Al-Quds Al-Arabi

أنتعل أزقة بيروت حذاءً

- ٭ ٭٭ ٭ ٭٭ ٭ ٭٭ الكــريم، أو أنّ أختك تشــاجرت مع خطيبهــا، أو أنّ صاحب المكتبة مصابٌ بالزكام.. تذكّر فقط أنّــك تدخُل مكاناً ينبغي ألا تحملَ فيه شــيئاً حتى اسمك، مكاناً ينبغي أن تتعرى فيه تماماً كبزّاقة. ٭ ٭٭ شوارع الحمراأقول شوارع لأنها ممتلئة كحقلٍ ها

بيروت، تلك التي تقضم شــفتيّ كما تقضم شــفاه الآخرين لكن... بالحب نفسه.

في شوارع بيروت، تحديداً في الساعة الثانية بعد منتصــف الليل، كلّ ما ينتظره منــك العابرون هو أن تقول لهم إنّك تدخّن الســيدرز، ليكتشفوا أنّك خفيف كذاكرتهم التي لا تتذكّر آباءهم. السماءُ في بيروت لا تمطر السماء؟ هل حقاً هناك منها في بيروت؟ كلّ مــا أعرفه هو أنّ الماء النازلَ على رأســي دموع امرأةٍ لم تجِد ريحاً تقبّلها.

حين تدخُل بيروت من بابها الشــمالي، تحديداً من الكرنتينا حيث تصبــحُ الكنزات كمامات أنوف؛ انسَ أنّك تحمِلُ تلفــونَ SAMSUNG، أو أنّك تســتمعُ بيتهوفن، أو أنّك تقرأ محمــود درويش، أو أنّ والدك يعمــل في وظيفةٍ حكوميّة، أو أنّك مارســت الحبّ مع عابرةٍ بخمســن ألف ليــرة، أو أنّ أمّك تحفظُ القرآن

حين يخرج أمامك أحد ويبــادرُ بالتعرف عليك في مسرح المدينة، عرّفه عن نفسك بكلمةٍ واحدة: مشرّد؛ هذه الكلمة تختصر كلّ ما فيك وأنت في الحمرا.

في الحمرا مطعمٌ يســمّى «سندويشة ونص»، أن تأكل فيه يعني أنّك تطرقُ باب بيروت الذي لا يرى.

فنادق الوســط التجاري مملّة، الموظفون يرتدون بدلات رســميّةٍ ثمنهــا أعلى من رواتبهــم، الحراس يحرسون مكاناً يحلمون أن يناموا فيه، أماّ النازلون فيها كثر: نســاءٌ ورجالٌ يتشدقون بكلماتٍ مصطنعة وابتساماتٍ صفراء تماشــياً مع الاتيكيت، حتى حين يتبادلون التحيّة تشــعر بأنها قــادرة على تجفيف أوراق التبغ.

المقاهِي في بيروت أيضاً مملة، خصوصاً تلك التي يلجأ إليها المثقف ليقرأ، أو الحبيبان ليتبادلا العناق، أو الصديقات ليدرســا، أو.... كلّ هذا يمكنك أن تفعله في الرصيف. هو حميمٌ أكثر من غيره.

في الحمرا التقيت بفتاةٍ تشــعرُ كلّمــا كانت معي بأنّها عارية. أحبها لأنها تشعرُ بذلك.

إن أردت أن تعرف عدد الذين يحبون بيروت اتجه إلى جسر الكولا، رائحة البول تخبرك بذلك.

الحارات في البســطة مــكانٌ مناســبٌ لأن تذيب حذاءك. هي جميلةٌ كســوقٍ شــعبيٍّ في حزام بؤس، البؤس هنا هــو بؤس الحرب التي لــم تنته بعد في ذاكرتهم....

٭ ٭٭

أتيت بيــروت وغادرتها ولم يكن الله قد ســحب خيط صنارته التي تعلقت بخطافها الشمس. الحذاء الذي تتطوى تحته طريق بشارة الخوري لن يجد له كراجاً يسعه.

في بيروت، لا داعي أن تســتقيم بسيرك، سر كما تريــد، فالطرقات ذات مقاسٍ واحــدٍ وجميعها يؤدي إليك.

 ??  ?? بهاء إيعالي
بهاء إيعالي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom