «الغارديــا­ن» بيثان ماكرنــان إن الحرب علــى الأرض في اليمن «لــن تنتهي قريباً». وأشــارت إلى أن «اليمن وأصدقاءها اليمنيين لديهم مكانة خاصة في قلبها. وكل زيارة هي بمثابة تجربة حلوة مرة وكل الذكريات في المساءات الجميلة قد تنتهي بغلاف من الحزن».

وفي أثناء زيارة لها إلــى اليمن في 2019، كانــت تنتظر إذنــاً من المســلحين الحوثيين للسفر إلى شمال البلاد، ووجدت نفسها عالقة لعــدة أيام فــي المدينة الصحراويــ­ة، مأرب. وقالت: «كنت متعبة من السفر والحرارة، ولم أتناول طعامًا جيدًا وحاولت الانتهاء من عمل تقارير جيدة، لكن لا شــيء يحدث في اليمن سريعًا، إن كان هناك شيء يحدث».

وتتذكــر أن صديقًا دعاها لزيــارة أقاربه الذين شــردتهم الحرب ويعيشون في المدينة لتنــاول طعــام الغــداء، حيــث طبخت الأم فايزة أشــكالاً متعــددة من الطعــام، وربما بدأت بالطبخ بعد الفجر، وشــملت «ســلتة» التي تفضله وكعكاً من العســل اســمه «بنت الصحــن» لم تتناوله من قبــل. وتصف كيف تحدثوا عن السياســة والحرب وكيف لعبوا ومازحوا الأطفال الذين كانت أصغرهم طفلة جميلة اســمها خديجة لم تتجاوز الشــهرين من عمرها، وكانت الزيارة تذكيراً لها بالحياة الطبيعيــة، وأن هناك عائلات تمارس حياتها بشــكل يومي وتمنت لــو كتبــت تقارير عما عاشته، وأن الحياة ليســت فقط موتاً وكآبة في اليمن.

تحطم القلب

لكنها شعرت بالتحطم عندما تلقت رسالة من أحــد أفراد العائلة يخبرهــا بأن خديجة مرضت وارتفعــت حرارتها وتوفيت. وحاول والداهــا أخذها إلى المستشــفى لكن لم يكن هناك طبيب للمســاعدة. وتضيف ماكرنان: «أفكر بحياتهــا القصيرة كثيراً، وبالنســبة لليمنيين فالحرب موجــودة دائماً، ولا مجال لهم لتجاهلها لمدة طويلــة. ولو أراد البعض مشــاركة تجربتهم الصعبة والمؤلمة معي كما فعلت عائلة خديجة، فعلي واجب الاستمرار بالعمل. فالحديــث هو ما لدى ســكان البلد وهو ما يقومون به وهو شــرف أتعامل معه بجدية .»

وترى أن المحررين فــي الصحيفة أظهروا تعاونا مثيرا للإعجاب بما تقوم به لاعتقادهم أنه مهــم، ولا تخصص الكثيــر من الصحف مصادر ودعم لجهود كهــذه. وتعتقد الكاتبة أن واحداً من الأســباب التــي جعلت اليمن خارج الرادار لوقت طويل، هو إغلاق حدوده البرية ومجاله الجوي، حيث لم يخرج أي من المهجرين بسبب الحرب مع أن 3 ملايين يمني نزح بســببها. ولو وجد اليمنيــون طريقهم إلى شــواطئ اليونــان ودول جنوب أوروبا وأخذوا يقصون مــا تعرضوا له دونما خوف من الجماعــات المتحاربة، لــزادت الضغوط على الدول الغربية التي تبيع السلاح للدول المشاركة في الحرب لوقف الصفقات.

وقالــت ماكرنان، إن الحصار الســعودي هو معــوّق كبيــر للعمل فــي اليمــن، فمن الصعب الدخول، وعــدد الطلبات المرفوضة للصحافيــن أكبــر مــن تلــك التأشــيرا­ت الممنوحة لهم لدخــول اليمن. ولا يتعدى عدد طائرات أســطول الخطوط الجويــة اليمنية ســت طائرات، ولهذا يعتبــر الحصول على مقعد عليها مثــل الحصول على تراب الذهب، وعادة مــا تلغى الرحــات دون إنذار وبأمر من التحالف. والحل هو اســتئجار ســيارة والدخول من جنوب عُمان لو استطعت إقناع مســؤولي الحدود. وتأخذ الرحلة من هناك إلى عــدن، العاصمة المؤقتــة للحكومة ثلاثة أيام.

وعادة مــا تصبح النزاعــات التي يطول

أمدها لســنين عدة أكثــر تعقيــداً، والنزاع اليمني ليس استثناء، فهناك القوات الموالية للحكومة اليمنية، وأخرى موالية للمتمردين الحوثيين وحركات أنشــئت في 2017 وتريد فصل الجنوب عن الشمال، وهي ثلاث حروب في حــرب واحدة، بالإضافــة لخلايا تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في الصحراء.

جنات على الأرض

وطغت الحرب والخسارة الإنسانية على جمــال اليمن المذهل، فبعــض أجزاء اليمن لا تختلف عــن النمطية المعروفة عــن المنطقة والصحــراء الممتــدة، ولكن عندمــا تدخل الشــمال وجبالــه، تكــون كمن دخــل عالم الجناّت: ســحب الغيم التي تغطــي المزارع الخضراء، والقــاع بلون حبــر الزنجبيل، وتعود إلى القرون الوسطى التي تبدو وكأنها تحاول الإمســاك بأطراف الجبــال. وأفضل أنــواع القهوة فــي العالم تأتي مــن الجبال اليمنية، وتتعالى حلقات الذكر والموســيق­ى من مساجد الصوفية.

فاليمــن هــو مكان متجــذر فــي التاريخ والثقافة، وظاهرة طبيعية استثنائية، وفيه

أرخبيــل ســقطرى المعــروف ب»غالابوس المحيــط الهندي». وبالطبــع كان من الأفضل الاحتفال باليمن وعجائبه بدلا من الشــفقة عليه بســبب حمام الدم فيه، وحتى بالدفعة الأخيرة من الرئيس جوزيــف بايدن لوقف النزاع، فلن يتوقف في وقت قريب.

وزادت الحرب بــن الحوثيين والحكومة اليمنية ســوءاً بداية العــام الحالي كما كان الحال عــام 2020. ومدينة مأرب التي تعيش فيها عائلــة خديجــة، كان واحــة أمن لكل الفارين من الحرب. لكن الحوثيين يشــنون عليها هجوماً واســعاً بشكل يعرض مليوني نســمة فيها للخطر ويدفــع النازحين للفرار من جديد. وفي هــذه المرة لا يعرف الكثيرون إلى أين المفر. وسيصبح الوضع الإنساني في الأشــهر القادمة أســوأ، في ظل خفض الدعم الدولــي، ونصف الســكان فــي حالة جوع. ويواجــه اليمن موجــة ثانية مــن فيروس كورونا، مع أنه من الصعب وصف الأثر الذي تركه كوفيد-19 على البلد نظراً لعدم وجود مراكز الفحــص فيه. وكل هــذا يجعل العمل وتغطية أخبار اليمن تجربة تستنزف الجهد والعاطفــة، ولكن الشــعور بأن هــذا العمل يحدث فرقًا هو دافع قوي.

 ??  ?? يمني يحتضن طفله ذا الأربع سنوات الذي يعاني من حالة سوء تغذية حادة في مخيم للنازحين في محافظة حجة شمال البلاد
يمني يحتضن طفله ذا الأربع سنوات الذي يعاني من حالة سوء تغذية حادة في مخيم للنازحين في محافظة حجة شمال البلاد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom