Al-Quds Al-Arabi

مصيرهما مشترك مغلق بالضبة والمفتاح

-

ســؤال مهم طرحه محمد أمين في "المصري اليوم": "أين المصانع التــي أتاحتها الحكومة في المشــروعا­ت القومية؟ وأيــن فرص العمل ومَن يحصل عليهــا؟ هل هي فرص عمل خدمية أم إنتاجيــة؟ وهل وضعت الحكومة فــي اعتبارها خريجي الجامعات، أم خريجي الدبلومات الفنية؟ مع العلم أن هناك محافظــات مثل القليوبية لا توجــد فيها مصانع، وليــس لديها ظهير صحراوي.. ولم يدخــل أي مصنع فيها الخدمة علــى امتداد ســنوات، إن الشــباب لا توجد لديه مشــكلة في عمل أي شــيء.. ولكن أين هذا الشــيء أصلًا؟ عندنا شــباب جامعــي خريج لغــات وهندســة وصيدلة وآداب، لا يعمل منذ أن تخرج منذ سنوات.. وعندنا مؤهلات متوســطة لا تعمل، حتى في الزراعة، فــا توجد مزارع ولا مصانع.. وأغلقت الحكومة الباب في وجه الشباب بالضبة والمفتاح.. افتحوا البــاب للتوظيف أهم من تنظيف البيوت والترع، وعلى رأي ســيدة ريفية تقول: «وظّفوهم، وهم مَن يقومون بتنظيف البيت والترعة على حســابهم، وعلِّموهم الصيــد ولا تعطوهم الســمك»، إن الشــباب لا يريد دهان واجهات المنازل، ولكنه يريد مصانع ومشروعات صغيرة.. امنحوهم تمويلات مُيسّرة للعمل والإنتاج، بالتأكيد، تبطين الترع مشــروع قومي مهــم لا غنى عنه، وله آثــار بعيدة.. ولكن أهم منه بناء المصانع الصغيرة للتشــغيل.. الشباب حين يعمل يكفينا شــره وينشغل بعمله عن أي شيء آخر.. ويكفى بيتــه وأولاده.. خاصة أنه في ســن العمل والقدرة على الإنتــاج، ولا يصح أن يبدد طاقته في النوم والجلوس على المقاهــي.. الوزراء اليوم غيــر وزراء زمان.. الظروف اليوم غير ظروف زمان.. ســأل الكاتب رئيس الوزراء: كم شــابًا وجد فرصة عمل خلال عام، ومــا طبيعة ذلك العمل؟ وفي أي طريقة تم توزيع فرص العمل؟ هل هناك مســابقات أم يتم توزيعها دكاكيني؟ وأخيرا، أعرف أن الناس لها عشم في كُتابها وتلاحقهم بالتليفون والإيميل والماسنجر، وهذه صرخة للحكومــة لأن الناس تترك بياناتها في رقبة الكاتب وتمضي، مرات تتصل ومرات تخجل وتتوقف.. ولكنها تظل تؤلم الكاتب في يومه ونومه".

دماء رخيصة

زادت في الفترة الأخيرة جرائم الاعتداء على المصريين في الخارج ووصلت إلى جرائم قتل شبه يومية.. ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة، فإن القضية كماأعترف فاروق جويدة في "الأهرام" تحولت إلى ظاهــرة.. وأيا كانت التعويضات التي يحصل عليها الضحايا إلا أن الموقف يحتاج إلى مواقف أكثر حسما من الحكومة المصرية.. أن هؤلاء الضحايا ذهبوا إلى هذه الدول وتركوا أوطانهم وتغربوا، وليس الجزاء أن يعودوا فــي توابيت مغلقة.. أن كثيرا منهم لم يحصلوا على أجورهم ومنهم أعداد من العمال والحرفيين وقد ذهبوا بحثا عن أرزاقهــم.. أن الكثير من هذه الجرائــم عمليات قتل مع سبق الإصرار والترصد.. كما أن عمليات القتل تشهد سحل القتلى وتشويه أجسادهم.. أن تكرار هذه الاعتداءات على المصريين في الخارج لا تقتصر على دولة واحدة والشــيء الغريب أنهــا دول عربية شــقيقة.. كان العامل المصري في يوم من الأيام يلقى كل التقدير في الدول العربية الشقيقة.. وقد عاشت أعداد كبيرة من المصريين حياتهم في هذه الدول واعتبروهــ­ا وطنهم الثاني.. لا أســتطيع أن أبرئ حكومتنا من هــذه الكوارث التي تتكرر كل يوم ولا تكفى زيارة هنا أو عتــاب هناك، فليس في القتل عتــاب.. لا أدري إلى أي مدى نهتم بأحوال المصريين في الخارج، وما هي المؤسسات التي ترعى أحوالهم هناك، وأين السفارات والقنصليات المصرية في الخــارج.. إن أعداد المصريين العاملــن في الخارج تعد بالملايين وهم يرسلون إلى مصر مليارات الدولارات بالعملة الصعبــة.. ولا يعقل أن نتركهم يتســاقطون في جرائم قتل مجنونة.. في كل يوم نشــهد جريمة جديدة تســتباح فيها دماء مصري مغترب لم يجد عملا في وطنه، واختار الغربة ملاذاً.. في الأيــام الأخيرة حدثت أكثر مــن كارثة قتل فيها مصريون بلا جريمــة.. والمطلوب أن تحمــي مصر أبناءها في الداخل والخارج.. هؤلاء لهم حقــوق وواجبات علينا، وينبغي أن لا نتركهم ضحايا المــوت والإهمال في الغربة.. الاعتداء على المصريين في الخارج تحول إلى ظاهرة لا يمكن السكوت عليها.

تراجع مؤقت

لا تثق منال لاشــن كما قالت في "الفجــر" في ما تضمره لنا الحكومة من خطط لاستهداف جيوبنا: "دعك من تراجع الحكومة المؤقت وثورة حزب مســتقبل وطن على المادة 35 من قانون الشهر العقاري، وكأنهم اكتشفوا فجأة مساوئها. دعك أيضا من شبهة عدم دستورية القانون لأنه يهدد الملكية الخاصة المحصنة بالدستور، ودعك من كل هذا، وفكّر معي، هل تأثير كورونا أســوأ على صحتنا وعمرنــا وحياتنا، أم توابع رعب الرســوم والضرائب وشــبح فقــدان بيتك هو الأسوأ والأخطر؟ هذا ســؤال حقيقي لم أقصد به السخرية بالمرة من سلسلة الرسوم والضرائب التي نعيشها مرة تلو الأخرى، وضربة أشد من ســابقتها. فأزمة الشهر العقاري لم تكن الأخيرة وهي بالطبع ليســت الأولى من نوعها، إنها مجرد حلقة في سلســلة لعينة لم تكســر الحكومة حلقاتها حتى بعد جائحة كورونا، وكأن قدر المصريين أن يعيشــوا في توتر دوما، ما بين أزمة وأخرى ومشــكلة تجر مشــكلة

أشد. صرنا حقل تجارب بدون موافقات علمية أو شخصية. كل مرة يطلقون علينا مصيبة جديدة، فإذا احتمل جســدنا أو بالأحــرى جيبنــا المصيبة اســتمر تطبيقهــا، أو بدأ فلا شــيء يهم. أما إذا بدأ أن جرعة التجارب أقوى من مناعتنا الاقتصادية أو المالية يتم التراجع عن الأمر تحت شــعارات ســخيفة ومهينة لنا. مرة يكون التراجع عشان إحنا غلابة، والمعنى أن الحكومــة تتفضل علينا بهــذا التراجع. أما قمة السخف فهو اتهام أي شاكٍ أو معترض بالمؤامرة والأخونة على الفور.. ثم لا تكلــف لا الحكومة ولا الإعلام الذي يرمي الاتهامات بالاعتذار لنا كمواطنين شرفاء".

الأخطر مقبل

تابعت منال لاشــن إبداء سخطها من سلوك الحكومة: "تكرر هذا السيناريو مرتين خلال عدة أشهر.. مرة في ملف التصالح على العقارات المخالفة.. ثم مرة أخرى وليســت أخيرة أزمة الشــهر العقاري، وتســجيل العقارات، وفي المرتين كان المطلوب منا كمواطنــن أن ندفع أموالاً باهظة لا نمتلكها من ناحية، ومشكوكا في دستوريتها من ناحية أخرى، ولذلك اندهشــت عندما فجــرت الحكومة بمنتهى الجرأة أزمة الشــهر العقاري، وكأننا أمام حكومة عنيدة ترفض التعلم مــن أخطائها، أو بالأحــرى خطاياها، في كل مرة كانــت البداية بتهديد بحرمــان المواطن من حقه في الســكن، وحقه في أن يســتمر في بيتــه اللي حصل عليه بشــق الأنفس والغربة، ومع بوادر انفجار الغضب الشعبي تبدأ الحكومة في التراجع عن إجراءاتها العنيفة، وتقبل بالتقسيط وتفرط في كرمها بالتخفيضات في ملف التصالح، والآن تعاود التراجع من خلال البرلمان أو يدها البرلمانية، حزب مستقبل وطن. ولكننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها التراجع أو اعتــذار أو الرجوع للحق فضيلة، لأن تكرار هذه الأزمات ذاتية الصنع له توابع على المواطن والوطن، أسوأ وأخطر كثيرا من وباء كورونا، فلا يمكن أن يعيش شــعب على أعصابه وينام وهــو متوقع بأن هناك مصيبة أو ضريبة أو رســماً جديداً سيفرض في الصباح. لا يمكن توقع أن يكون هذا المواطن متحمسا لعمله، مطمئنا على غده، مشاركا في قضايا مجتمعه، والأخطر اقتصاديا أن هذه الحالة تصيب الأســواق بالشــلل، فحتى المواطن الذي يملك المال لم يغامر بشراء سلعة أو خدمة حرصا على فلوسه لأنه يخشى من فرض أعباء غير معلومة لا السبب أو التوقيت، وهذا الوضع الاقتصادي يسمى الكساد، فإذا أضفنا أثر الكساد الخاص بكورونا على الأسواق العالمية ونحن جزء منها".

لمن نلجأ؟

بعض المتابعين المصريين لملف ســد النهضة الإثيوبي يســألون كثيرا: لماذا لا تلجأ مصر لمجلس الأمن من أجل مناقشة المشكلة، واستصدار قرار ملزم يجبر إثيوبيا على وقف بناء السد، أو على الأقل الاتفاق مع مصر والسودان على آلية ملزمة للملء والتشــغيل. هــذا الموضوع مثار حوار طويل وممتد بين عماد الدين حسين رئيس تحرير "الشروق" والدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، الذي ألقــى الضوء على اقتراح البعــض بأن تلجأ مصر لمجلس الأمــن، قائلاً: ظن هؤلاء أن من الســهولة بمكان أن يصدر مجلس الأمن قرارا يلــزم إثيوبيا بوقف البناء والتشغيل لســد النهضة، وأن التبرير المصري الرسمي في مذكرة التنبيه الرســمية المصريــة للمجلس بتاريخ الأول مــن مايو/أيار 2020، بأن من شــأن النزاع الثلاثي المصري الســوداني الإثيوبي على سد النهضة أن يؤدى إلى احتــكاك دولي، ســيلقى فعلا إيجابيــا من مجلس الأمن في جلسته التي انعقدت في التاسع والعشرين من يونيو/حزيران 2020 أي بعد ستين يوما بتمامها وكمالها، ولم يتســن لمصر التقدم بطلب لعقد الجلسة المشار إليها إلا بطلب مــن الإدارة الأمريكية «الســابقة». تابع أيمن: يدرك المتابعون الجهــود الحثيثة التــي قامت بها مصر على مســتويات مختلفة، بدءا من القيادة السياسية، ثم الدبلوماسـ­ـية المصرية، وغيرها من مؤسســات تنفيذية فاعلــة، من أجل إعداد المســرح السياســي لدى الجهاز السياسي التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة «مجلس الأمن،» ولكن الجهاز السياســي ذاته، وجد ضالته في الأساس الميثاقي للأمم المتحدة، فضلا عــن ميثاق منظمة الاتحاد الافريقــي، فــأراح المجلس عن كاهله عــبء حتى مجرد المداولات حول النزاع المهدد للسلم والأمن الدوليين، وفقا للرؤية المصرية.

كفانا عنتريات

لم يشــأ مجلس الأمــن أيضا، كما أوضــح الدكتور أيمن ســامة في رسالته لعماد الدين حســن في "الشروق"، أن يحيل النــزاع لمحكمة العــدل الدولية٬ كما أشــار البعض، ولــم يــوص بتوصية محددة لأطــراف النــزاع تحفظ في ســجل المجلس الرســمي، ولــم يكلف حتى الأمــن العامة بالتوســط بــن الفرقاء، كما لــم يوص المجلس بتشــكيل لجنة لتقصي الحقائــق حول النزاع، ولكن أشــار المجلس بالإجماع إلى اضطلاع منظمة الاتحــاد الافريقي باعتبارها التنظيم الإقليمي الكفؤ «قانونا» لتســوية النزاع بين الدول الثلاث. شــهدت الأيام الأخيرة زخما مصريا سودانيا غير مســبوق في تاريــخ العشــرية الماضية، ومــن المرتقب أن

يعرض الســودان ومصر معا مقترحــات إبداعية جديدة، تكبح الغــول الإثيوبي الجامح في البريــة، ومنها تدليلا لا حصرا، عرض أكثر من مســودة للاتفاق الفنى المشار إليه، والتعلم من تجربــة الاتفاق الإطاري للتعــاون مع إثيوبيا عام 1993، التي لم تدخل النفاذ، فضلا عن مســائل قانونية جد مهمة، ليس مناســبا عرضها في وسائل الإعلام الموقرة. وختامــا، واهم من يعتقد أن الملء الانفرادي لســد النهضة وتشغيله بواســطة إثيوبيا، في قابل الشهور أو السنوات، ســيكون نهاية المطاف لمصر، وأن مصــر العظيمة يمكن أن تشــل إرادتهــا، أو تغل أياديهــا، أو تعدم إرادتهــا. انتهت رسالة الدكتور أيمن ســامة، وبدوره أضاف رئيس تحرير "الشــروق" أن بعض الدول الدائمــة العضوية في مجلس الأمن، خصوصا الصين لم تكن متحمســة لعرض ملف سد النهضة، في المنظمة الدولية، لأنه سيحول الأمر إلى سابقة قد تعود عليها بالضرر لاحقا.

ستراوغنا للأبد

المســيرة التفاوضية بشأن الســد بقيت، كما قال مرسي عطــا الله فــي "الأهــرام" على حالهــا بســبب المراوغات والمماطــا­ت الإثيوبية لأكثــر من 5 ســنوات متصلة، وقد تكفلت صفرية النتائج حتــى الآن، بتأييد وجهة نظر مصر والســودان في حتمية اشــتراك القوى الفاعلة في المجتمع الدولي في قراءة ما يمكن أن يترتب على الســلوك الإثيوبي من تداعيــات خطيرة، لا يمكن لمصر والســودان احتمالها، ومــن ثم فإن حقــوق مصر والســودان المائية غيــر قابلة للمساومة، لأنها تتعلق بالأمن المائي الذي هو مصدر الحياة والوجــود للبلدين، والذي يحتم عليهمــا المضي في طريق حماية هذه الحقوق مهمــا كانت الاحتمالات، ومهما تعددت الخيــارات. إن مفتاح الموقف ونحن علــى بعد خطوات من الموعد الذي حددته إثيوبيا لبدء الملء الثاني، هو أن تستمع إثيوبيا لصوت العقل، وتبادر من نفســها لنزع فتيل الأزمة، والاعتراف بالحق المشــروع لمصر والسودان، ليس فقط في حصتها التاريخية من ميــاه النيل، وإنما في ترتيبات الملء والتخزين، التي يمكن أن يترتب على أي خطأ في حساباتها حدوث كوارث فوق الاحتمال، خصوصا بالنسبة للسودان الــذي تعرض لأذى بالغ فــي العام الماضــي، نتيجة القرار الإثيوبــي المنفرد بالملء الأول خلف الســد. وأكد الكاتب أن ما صدر عن قمة الخرطوم أعطى رســالة واضحة بأن مصر والســودان مازالتا تأملان في الحل السياسي. وأن الأزمة صنعتهــا إثيوبيا عامدة متعمــدة رغم كل مــا أبدته مصر والســودان من تفهم صادق لحقها في التنمية، وبمقدورها الآن أن تصحــح كل ما وقع، ســواء بالاســتجا­بة للمطالب المشروعة لمصر والســودان في إطار القوانين الدولية التي تنظم اســتخداما­ت المياه فــي الأنهار عابــرة الحدود، أو بالقبــول بالرباعيــ­ة الدولية كحكم ووســيط يدعم جهود الاتحــاد الافريقــي التي لم تلــق تعاونا كافيــا من جانب إثيوبيا.

عبّر أكــرم القصاص في "اليوم الســابع" عن تفاؤله، لأن العلاقة بين شــعب وادى النيل في مصر والسودان تســتعيد قوتها بفضــل إدراك البلدين لوحــدة المصير والمصالــح. البلدان من دول الجــوار لليبيا، يتأثران بما يجري فيها، أمــن مصر القومي في الغرب، وللســودان من الشــمال والغــرب، ويتفق البلدان علــى دعم جهود الاســتقرا­ر في ليبيا من خلال الليبيين أنفســهم، والأمر نفســه في مــا يتعلق بأمــن البحر الأحمــر، الذي يمثل أهمية لمصر والسودان وجنوب السودان، وبالتالي فإن التحالفات أو الاتفاقيات العســكرية مــع مصر، بمثابة إشــارة إلى أن أمن الســودان عمق اســتراتيج­ي للأمن القومي المصري. والأمر نفسه، في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، الــذي يمثل ملؤه مــن دون اتفــاق، أضرارا واضحــة بمصالح مصر والســودان المائيــة، وبالطبع فإن التنميــة والتعاون والتكامل الاقتصــاد­ي، هو أحد أهداف التعاون بين البلدين لصالح شــعب وادي النيل. من هنا جاءت زيارة الرئيس السيســي للســودان بعد الكثير من الزيارات لمســؤولين من البلدين، وهي الأولى من نوعها عقب تشــكيل مجلــس الســيادة الانتقالي، والحكومة الانتقالية الجديدة، ورفع اســم السودان من قائمة الإرهاب، وإعادة العلاقات مع مؤسســات التمويل بعد الإصلاحات الاقتصادية. الســودان يشــق طريقه في مرحلة انتقالية ليســت سهلة، يســتعيد فيها قدراته التنمويــة والسياســي­ة بشــكل كبير، وعليــه أن يعبر هذه المرحلة وسط مســاع لقوى وتنظيمات تسببت في الكثير من الأذى، وتحاول تعطيل المسيرة، وأن يستعيد الســودان قدراته وثرواتــه ويديرها لصالــح التنمية العادلة.

ورطة جديدة

ليس ببعيد عــن أزمة المياه ما كتبه ســليمان جودة في "المصري اليوم": "بما أن الحكومة هي التي تقدمت بمشروع قانون جديد للموارد المائية والري، وبما أن مجلس النواب وافق عليه من حيث المبدأ، فلا بديل سوى أن يتزامن النقاش حول مشــروع القانون فــي المجلس، مع تقــديم له تتولاه الحكومة نفسها وتشــرحه في وسائل الإعلام. الحاصل أنه لا بديل عن ذلك حتى لا يواجه مشــروع القانون الجديد ما واجه قانون الشــهر العقاري المعــدل، فانتهى إلى ما انتهى إليه. وكانت شــائعات قد راجت عن اتجــاه الحكومة إلى بيع المياه للفلاحين، بعد إقرار مشروع القانون في البرلمان، ولم يكن هــذا صحيحا بدليل أن الحكومــة نفته في وقته، ولكن رواج شــائعة بهذا المعنى معناه أن مشــروع القانون ليس واضحا.. ولو شــاءت وزارة الري، صاحبة المشروع، لبادرت إلى الحديث مــع الفلاحين خصوصا، ثم مع المجتمع في عمومه، عن أن مشروع قانون كهذا ليس الهدف منه بيع مياه للفلاح، وكانت وزارة الري قد راحت تدعو قبل سنوات فــي مؤتمر حضرته فــي الأقصر، إلى برنامــج عمل تتبناه الــوزارة ويحمل عنوان: 4 تــاء.. والقصــد أن هناك أربع كلمــات لابد أن تحكم علاقتنا بالماء المتــاح لنا، وهي كلمات تبدأ كلها بحرف التاء على النحو التالى: ترشــيد، توعية، تنميــة، تحلية. وليس من الواضح أننا اســتطعنا الانتقال بالكلمــات الأربع مــن برنامــج العمل النظــري إلى حياة الناس، فلا يزال ري أشــجار الشوارع بالخراطيم، ولا يزال الكثيرون منا يستخدمون الحنفيات في الأماكن العامة، ثم يتركونها مفتوحــة على آخرها.. هناك بالطبع جهد حكومي في التحلية، وجهد آخر في نشر أدوات الري الحديث، وجهد ثالث في دعوات الترشيد، وجهد رابع في عمليات التوعية.. وكلها جهود مشــكورة.. ولكنها ليست كافية في بلد حصته من الماء 55 مليار متر مكعب، وحاجتــه الحقيقية مئة مليار متر".

نستحق الحرية

شــدد عبد القادر شــهيب في "فيتو" على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة لجميع المواطنين طبقا للدستور والقانون أيضــا، وليــس للصحافيــن والإعلاميي­ن فقط.. فلســنا نحن معشــر الصحافيــن والإعلاميي­ن مميزيــن عن غيرنا من المواطنين.. بل نحــن إذا انتقدنا مواطنــا عاديا وليس مسؤولا، يجب علينا بحكم القانون أن ننشر ونذيع رده على انتقاداتنا التي وجهناها له. تابع الكاتب: وما دام من مارس حقه الدستوري والقانوني في إبداء رأيه في أي شيء، ولم يرتكب خطــأ يعاقب عليه القانون مثل الســب والقذف، أو ترويج الشائعات فلا ضير عليه، ولا تصح محاسبته إداريا أو جنائيا، من يفعل ذلك مع من مارس حقه هذا، فإنه يخالف القانون والدســتور الذي يقر في بــاب الحقوق والحريات هذا الحــق للجميع، بل مطاردة من يمارســون حرية الرأي والتعبير في مجالس التحقيق والتأديب والوقف عن العمل أو حتى بتصريحات الاســتهجا­ن، هو خطــأ قانوني يجب على كل مسؤول أن يربأ بنفسه عنه. والرئيس السيسي قال بوضوح إنه مع ممارســة أي مواطن لحق التعبير والرأي، وكل ما طالبــه أن يكون ذلك لخدمة الوطن والمواطنين، وأن يســتند الرأي إلى معلومات ويقدم اقتراحات بديلة للفعل أو الإجراء، أو القرار الذي ينتقده.. ولسنا في حاجة للقول إن ذلك كلــه يتوفر فــي آراء معظــم المتخصصين، خاصة الجامعيين في العديد من القضايا والأمور.. لذلك ينبغي أن لا نرهب أحدا مارس حقه في إبداء الرأي والتعبير، لأن ذلك لا يتعارض مع الدســتور والقانون فقط، وإنما يحرمنا من أن نسمع آراء متنوعة قد تفيدنا وتجعلنا نصحح أخطاءنا، ونعدل من قراراتنا وتصرفاتنا.. وهذا لا يخدم لا الوطن ولا المواطن أبدا.

إعلام في الهواء

دافع كرم جبر في "الأخبار" عــن الإعلام المصري، مؤكداً على أنه ليس متخاذلاً ولا متراجعاً ولا منسحباً ولا متردداً، ولكنه يــؤدي دوره بأمانــة وموضوعية، ويقف حارســاً أميناً في ظهر الدولة المصريــة، متبنياً معاركها وتحدياتها. أما الإعلام الذي يبحث عنه البعــض ويتصورون أنه جنة الحرية، وبلســم الديمقراطي­ة، فله مفردات أخرى ليس لها أدنــى علاقة بالمهنية والموضوعيـ­ـة والمصداقية، التي تفرق بين إعلام وآخر. البعض يتصــور أن حرية الإعلام لا تكون إلا بإذكاء روح الغضب والتمرد في نفوس الناس، وشحنهم باليأس والإحباط، ليكونوا وقوداً للديمقراطي­ة.

البعض يتصور أنــه يعرف "نبض الجماهيــر" أكثر من الجماهير نفســها، وينصب نفســه متحدثاً باســمها راعياً لمصالحهــا مدافعاً عن أهدافها، بدون أن يســأل نفســه من منحه هذا التفويض؟ والبعــض يتصور أنه مبعوث هداية الــرأي العام، فيفتش فــي نظريات لا تمــت للواقع بصلة، ويبحث في فضاء فسيح عن إعلامه هو، الكامن في مصالحه الشــخصية. ومن يده في "الميه غير اللي إيــده في النار". فليست المســألة جمهورية الإعلام الفاضلة، ولكن أن نطرح على أنفسنا ثلاثة أسئلة: أين نحن الآن؟ أين نريد أن نصل؟ كيف نصل إلى هناك؟

إلى أين المسير؟

نحن الآن والكلام ما زال لكــرم جبر، في مرحلة انتقالية للإعلام في العالم كلــه، وليس في مصر وحدها، واقتحمت الثورة الرقميــة الأبواب والشــبابي­ك، وحطمت موروثات قديمة. نحن الآن أمام إعلام جديد "سوشــيال ميديا" يلعب فيه الجمهــور دور الإعلامــي، إعلام تفاعلي يشــارك فيه الجمهور بالرأي والتحليل، ولبعضهم جمهور عريض جداً. أين نريــد أن نصل بالإعــام؟ إلى ركوب قطــار التحديث

والتطويــر والرقمنة، والتركيــز على العنصر البشــري، باعتباره الفكر الإنســاني، الذي يشغل حيز أدوات الرقمنة الحديثــة، ويطوعها لخدمــة العمليــة الإعلامية وتحقيق أهدافها. العنصر البشــرى هو الأســاس، أما الوسيلة فقد تطــورت من الكتابــة علــى أوراق البردى حتــى الراديو والتلفزيــ­ون والموبايل والمقبل أكثر تعقيــداً. الرقمنة ليس معناها. كما يتصــور البعض. أن يتحــول الإعلاميون إلى "ريبوتات"، ولكــن أن تظل القوة الناعمــة هي التي تحرك الأدوات الحديثــة. كيــف نحقق ذلك؟ بالحــوار والنقاش وتحفيز إبداعات الفكر، بدون جلد للذات، أو اتباع سياســة "هدم الآخريــن" كي تقف فوق حطامهم و"تعلو".. ولكن إبدأ بالبناء ثم قف فوق ما تبنيه "لتعلو". من المهم جداً أن يحدث تزاوج هادئ بين الخبرات العلميــة والأفكار النظرية، فإذا تحدثت مثلاً عن رقمنة الطباعــة، عليك أن تذهب للمطابع، وتضع خطــة لنهضتها وتحديثها، وليس هدمها وتشــريد العاملــن فيها. من يفعل ذلك هم البشــر، والإعلام المصري يزخر الآن بمجموعات كبيرة من الشباب الرائع.. يحتاجون فقط إلى التشجيع والفرص العادلة.

مصنع الرجال

نصف نكاتنا للأسف، هي عن الصعايدة، ولعل الكثير من الأفلام، كما أكد ســيد علي في "الأهرام" هي ما دعمت إبراز الشــخصية الصعيديــة بهذا الشــكل الكوميدي. بدأ تكوين الصــورة العامة للصعيد، صورة الشــخص الذي لا يفقه شــيئًا، ويمكن الضحك عليه بسهولة، وهو ما نراه جليــا في شــخصية "العمــدة عبدالرحيم كبير الرحمانية قبلي ونجله"، اللذين ظهرا في الأفلام "الأبيض وأسود"، مُعبرين عن شــخصية "الصعايدة" بالاستهانة وعدم القدرة على تقدير الأمــور، حتى جاء محمد صفاء عامر ابن محافظــة قنا وأعاد الوجــه الحقيقي للمجتمع الصعيدي، من خلال مسلســل «ذئــاب الجبل» في أوائل تســعينيات القرن الماضــي، ليحدث انقلابــا حقيقيا في الدراما الصعيدية، اجتماعيا وثقافيــا ولهجة، ثم أكملها بمسلســل "الضوء الشــارد"، إلا أن حقيقة "تقفيلة دماغ" الصعايدة نابعة عن حسن التقدير التي تجعل الشخص منهم يقــدر الأمور، ويختار بشــكل صحيح مــا يجعله مصرا على رأيه وقادرا على تحميل المسؤولية الكاملة مع أفعاله. وربما تكون المستويات الاجتماعية والاقتصادي­ة في بعــض مناطق الصعيد ضعيفــة للغاية، ويكاد بعض الأشــخاص لا يجدون قــوت يومهــم، أو لا يمتلكون أي وســائل للراحة أو الترفيه مثل البقية، إلا أنه في الوقت نفســه، يعتبرون أغنياء بالمقارنة ببعــض المظاهر التي ربمــا تجدها في القاهرة، فلا يوجد في الصعيد من لا يجد مسكنا لينام فيه، كما لا يمكن أن ترى طفلا صغيرا أو رجلا كبيرا ينام في العراء، وللعلم فإن الصعيد والصعايدة هم مهد حضارة مصر وهم بناة حركة عمرانها الحالية، وهم محرك ووقود نهضتها المقبلة، إلى جانب إخوتهم في باقي أرياف ومدن مصر شــمالا وغربا وشــرقا. والصعيد هو مصنع الرجال ومنبع العلم والعلماء، ومركز المال والقوة والصبر والجلــد والكرامة، ثم إن تاريخ مصر، انطلق من الصعيــد، وإن حضارات ما قبل التاريــخ عن أول وجود لمصريين على أرض الكنانة كان في الصعيد.

جريمة العزيزية

نشــرت بعض صفحــات «فيــس بــوك» مجموعة من الصــور لترعة ســقارة البحرية بعد تطهيرهــا وتبطينها، وإلــى جوارها صور أخرى للترعة وقــد امتلأت مرة أخرى بالقمامة، كمــا أكد محمــد البرغوثي في "الوطــن"، مجرد مجرى مائــي راكد تتكدس فيه أطنان مــن القمامة المتحللة التي تنبعث منهــا روائح كريهة، وتتكاثر فيها الحشــرات لتصيب كل مــن يعيش عليها بجملة أمــراض مزمنة. وكان طبيعياً جداً أن تلتقط برامــج التلفزيون هذه الصور، وأن يشعر كثيرون بإحباط شــديد، وهم يطالعون هذه الكارثة التي وقعت بعد شــهرين فقط من تطهيــر وتبطين الترعة، وأن يتوقف آخــرون أمام هذه الجريمة باعتبارها ســلوكاً قد يتكرر في كل ترع ومصــارف مصر، التي يخضع معظمها الآن لأكبر عملية تطهير وتبطــن وتجميل، في تاريخ مصر المعاصر، وهــي عملية تهدف إلى إنقاذ شــرايين الوطن من انســداد مزمن وتلويث إجرامي، عانــت منهما مصر لأربعة عقود متصلة، تحولت خلالها الترع والمصارف من شــرايين تمد الغيطان والبيوت بأســباب الحياة والنماء والجمال، إلى مباءات قذرة تنشــر الأمراض وتُسمم الزرع والضرع. والمدهش في جريمة «ترعة سقارة» أن أهالي قرية العزيزية التي تقطعها الترعة، ظلوا لأكثر من عشرين عاماً يستغيثون بالمسؤولين لإنقاذهم من قذارة هذه الترعة تحديداً، ولا يكاد يوجد برنامج تلفزيوني لم يرســل الكاميرا إلى هناك لرصد عذابات هؤلاء الناس من المشاهد البشعة التي تدمر صحتهم وتنشــر الأوبئة والأمــراض المزمنة بينهــم، والمثير في كل التقارير التلفزيوني­ة التــي تم إعدادها من هناك، أنها كانت دائماً تتوقف عند المعلومات التاريخية، التي تشــير إلى أن «العزيزية» في البدرشين هي أقدم قرية مصرية، وأنها كانت جزءاً أساسياً من أول عاصمة عرفتها الإنسانية هي «منف»، وأنها أخذتْ اسمها من «عزيز مصر» أو وزير الملك الذي كان يعيش فيها، وأنها تنهض على كنوز أثرية.

الأمر إذن في حاجة لكشــف هذه الجريمة، لوضع آليات تمنع أهالي مئات القرى الأخرى من تخريب هذا المشروع القومي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom