Al-Quds Al-Arabi

ليبيا: مزاعم «رشاوى» تهدد بتعطيل المسار السياسي

-

إســطنبول ـ الأناضول: أزمة جديدة تواجه حكومــة الوحــدة الوطنيــة الليبية بقيــادة عبد الحميــد دبيبة، قبيــل اجتماع مجلــس النــواب لمنحهــا الثقــة، تتمثل في وجــود مزاعم بدفع رشــاوى فــي ملتقى الحوار السياسي.

ودفعت تلك المزاعم حكومتي «الوفاق» و»المؤقتــة» المتنازعتـ­ـن، إلــى تأجيــل تنسيقهما مع السلطة التنفيذية الجديدة.

وتهدد هذه المزاعــم «إن ثبتت» بتعطيل الحــوار السياســي، خاصــة وأن 42 نائبا طالبــوا البعثــة الأمميــة بتأجيــل جلســة مجلــس النــواب لمنــح الثقــة للحكومــة الجديدة، الإثنين، بمدينة سرت )وسط(.

الأعضــاء الثلاثــة للمجلــس الرئاســي الجديد، ورئيس الحكومة المكلف، المعنيين بشــكل مباشــر بهــذه الاتهامــا­ت، طالبوا بتحدٍ لجنة الخبراء الأممية بنشر التحقيق المتعلق بالرشــاوى التي وزعت في ملتقى الحوار.

وتعهد المســؤولو­ن الأربعة في السلطة التنفيذية الجديدة، «بعدم الســماح بتولي أي مسؤولية لكل من تورط في الفساد».

لكنهــم فــي الوقــت نفســه اتهمــوا من وصفوهــم بـ«المعرقلــن» باســتغلال «الظــروف الراهنة لإفشــال نتائج الحوار وتعطيل مسيرة المصالحة».

مزاعم قديمة أثيرت بتوقيت حساس

لكــن المزاعــم لــم تكــن وليــدة الظــرف الراهــن، بــل أثيرت فــي نوفمبر/تشــرين الثاني 2020 عند انعقاد أول جلســة لملتقى الحــوار السياســي في تونــس، ووجهت الاتهامــا­ت لـ»علــي دبيبــة» عــم رئيــس الحكومة المكلــف، بتقديم رشــاوى، الأمر الذي نفاه الرجلان.

وطالــب علــي دبيبــة، حينهــا البعثــة الأممية بالتحقيق في هذه المزاعم، لأن عدم فتح الملف بشــفافية «ســيهز ثقة الشــعب بأعضاء الحوار .»

لكــن ملحق التقريــر الذي أعــده خبراء أمميــون ورُفع إلى مجلــس الأمن، يتحدث بشكل تفصيلي عن «شــراء أصوات ثلاثة

مشاركين على الأقل في محادثات السلام الليبيــة». وأشــار التقريــر إلــى أن حجــم الرشــاوى تراوح بين 150 ألف و500 ألف دولار لكل عضو في لجنة الحوار.

منح الثقة للحكومة على المحك

لا يوجــد ما يؤكد أن انتخابات الســلطة التنفيذيــ­ة المؤقتــة علــى مســتوى ملتقــى الحوار السياســي ســيتم إعادتها إذا ثبت وقوع فساد لصالح القائمة الفائزة.

لكن المبعوثــة الأممية بالنيابة الســابقة ســتيفاني وليامــز، حــذرت فــي تشــرين الثانــي /نوفمبــر الماضــي، مــن أن «هــذه الأفعــال )الرشــاوى(، إذا ثبــت حدوثها، يمكن أن تشــكل عرقلة للعملية السياسية، وقد يخضع المعرقلون لعقوبات.»

فمجلــس الأمن الدولــي، مخول بفرض عقوبات على الأسماء الخمسة التي يُعتقد أنها إما ســلمت أو اســتلمت رشاوى. لكن ليس بالضرورة أن تطال العقوبات القائمة الفائزة بالانتخابا­ت ما لم يثبت تورط أحد أفرادها بشكل مباشر بتهم الفساد.

غير أنه من الناحية السياسية، سيتضرر بدون شــك رئيس الحكومة المكلف من هذه المزاعم، لذلك يصر دبيبة على الكشــف عن ملحق التقرير.

بيــد أن مجلس الأمــن الدولي لــن ينظر فــي الملحــق 13 المرفق مع التقريــر النهائي للجنة خبــراء الأمم المتحــدة، المعنية بحظر الأســلحة والعقوبات المفروضة على ليبيا، إلا منتصف مارس/آذار الجاري.

بينما جلسة منح البرلمان الثقة للحكومة عقــدت أمــس الإثنــن وتســتأنف اليــوم الثلاثــاء، لذلــك طالــب 42 نائبــا بتأجيــل الجلســة إلى حــن اجتماع مجلــس الأمن للنظــر فــي الملحــق 13 لتقريــر الخبــراء الأمميين.

لكــن ليس أمــام النــواب أيضا فســحة كبيرة من الوقــت، إذ أن آخر موعد لاعتماد الحكومة قبــل أن يحول الأمــر إلى أعضاء ملتقى الحوار هو 19 مارس/آذار.

وأمام انقســام النواب بشأن منح الثقة لحكومــة الوحدة، أعلــن العديد من أعضاء

ملتقى الحوار السياسي استعدادهم لتولي هذه المهمة إذا أخفق النواب في أدائها.

وحتى إن عــاد الأمر إلــى ملتقى الحوار فــا توجد ضمانــات لمنح الثقــة للحكومة، رغــم أن قائمة المنفي/دبيبــة، حصلت على 39 صوتــا مقابل 34 لقائمــة عقيلة صالح/ فتحي باشاغا.

فرغم أن دبيبة، يبــدو واثقا من حصول حكومتــه علــى ثقــة البرلمــان، إلا أن مكتبه الإعلامــي انتقــد مــا وصفهــا «محــاولات التشــويش على عملية تشــكيل الحكومة، وإفســاد حالة التوافق الوطنــي، وتعطيل عملية منح الثقة.»

وطالت هــذه الانتقادات عــدد الحقائب الوزاريــة، بشــكل أعطى الانطبــاع أن هذه الحكومــة لن تقتصر مهمتهــا على تحضير الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبــل، بــل قــد تســتمر لما بعــد هذا التاريخ.

حكومتان متصارعتان تنتظران سقوط الجديدة

لكــن عندما يصــل الأمر أن يطلــب فائز الســراج، رئيس حكومة الوفــاق «المنتهية ولايتها»، كل قطاعــات الحكومة إلى «عدم التعامــل» مع مســؤولي الســلطة الجديدة قبــل حصولهم علــى ثقة مجلــس النواب، فهذا مؤشــر على أن التحديات التي تواجه دبيبة «جدية».

كمــا أن عبد الله الثنــي، رئيس الحكومة الموازية في الشرق، أعطى تعليماته بتأجيل قــرار «إحالــة أســماء مندوبــي الحكومــة الخاصة بتوحيد مؤسسات الدولة» لحين اتضــاح ملامــح العملية السياســية. وهذا مؤشــر آخــر علــى أن المشــهد السياســي عــاد ليكتنفــه الغمــوض، والكــرة الآن في مرمى مجلس النــواب، لكن قد تكون هناك تداعيات دولية بعد نشــر الملحق 13 لتقرير الخبراء الأمميين.

وتمثــل هذه الأخبار «هديــة عيد الميلاد» لكل من الجنــرال الانقلابــ­ي خليفة حفتر، ورئيس برلمان طبــرق عقيلة صالح، اللذين لعبا دورا رئيســيا فــي تعطيل منح مجلس النواب الثقة لحكومة الوفاق في 2016.

فحفتــر لا يخدمــه أي مســار سياســي من شــأنه أن يُخضع ميليشــيات­ه لسلطات منتخبــة تملك الحق فــي عزلــه، أو إحالته للتقاعد أو حتى محاكمته.

أما عقيلة، فلن ينســى أنه خسر منصب رئيس المجلس الرئاسي أمام قائمة المنفي/ دبيبــة، ولــن يدّخر جهدا لإفشــال حكومة الوحــدة الوطنية، رغم الضغوطات الدولية وخاصــة الأمريكية لتمرير هــذه الحكومة وعدم تعطيلها. لكن هذه المرة، ينتظر عقيلة وحفتــر الخطــوة الأولى مــن الأمم المتحدة ومجلــس الأمن قبل التحــرك، حتى لا يتهم أي منهمــا بالوقــوف وراء إفشــال هــذه الحكومة.

لذلــك أمــام المجلــس الرئاســي الجديد وبالأخص رئيس الحكومــة المكلف معارك سياســية شرســة لخوضها على أكثر من جبهة خلال الأيام المقبلة.

وأول خطوة اتخذها المنفي ودبيبة، في مواجهة تقرير الخبراء، التأكيد على نزاهة انتخابــات أعضــاء ملتقــى الحــوار الـ75، والتبرؤ من أي شــخص قد يكون تورط في عملية فساد.

بــل توعــدا بحرمــان مــن تورطــوا فــي الفساد من المناصب، قبل أي يردوا بهجوم معاكس علــى منتقديهم باتهامهم بمحاولة إفساد الحوار وتعطيل المصالحة.

لكن هذا الأمر قد لا يكــون كافيا، فنقطة ضعــف المنفــي ودبيبــة عــدم امتلاكهمــ­ا قــوات علــى الأرض أو قــوى سياســية نافذة تسندهما، وقوتهما الرئيسية الدعم الأممــي والدولــي للحوار الــذي أوصلهما لأعلى سلطة تنفيذية.

وإذا فقدَ المنفي ودبيبــة، الدعم الدولي، فإن موقفهما السياســي ســيكون هشًــا، أمــام عــدة أطــراف تترقــب ســقوطهما، لتقاسم أشلاء السلطة والنفوذ.

وأي تعثر في المسار السياسي، سيطيل بدون شــك مــن عمــر الأزمــة، ويجعل من تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلماني­ة في 24 ديسمبر/كانون أول، أمرا صعب المنال.

ومــن غيــر المتوقــع أن يســحب المجتمع الدولــي دعمــه للمجلس الرئاســي الجديد وحكومة الوحــدة المرتقبة بالنظــر للتكلفة الباهظــة لهــذا الخيــار. ويتجلــى ذلك في دعوة السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلانــد، مجلــس النــواب للتصويــت بمنــح الثقــة للحكومــة الجديــدة «بشــكل عاجــل». كمــا أن كلا مــن ألمانيــا وإيطاليا أعلنتــا دعمهمــا لحكومة دبيبــة المقترحة، وتضغطان من أجل منحها الثقة.

لكن أطــراف داخلية من مصلحتها خلط الأوراق وتعطيــل المســار السياســي، مــا ســيعقّد مهمة حكومــة الوحــدة حتى بعد اعتمادها، بالنظر إلى تجارب سابقة.

 ??  ?? رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد دبيبة
رئيس الوزراء المكلف عبد الحميد دبيبة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom